"فايننشيال تايمز": البابا ليو الرابع عشر يرث نداء فرنسيس لإلغاء ديون الدول الفقيرة
"فايننشيال تايمز": البابا ليو الرابع عشر يرث نداء فرنسيس لإلغاء ديون الدول الفقيرة
يتجه البابا ليو الرابع عشر، خليفة البابا فرنسيس، إلى تكثيف الجهود الكنسية لدعم الدول الفقيرة المثقلة بالديون، مستلهماً تقاليد "عام اليوبيل" الكاثوليكي الذي يقام كل 25 عاماً.
ووفقا لتقرير نشرته "فايننشيال تايمز" الأربعاء، يأتي ذلك امتدادا لدعوة سلفه التاريخية لقادة الدول المسيحية بمناسبة رأس السنة الميلادية 2025، حيث طالبهم بأن يكونوا "قدوة" عبر إلغاء أو تقليل ديون الدول الأفقر بشكل جذري، يعيد هذا المشروع إلى الأذهان نجاح حملة "يوبيل 2000" التي أسفرت عن شطب ديون 40 دولة نامية.
وعرف عن البابا فرنسيس الراحل آراؤه الواضحة والصريحة في العديد من القضايا العالمية، وبرز من بينها اهتمامه باستدامة أعباء الديون السيادية التي تثقل كاهل الأسواق الناشئة.
المبادرة لإلغاء الديون
وجه فرنسيس نداءً في خطابه بمناسبة بداية العام الميلادي الحالي، طالب فيه "قادة الدول ذات التقاليد المسيحية بأن يبادروا بتقديم القدوة من خلال إلغاء ديون الدول الأكثر فقرًا أو تخفيضها بشكل ملحوظ".
وتزامن هذا الطلب مع توقيت مهم، حيث يحل عام 2025 كأحد أعوام اليوبيل بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية، وهي مناسبة تتكرر كل 25 عامًا ويُعتاد فيها التخفيف من الديون.
استلهمت حملة "يوبيل 2000" العالمية المؤثرة من اليوبيل السابق، ونجحت في الدفاع عن شطب الديون السيادية لما يقارب أربعين دولة فقيرة، تجدر الإشارة إلى أن جنوب إفريقيا، التي تترأس مجموعة العشرين هذا العام، أدرجت هذه القضية ضمن جدول أعمالها.
الديون تتراجع بشكل غير متوقع
لكن، على عكس التوقعات، تراجعت مؤخرًا حدة المشكلات التي تواجه الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط المثقلة بالديون، ربما أظهرت التعريفات الجمركية التي فرضها دونالد ترامب والتخفيضات الكبيرة في المساعدات الخارجية التي تبناها استهانة برفاهية العالم النامي، إلا أن أداء الأسواق الناشئة (ذات الدخل المتوسط) والأسواق الحدودية (ذات الدخل المنخفض والأكثر عرضة للمخاطر) كان جيدًا نسبيًا.
وتحسب شركة كابيتال إيكونوميكس الاستشارية أن نسبة الدول التي تعاني من ضائقة ديون، على الرغم من تسجيلها ارتفاعًا طفيفًا، لا تزال أقل بكثير من المستويات التي شهدتها فترات الصدمات الناجمة عن جائحة كوفيد-19 والغزو الروسي لأوكرانيا، كذلك انخفض المؤشر الذي تقيسه الشركة لمخاطر العملات في الأسواق الناشئة.
وقد يبدو هذا الأمر مفاجئًا، لكن يبدو أن عالم الأسواق الناشئة يخرج تدريجيًا من فترة اضطراب استمرت خمس سنوات وأثرت بشدة على الدول التي تعتمد اقتصاداتها على الصادرات ورأس المال الأجنبي.
سياسات ترامب التجارية
في واقع الأمر، وبشكل غير متوقع، أدت حروب ترامب الجمركية إلى خلق بيئة إيجابية بشكل ملحوظ للأسواق الناشئة، على الرغم من أنه لا يمكن لأحد أن يجزم بوجود إدارة حكيمة لسعر الصرف كجزء من "اتفاقية مار-أ-لاغو" الوهمية، فقد شهد الدولار الأمريكي ضعفًا، وهو ما أفاد الأسواق الناشئة التي تقترض بعملة الدولار.
ولم يظهر حتى الآن التأثير السلبي التقليدي الذي عادة ما يصاحب النفور من المخاطرة الناتج عن السياسات الأمريكية غير التقليدية، والذي يتمثل في الهروب نحو الأصول الآمنة وارتفاع قيمة الدولار.
وتمثل التأثير الصافي للاستراتيجية التجارية المتسمة بالفوضى وضعف النمو في انخفاض عوائد سندات الخزانة الأمريكية، وهو ما دعم بدوره تدفقات رأس المال إلى الأسواق ذات العائد الأعلى في مناطق أخرى، وظل الفارق في أسعار سندات الأسواق الناشئة مقارنة بالسندات الأمريكية، والذي يرتفع عادة في أوقات التوتر وعدم اليقين في الأسواق المالية، ضمن نطاق محدود.
وبينما تخلق التعريفات الجمركية حالة من عدم اليقين الشديد بالنسبة للأسواق الناشئة التي تعتمد على الصادرات إلى الولايات المتحدة، مثل بنغلاديش وفيتنام وباكستان وكمبوديا، فقد تركزت الإجراءات التجارية التي اتخذها ترامب بشكل أساسي على الصين، ونتيجة لذلك اكتسبت الأسواق الناشئة والحدودية الأخرى وصولًا نسبيًا إلى السوق الأمريكية.
مخاطر متفاوتة
على المستوى الفردي، لا تزال بعض الاقتصادات تواجه خطرًا كبيرًا من تجدد الاضطرابات المالية، تشير تقديرات كابيتال إيكونوميكس إلى أن دولًا مثل الأرجنتين، التي تعاني من أزمة اقتصادية مزمنة، بالإضافة إلى سريلانكا وموزمبيق ومصر وأوكرانيا (لأسباب واضحة)، لا تزال أكثر عرضة لمخاطر الديون أو العملات مقارنة بدول أكثر استقرارًا مثل فيتنام، لكنها تلفت الانتباه أيضًا إلى أن بعض هذه الدول -بما في ذلك الأرجنتين ومصر، وخاصة تركيا- بذلت جهودًا ملحوظة لتحسين أوضاعها المالية العامة والحد من تلك المخاطر.
توقعات حذرة
لن يكون من الحكمة التنبؤ بهدوء دائم في الدول ذات الدخل المتوسط والمنخفض، فبمجرد أن يتوقف ترامب عن فرض الرسوم الجمركية، أو حتى يكتفي بما تم فرضه، قد يبدأ في تطبيق تخفيضات ضريبية كبيرة بما يكفي لرفع أسعار الفائدة وقيمة الدولار.
وقد تكون الصين أيضًا مصدرًا لعدم الاستقرار، يظل هناك دائمًا خطر لجوء بكين إلى خفض قيمة الرنمينبي لتعويض فقدان القدرة التنافسية الناتج عن الرسوم الجمركية الأمريكية وتجنب الانكماش، وهو ما سيؤثر بلا شك على الأسواق الناشئة الأخرى.
وإذا عادت حالة النفور من المخاطرة ومشكلات الديون والعملات إلى الظهور في الأسواق الناشئة، فإن العالم ليس في وضع مثالي للتعامل معها، فقد واجهت محاولة إنشاء آلية دولية سريعة وقابلة للتنبؤ لإعادة هيكلة الديون خلافات بين الصين ودول دائنة أخرى، ما أدى إلى إطالة أمد حل أزمات الديون في زامبيا وسريلانكا لعدة سنوات.
الاستجابة لأزمات الديون
يظل حجم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي صغيرًا نسبيًا مقارنة بحجم تدفقات رأس المال العالمية، وعلى الرغم من أن ترامب كان تاريخيًا من أشد المؤيدين لإعفاء الدائنين من ديونهم وشركاته، سواء طواعية أو قسرًا، فمن غير المرجح أن يطبق نفس المعاملة نيابة عن الولايات المتحدة على الحكومات المدينة.
وفي هذا السياق، لا شك أن خليفة البابا فرنسيس، ليو الرابع عشر، سيكون على استعداد لتلبية الدعوة إلى تخفيف أعباء الديون على نطاق واسع، لكن يبدو من المستبعد أن يحظى ترامب، مع توليه رئاسة الولايات المتحدة، بنفس الاستجابة التي لقيها البابا يوحنا بولس الثاني من الرئيس بيل كلينتون خلال اليوبيل الأخير قبل 25 عامًا.