يسرا مارديني.. نجمة السباحة السورية التي أنقذت اللاجئين من الغرق

يسرا مارديني.. نجمة السباحة السورية التي أنقذت اللاجئين من الغرق
يسرا مارديني

لكل لاجئ حكاية تُروى، تحمل بين طياتها تفاصيل موجعة، لكنها في جوهرها حكايات شجاعة وأمل، ورغم اختلاف القصص في الأسماء والأمكنة، فإن ثمة خيطًا مشتركًا بينها جميعًا.. بداية تفرضها قسوة الواقع، وقرار مغادرة الوطن بحثًا عن الحياة، ورحلة محفوفة بالمخاطر، قد يعلو فيها صوت الموت على صوت النجاة.

يصل اللاجئون إلى بلدان جديدة، إلى مجتمعات تتباين في مواقفها منهم؛ بين من يفتح ذراعيه لاستقبالهم، ومن يُغلق الأبواب في وجوههم، رافضًا منحهم فرصة ثانية لبدء حياة جديدة، مختلفة عن تلك التي هربوا منها.

في العشرين من يونيو كل عام، يُحيي العالم اليوم العالمي للاجئين، مناسبة خصصتها الأمم المتحدة لتكريم الملايين الذين أُجبروا على مغادرة أوطانهم بسبب الحرب أو الاضطهاد، هذا اليوم ليس مجرد تذكرة بالمعاناة، بل دعوة لاحترام حقوق اللاجئين، والاعتراف بكرامتهم، ودعمهم بما يكفي ليتمكنوا من البقاء والازدهار.

رسالة إنسانية للعالم

ومن بين هذه القصص التي أضاءت عتمة اللجوء، تبرز قصة يسرا مارديني، الفتاة السورية التي تحولت من لاجئة على قارب مهدد بالغرق إلى رياضية أولمبية تحمل رسالة إنسانية للعالم.

يسرا، المولودة في دمشق عام 1998، نشأت في بيئة رياضية، وتلقت تدريباً في السباحة بدعم من اللجنة الأولمبية السورية، حتى مثّلت بلدها في منافسات رسمية عام 2012، لكن الحرب غيّرت مسار حياتها، ففي عام 2015، ومع تصاعد النزاع في سوريا، لم تعد الحياة في الوطن ممكنة، فقررت الفرار مع شقيقتها سارة، في رحلة بدأت من لبنان، مروراً بتركيا، ثم ركوب قارب مطاطي باتجاه اليونان.

لكن القارب لم يسلم من الخطر، عندما توقف في عرض البحر، لم تنتظر يسرا المصير المحتوم، قفزت إلى المياه مع أختها واثنين آخرين، وسحبوا القارب الذي كان يقل 18 لاجئًا، سباحةً، لمدة ثلاث ساعات متواصلة، حتى وصلوا جميعًا إلى الشاطئ سالمين، كانت تلك لحظة نجاة وبداية جديدة.

بعد أن وصلت إلى جزيرة ليسبوس اليونانية، تابعت يسرا وشقيقتها رحلتهما إلى أوروبا سيراً على الأقدام، إلى أن استقرت بهما الحال في ألمانيا، وهناك، لم تستسلم يسرا لعبء اللجوء، بل عادت إلى المسبح، وبدأت بالتدرب من جديد.

وفي عام 2016، لمع اسمها عالميًا عندما اختيرت ضمن أول فريق أولمبي للاجئين تابع للجنة الأولمبية الدولية، وشاركت في أولمبياد ريو دي جانيرو، في سباقي 100 متر حرة و100 متر فراشة.

لحظة دخولها الملعب الأولمبي، غمرتها مشاعر يصعب وصفها، وقالت: "في تلك اللحظة، تغيرت نظرتي لكلمة لاجئ، ربما لا أحمل علم بلدي، لكنني أحمل العلم الأولمبي.. علم العالم كله".

السباحة وسيلة نجاة

السباحة بالنسبة لها لم تكن مجرد رياضة، بل وسيلة نجاة وأمل، تقول: "علمتني السباحة الصبر، وأن أطلب المساعدة، وأن أبدأ من جديد، أن تمر بظروف صعبة لا يعني أن هذه هي النهاية".

واصلت يسرا مسيرتها الرياضية، وشاركت في أولمبياد طوكيو 2020، ورفعت بفخر علم فريق اللاجئين في حفل الافتتاح، مؤكدة للعالم أن اللاجئين ليسوا أرقامًا.. بل أصحاب قصص ملهمة.

وراء هذه المسيرة الرياضية، حرصت يسرا أيضًا على أن يكون لها دور إنساني، في عام 2017، شاركت في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، كأصغر مشاركة في تاريخ المنتدى، وفي العام نفسه اختيرت سفيرة للنوايا الحسنة لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لتصبح صوتًا لمن لا صوت لهم.

وفي يوم اللاجئ العالمي عام 2023، أطلقت يسرا "مؤسسة يسرا مارديني"، لدعم التعليم والرياضة في المجتمعات اللاجئة، محاولةً أن ترد الجميل لأولئك الذين آمنوا بها، وساعدوها على بناء حياة جديدة.

وقد نشرت سيرتها الذاتية عام 2018 تحت عنوان "الفراشة: من لاجئة إلى أولمبية– قصتي عن الإنقاذ والأمل والانتصار"، لتُذكر العالم بأن اللاجئين ليسوا ضحايا، بل أناساً عاديين في ظروف استثنائية، قادتهم الحرب إلى طرق لم يختاروها.

وفي عام 2022، خرجت قصتها إلى الشاشة من خلال فيلم "السباحتان"، الذي يروي تجربتها التي خاضتها شقيقتها سارة، لقي الفيلم إشادة كبيرة لما قدمه من صورة صادقة ومؤثرة عن معاناة اللاجئين، وعلقت يسرا على ذلك قائلة: "أردنا أن يكون الفيلم حقيقيًا بقدر الإمكان، صحيح أنه احتوى على بعض عناصر الخيال، لكنه حافظ على روح قصتنا الحقيقية".

وفي عام 2025، وبعد عشر سنوات من اللجوء، عادت يسرا إلى سوريا، هناك، وقفت باكية أمام أنقاض منزلها في دمشق، بيت الطفولة الذي دمرته الحرب، كما دمرت أحلام الملايين، لكن العودة، ولو كانت عاطفية، تظل رمزا للأمل في أن تبدأ سوريا رحلة الشفاء والعودة للحياة.. تماماً كما بدأت يسرا من جديد.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية