دراسة: برك جليد أنتاركتيكا تكشف أسرار الحياة الأولى على الأرض

دراسة: برك جليد أنتاركتيكا تكشف أسرار الحياة الأولى على الأرض
الجليد- أرشيف

كشفت دراسة علمية حديثة أن برك الجليد الذائبة في القارة القطبية الجنوبية تحتوي على تنوع مذهل من الكائنات الدقيقة، ما يدعم فرضية أن هذه البيئات القاسية قد تكون شكلت ملجأً للحياة خلال العصور الجليدية التي مرت بها الأرض.

وأشارت الدراسة التي أشرف على إعدادها فريق دولي من الباحثين بتكليف من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، ونُشرت نتائجها الخميس، إلى أن هذه البرك الصغيرة قد تكون مشابهة للواحات البيئية التي حافظت على الحياة خلال إحدى أكثر الفترات قسوة في تاريخ الكوكب، وهي العصر الكريوجيني الذي حدث قبل ما بين 720 و635 مليون سنة، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس"، اليوم الجمعة.

وشهدت الأرض في العصور السحيقة سلسلة من الفترات الجليدية العنيفة، حيث تدنّت درجات الحرارة إلى ما يقارب 50 درجة مئوية تحت الصفر، ووصل الجليد حتى خط الاستواء. لكن ورغم هذه الظروف القاسية، لم تختف الحياة من الكوكب.

وفي هذا السياق، تقول فاطمة حسين، المعدة الرئيسية للدراسة وطالبة الدكتوراه في قسم علوم الأرض والكواكب بمعهد MIT، لوكالة فرانس برس: "لدينا أدلة حفرية تؤكد وجود أشكال حياة معقدة قبل العصر الجليدي وبعده... السؤال الذي أردنا الإجابة عنه هو: أين لجأت هذه الحياة خلال تلك الفترات؟".

وقد تناولت الدراسة عدداً من الفرضيات السابقة حول مواقع محتملة لاستمرار الحياة، كالمحيطات المفتوحة، والفتحات الحرارية في أعماق البحار، أو حتى الطبقات الجليدية الرقيقة. غير أن هذه الدراسة تركزت على سيناريو آخر أكثر بساطة: برك من المياه الذائبة في مناطق استوائية جليدية.

أنتاركتيكا.. مرآةٌ للماضي الجليدي

اختار الفريق البحثي التوجه إلى منطقة جرف ماكموردو الجليدي في شرق القارة القطبية الجنوبية، وتحديداً إلى مواقع معروفة بوجود برك جليدية صغيرة يتراوح عرضها بين أمتار قليلة وعمقها بين 10 و30 سنتيمتراً.

في هذه البرك، تتراكم طبقات عضوية تحتوي على ميكروبات وكائنات دقيقة، منها البكتيريا الزرقاء التي تشتهر بقدرتها على القيام بعملية التمثيل الضوئي وتحملها الشديد للظروف البيئية القاسية.

لكن المفاجأة الكبرى تمثلت في اكتشاف الباحثين آثارًا واضحة لحقيقيات النوى، مثل الطحالب والحيوانات المجهرية، ما يدل على تنوع بيولوجي أكبر بكثير مما كان يُعتقد.

تقول الباحثة فاطمة حسين: "لم تكن أي بركة تشبه الأخرى، فكل واحدة استضافت تركيبة فريدة من الكائنات الدقيقة، تتأثر بمستويات الملوحة والحرارة والضوء".

دروس من الأرض

يرى الفريق البحثي أن هذه النتائج لا تُقدم فقط إجابة محتملة عن المكان الذي احتمت فيه الحياة على الأرض خلال العصور الجليدية، بل قد تحمل دلالات كبيرة على البحث عن حياة في الكواكب أو الأقمار الجليدية.

وتوضح حسين: "دراسة مثل هذه البيئات على الأرض يمكن أن تسهم في توسيع فهمنا للبيئات القابلة للحياة خارج كوكبنا، مثل القمرين الجليديين إنسيلادوس وأوروبا التابعين لزحل والمشتري".

ويعزز هذا التصور التقارب الكبير بين الظروف البيئية في برك أنتاركتيكا وخصائص بعض الأجرام السماوية التي يغطيها الجليد، والتي يعتقد العلماء أنها قد تحتوي على محيطات تحت السطح.

العلم يلاحق الزمن السحيق

تسعى هذه الدراسة إلى إعادة بناء سيناريوهات الحياة على الأرض عندما كانت أشبه بـ"كرة ثلج"، وتؤكد أن الحياة وجدت لنفسها طريقًا للبقاء حتى في أقسى الظروف.

وتختم فاطمة حسين، قائلة: "ما اكتشفناه هو أن الحياة لا تستسلم بسهولة.. ومثلما نجت من برد الأرض المتجمدة، فقد تكون قادرة أيضًا على الازدهار في أماكن أخرى في الكون".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية