"الإيكونوميست": الثقة والاستثمار المجتمعي وراء تراجع جرائم القتل في أحد أخطر أحياء أمريكا

"الإيكونوميست": الثقة والاستثمار المجتمعي وراء تراجع جرائم القتل في أحد أخطر أحياء أمريكا
منظومة القضاء والأمن

 

 

سلط تقرير نشرته مجلة "الإيكونوميست"، السبت، الضوء على تجربة حي "ساند تاون وينشستر" في مدينة بالتيمور الأمريكية، والذي طالما عُرف بأنه أحد أخطر الأحياء في البلاد، حيث أصبح هذا الحي يشهد اليوم تحولاً غير مسبوق، مع انخفاض ملحوظ في جرائم القتل والعنف المسلح.

ويبدو أن السر بحسب المجلة، يكمن في الاستثمار المجتمعي وبناء الثقة بين السكان والشرطة، وهو نهج يُعيد الاعتبار لمقاربة حقوقية طال غيابها عن سياسات الأمن في المدن الأمريكية.

حققت مدينة بالتيمور، الواقعة في ولاية ميريلاند، تراجعًا لافتًا في معدل جرائم القتل منذ بداية العام الجاري، حيث سجّلت السلطات المحلية 45 جريمة قتل فقط خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2024، وهو ما يمثل انخفاضًا بنسبة الثلث مقارنةً بنفس الفترة من العام الماضي.

بلغ عدد جرائم القتل في المدينة عام 2023 نحو 262 حالة، في حين كانت قد وصلت إلى 344 في عام 2021، وهو أعلى رقم منذ عقود.

أدى هذا التحول إلى إعادة تقييم سياسات الأمن، لا سيما في أحياء كانت تُعرف بارتفاع معدلات العنف، مثل "ساند تاون وينشستر" الذي وُصف سابقًا بأنه "نقطة ساخنة" للجريمة المنظمة والعنف المسلح.

برامج الدعم المجتمعي

قادت السلطات المحلية تحوّلاً نوعيًا في مقاربة الأمن، من خلال توجيه الموارد نحو برامج مجتمعية تعالج جذور العنف، وليس فقط مظاهره.

اعتمدت المدينة منذ عام 2022 على "استراتيجية الحد من العنف الجماعي"، وهو نموذج يُركّز على تقديم الدعم للأفراد الأكثر عرضة للانخراط في العنف، بدلًا من الاقتصار على الإجراءات العقابية.

قدّمت هذه المبادرة خيارات بديلة للشباب المتورطين في النظام الجنائي، تتنوع بين برامج إعادة التأهيل، والعلاج من الإدمان، والتدريب المهني.

قال مفوض شرطة بالتيمور مايكل هاريسون إن هذه المقاربة "أثبتت فعاليتها لأنها تُشرك السكان في صياغة الحلول الأمنية"، مشددًا على أن "الشرطة وحدها لا تستطيع إنهاء العنف".

ووفّرت وزارة العدل الأمريكية تمويلًا إضافيًا للبرامج المجتمعية ضمن خطة وطنية أُطلقت عام 2022 بعنوان "الاستثمار في حلول العنف المجتمعي".

تجاوزت قيمة المخصصات 100 مليون دولار وُزّعت على 47 مدينة، من بينها بالتيمور، لتمويل برامج غير تقليدية تركّز على الوقاية بدلاً من الردع فقط.

أسهمت هذه الاستثمارات في خلق وظائف محلية، وتنشيط المبادرات الشبابية، وزيادة فرص التدريب المهني، ما عزز الشعور بالانتماء بين السكان.

نوّه عمدة مدينة بالتيمور براندون سكوت بأن هذه المبادرات "لا تُخفض معدلات الجريمة فحسب، بل تُعيد الكرامة إلى المجتمعات التي عانت طويلًا من الإقصاء والتهميش".

التكنولوجيا تشكل عاملاً مساعداً

فعّلت الشرطة في بالتيمور أنظمة مراقبة جديدة، مثل أجهزة تتبع المركبات، وأقفال العجلات، وأجهزة إنذار فورية، ما ساعد على تقليص سرقات السيارات بنسبة وصلت إلى 41% منذ بداية العام.

انخفضت حالات إطلاق النار بنسبة 21% خلال نفس الفترة، ما يعكس تناغمًا بين المقاربات التقنية والمجتمعية.

ورغم هذه النتائج المشجعة، نبّه بعض الخبراء إلى ضرورة توخي الحذر، إذ يُمكن أن تكون بعض التغيرات قصيرة الأجل إن لم تُرسَّخ بوسائل مستدامة.

تقليص التمويل

تعرّضت بعض البرامج المجتمعية إلى تقليص في التمويل مع تغيّر أولويات الحكومة الفيدرالية في عام 2023، وتراجع الدعم المالي لمبادرة "معالجة العنف المجتمعي" التي كانت تعتمد على التحويلات المباشرة من الحكومة المركزية إلى البلديات، دون المرور عبر أجهزة الشرطة.

أدى هذا الانخفاض إلى تعليق بعض البرامج في المدن التي كانت تعتمد بشكل كبير على هذه الأموال، مثل فيلادلفيا ونيو أورلينز، بينما حافظت بالتيمور على جزء من استقرارها بفضل دعم محلي مستمر.

أبرز التقرير أن التحول في حي "ساند تاون وينشستر" لا يقتصر على تراجع الجريمة فقط، بل يتعداه إلى استعادة ثقة السكان بالمؤسسات العامة، بعد سنوات من القطيعة بسبب عنف الشرطة والفقر المُزمن.

وعكست السياسات الجديدة فهمًا أعمق لحقوق السكان في الأمن، والعدالة، والتنمية، وهو ما يتطلب استمرارية في التمويل وشفافية في التقييم.

تُظهر تجربة بالتيمور أن مكافحة العنف تتطلب أكثر من مجرد حضور أمني مكثف، بل تعتمد على شراكة حقيقية مع المجتمع، تستثمر في البشر والبنية الاجتماعية، لا فقط في المعدات والدوريات.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية