بخدمات مجانية.. عيادة أممية تمثل طوق نجاة لأمهات في شمال نيجيريا

بخدمات مجانية.. عيادة أممية تمثل طوق نجاة لأمهات في شمال نيجيريا
العيادة الأممية تقدم خدماتها للمرأة في نيجيريا

تجمّعت ألوان الحياة داخل عيادة أممية في مايدوجوري، المدينة النيجيرية التي مزّقتها حرب دامت 15 عامًا، في غرفة رعاية الأمومة، اختلطت عباءات النساء الخضراء والبنية والأصفر بزيّ الممرضات الأرجواني والأبيض، في مشهد يعكس صمود الأمهات في مواجهة الخطر.

داخل هذا المكان، توزّع القابلات مجموعات ولادة طارئة، وأخرى تُسمى "مجموعات الكرامة" لضحايا الاعتداءات الجنسية، إضافة إلى فوط قابلة لإعادة الاستخدام، في محاولة للحد من استغلال الفتيات الصغيرات وفق صحيفة "الغارديان" البريطانية.

من الخوف إلى التمكين

جلست يانجانا محمد، ذات الـ32 عامًا، تبتسم وهي تحمل بطاقة طبية صفراء، في انتظار تغيير غرسة منع الحمل. قالت بثقة: "أنا سعيدة جدًا بهذه العيادة. الخدمات هنا مجانية وهذا يمنحني راحة بال".

قبل خمس سنوات، فرت محمد من بلدة "غوم" هاربة من عنف جماعة بوكو حرام، لم تكن تعرف حينها شيئًا عن تنظيم الأسرة، حتى وصلتها التوعية من خلال العيادة التي وجدت فيها الأمان والمعرفة.

اقترح زوجها، وهو متطوع في قوة دفاع محلية، أن تتجه إلى العيادة بعد ولادتها الأخيرة، ومنذ ذلك الحين، تغيّرت رؤيتها لجسدها ومستقبلها.

في مركز صحي تدعمه اليونيسف، انتظرت عائشة، البالغة 25 عامًا، دورها في صمت، وهي تتذكّر لحظة كادت تفقد فيها حياتها بسبب نزيف حاد تطلّب خمسة أكياس من الدم.

كان زوجها يمنعها سابقًا من حضور جلسات التوعية، لكنه غيّر رأيه بعد نجاتها من الخطر، هذا التحول يُمثّل بصيص أمل في بيئة تُسيطر عليها معتقدات تقليدية تمنع النساء من الاعتناء بأجسادهن.

تحديات بلا نهاية

كشف تقرير أممي أن نيجيريا سجّلت 75 ألف وفاة أمومية في 2023، وهو رقم يُمثّل ثلث وفيات الأمهات عالميًا، وكانت الحصة الأكبر منها في الشمال الشرقي، حيث تؤدي الفجوات الاقتصادية والثقافية إلى تفاقم الأزمة.

قال ريتجاك تيلي-غيادو، اختصاصي الصحة في البنك الدولي: "المرأة في شمال نيجيريا أكثر عرضة للموت أثناء الولادة بعشر مرات من نظيرتها في الجنوب".

أوضح تروند جينسن، منسق الشؤون الإنسانية في مايدوجوري، أن حالات سوء التغذية بين الأمهات الشابات ترفع منسوب الخطر، مضيفاً: "النساء يلدن مبكرًا جدًا، وبفواصل زمنية قصيرة، ما يعرّضهن لمضاعفات قد تكون مميتة".

البنية التحتية تنهار

انهارت المنشآت الصحية في مناطق كثيرة جرّاء الحرب، بينما تُستخدم الطائرات في بعض الأحيان لإيصال الدعم الطبي، وعلى الرغم من الاحتياج الهائل، لم يُغطَّ سوى نصف خطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة لعام 2024، البالغة 927 مليون دولار.

في ظل انسحاب بعض الجهات المانحة وتقليص أخرى، يُحذّر العاملون في المجال من كارثة وشيكة، خاصة مع اقتراب "موسم الجفاف" بين يونيو وسبتمبر، حيث يتوقع أن يُواجه 23 ألف طفل خطر الموت جوعًا.

وقال جينسن: "70% من منشآتنا الصحية تضرّرت بسبب نقص التمويل"، مضيفًا: "نتخذ قرارات صعبة يوميًا، ونناشد المانحين دعم الشركاء المحليين لتقليل كلفة العمليات".

لكن وسط هذا العجز، تواصل العيادات إنقاذ الأرواح بهدوء، دون أن يشعر المنتفعون بالصراع القائم وراء الكواليس.

رسالة من أم لابنتها

أعربت يانجانا محمد عن أملها في أن تظل العيادة قائمة حتى تستخدمها ابنتها حفصة (16 عامًا)، قائلة: "أنقل لها ما تعلمته عن النظافة والصحة الإنجابية. هي ليست فقط ابنتي، بل صديقتي".

كلماتها البسيطة تجسّد المعركة اليومية التي تخوضها الأمهات هنا، حيث تُصبح المعرفة حماية، والعيادة مأوى، والبطاقة الطبية صك حياة.

تُواجه نيجيريا، أكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان، أزمة صحة إنجابية حادة، لا سيما في المناطق المتأثرة بالنزاعات مثل شمال شرق البلاد.

ويُعد تمرد جماعة بوكو حرام، المستمر منذ أكثر من عقد ونصف، من أبرز أسباب تدهور الخدمات الصحية، إذ دمّر البنية التحتية وأدى إلى نزوح ملايين الأشخاص، ومع اعتماد الحكومة على التمويل الدولي في تشغيل العيادات الميدانية، تواجه تلك المرافق خطر الإغلاق في ظل الانسحاب الجزئي لبعض الجهات المانحة، ما ينذر بتفاقم معدلات وفيات الأمهات والأطفال.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية