"واشنطن بوست": أوروبا تُعيد النظر في خطتها للتخلص من سيارات الوقود التقليدي
"واشنطن بوست": أوروبا تُعيد النظر في خطتها للتخلص من سيارات الوقود التقليدي
قررت المفوضية الأوروبية مراجعة خطتها الطموحة الرامية إلى حظر بيع السيارات الجديدة التي تعمل بالبنزين والديزل بحلول عام 2035، وذلك بعد تصاعد الانتقادات من جهات سياسية وصناعية داخل الاتحاد الأوروبي.
ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، الثلاثاء، أظهرت الوثائق والسياسات أن هذا الحظر، الذي شُرع في اقتراحه قبل أربعة أعوام، كان يُمثّل نقطة تحول في السياسة البيئية الأوروبية، ويُفترض به أن يسهم في تقليل انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، ويعزز التحوّل إلى السيارات الكهربائية.
لكن الواقع يكشف عن مسار أكثر تعقيدًا، فقد بدأت صناعة السيارات في أوروبا بتقليص الوظائف، في ظل منافسة شرسة من الصين التي تنتج السيارات الكهربائية بتكلفة أقل، ما دفع السياسيين والشركات لمطالبة الاتحاد بتقديم "مرونة" في تنفيذ الخطة.
ضغوط سياسية واقتصادية
واجهت الخطة الأوروبية معارضة شديدة من سياسيين ينتمون إلى التيار اليميني، ومن جماعات الضغط الصناعية.
وطالب عضو البرلمان الأوروبي عن حزب الشعب الأوروبي، ينس جيسكي، بمنح الصناعة "مرونة" لتجنب ما وصفه بتدمير صناعة السيارات.
ورأى مراقبون أن هذا الجدل يعكس تحوّلًا عالميًا عن مرحلة الوعود البيئية الحماسية إلى نقاش أكثر واقعية حول مدى قابلية تطبيق هذه السياسات.
ويمثّل قطاع السيارات نحو 7% من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي، كما تُعد شركات مثل فولكس فاجن ومرسيدس بنز وبي إم دبليو جزءًا من الهوية الاقتصادية للقارة، لكن منذ منتصف عام 2021، انخفضت القيمة السوقية لأكبر خمس شركات سيارات أوروبية من 364 مليار دولار إلى 197 مليار دولار، وهو تراجع حاد يعكس صعوبة المرحلة الانتقالية.
وأشارت المديرة الأولى في مجموعة النقل والبيئة في بروكسل، جوليا بوليسكانوفا، إلى وجود "خطر كبير" من احتمال تخفيف هدف 2035، وتوقعت أن تشمل المراجعة السماح باستمرار بيع السيارات الهجينة القابلة للشحن بعد ذلك العام، ما يعني فعليًا إطالة عمر سيارات البنزين في السوق الأوروبية.
ورغم ذلك، أكد مفوض المناخ الأوروبي، فوبكي هوكسترا، تمسكه بالهدف، في حين وصفت رئيسة وزراء إيطاليا، جورجيا ميلوني، الحظر بأنه "جنون أيديولوجي"، وتعهّدت بالسعي لتعديله.
انقسامات داخل البرلمان
شهد البرلمان الأوروبي نقاشات حادة، وصف خلالها بعض الأعضاء حظر 2035 بأنه "كارثة" لا تتماشى مع رغبات المستهلكين ولا مع واقع السوق.
قالت المديرة العامة لرابطة مصنعي السيارات الأوروبية، سيغريد دي فريس: "لا يسير التحول وفق الخطة.. الاعتماد فقط على اللوائح أمر ساذج"، وأضافت أن هناك إدراكًا متزايدًا بضرورة مراجعة المسار.
وخففت بريطانيا في الشهر الماضي من خطتها، حيث مددت مهلة بيع السيارات الهجينة حتى عام 2035 بدلًا من 2030.
وفي الولايات المتحدة، صوّت مجلس النواب ضد تطبيق قاعدة تمنع بيع سيارات البنزين الجديدة في ولاية كاليفورنيا ابتداءً من 2035، مما يُعرّض الخطة لمعركة قانونية محتملة.
واشترى المستهلكون الأوروبيون في عام 2024 نحو 10 ملايين سيارة، منها فقط 13.6% كهربائية بالكامل، وعلى الرغم من هذا الارتفاع مقارنة بعام 2021، إلا أن النمو ما يزال أبطأ من المطلوب لتحقيق هدف 2035.
يُباع متوسط السيارة الكهربائية في أوروبا بسعر 46 ألف يورو (حوالي 52 ألف دولار)، وهو ما يشكّل عائقًا كبيرًا أمام عموم المستهلكين.
وتواجه شركات مثل فولكس فاجن صعوبات في إنتاج طُرز كهربائية بأسعار مناسبة، ما دفعها للتركيز على السيارات الفاخرة والحفاظ على نماذج البنزين عالية الربحية، لكن هذا التوجّه جعلها عرضة للمنافسة من الصين، التي تنتج سيارات كهربائية اقتصادية بفضل تفوّقها في تصنيع البطاريات، وتوفر المعادن الأساسية، والدعم الحكومي.
تراجع الشركات الأوروبية
أعلنت مجموعة فولكس فاجن في 2023 نيتها تسريح 35 ألف موظف بحلول عام 2030، بعد تعثر مشروعها للتحوّل إلى السيارات الكهربائية، وتراجع خططها لإنشاء مصانع بطاريات أوروبية.
وأكدت الشركة أنها ما زالت ملتزمة بمستقبل "كهربائي"، وكشفت أخيرًا عن خطة لإطلاق طراز منخفض السعر بحلول 2027 بنحو 20 ألف يورو.
ورغم ذلك، صرح الرئيس التنفيذي أوليفر بلوم بأن تطبيق الحظر يجب أن يأخذ بعين الاعتبار "سرعة انتشار التكنولوجيا"، مطالبًا بمرونة سياسية.
وقال عضو البرلمان عن حزب الخضر، مايكل بلوس، إن استراتيجية شركات السيارات أصبحت "غامضة"، وإن التردد في تبني السيارات الكهربائية يُضعف ثقة السوق.
وعدّ بلوس "المجال السياسي" ينبغي أن يقدّم الوضوح والثقة، لا أن يزيد من حالة الارتباك.
تقنيات جديدة
قدّمت شركتا CATL وBYD الصينيتان تقنية جديدة تتيح شحن البطاريات بسرعة كبيرة، متجاوزة بذلك الوقت اللازم لملء سيارة بالوقود.
وفي المقابل، أعلنت شركة Northvolt السويدية إفلاسها في مارس، كما علّقت شركة ACC الأوروبية خططًا لبناء مصانع جديدة في ألمانيا وإيطاليا.
وردّ الاتحاد الأوروبي بالإعلان عن إجراءات لدعم الصناعة، شملت توفير تمويل إضافي لقطاع البطاريات، ومنح الشركات ثلاث سنوات بدلًا من سنة واحدة لتحقيق أهداف انبعاثات الكربون، مع اعتماد متوسط الأداء بين 2025 و2027.
وصرّحت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، بأن الهدف هو "ضمان مستقبل صناعة السيارات في أوروبا دون شك".
وأضافت: "لا يمكننا السماح بأن تصبح السيارات الكهربائية أغلى من أن يتمكن المستهلك من اقتنائها، لكن لا يمكننا أيضًا خلق تبعيات جديدة لصناعتنا".