مقررة أممية: القمع الانتخابي يقوض الديمقراطية ويهدد حرية التجمع عالمياً
خلال الدورة الـ59 لمجلس حقوق الإنسان
حذّرت المقررة الخاصة المعنية بالحق في حرية التجمع السلمي والحق في حرية تكوين الجمعيات، جينا روميرو، من أن دورة الانتخابات الكبرى بين عامي 2023 و2025 شهدت تراجعاً خطِراً في الديمقراطية، وتآكلًا واسعًا في الحريات العامة، بما في ذلك الحق في الترشح والتصويت والمشاركة في الشأن العام.
جاء ذلك في تقرير قدمته المقررة الخاصة إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في دورته الـ59 التي تتواصل حتى 9 يوليو الجاري، واطلع «جسور بوست» على نسخة منه.
وأكد التقرير أن الانتخابات التي أجريت خلال هذه الدورة، والتي شارك فيها نصف سكان العالم، جرت في بيئة تتسم بتزايد الاستبداد وتقلص الحيز المدني، لافتًا إلى أن العديد من الاستحقاقات الانتخابية شابها الترهيب والقمع وانتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان، أثرت بشكل مباشر في نزاهة العملية الديمقراطية.
وأشارت المقررة الخاصة إلى أن المجتمع المدني لعب دوراً حاسماً خلال الانتخابات، إلا أنه تعرض لممارسات قمعية ممنهجة في عدة دول، تتضمن سن قوانين تقيد حرية الجمعيات وتجرم التمويل الأجنبي، تحت مسمى «النفوذ الأجنبي»، وحذرت من أن هذه التشريعات تُستخدم كأدوات لتشويه السمعة، وفرض التفتيشات والعقوبات، ما يخلق بيئة عدائية للعمل الحقوقي المستقل.
ووفق التقرير، سنت العديد من الدول مثل روسيا، وبنغلاديش، وصربيا، تشريعات تستهدف المنظمات المدنية، وخاصة تلك العاملة في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، ما حد من قدرتها على مراقبة الانتخابات أو التوعية الجماهيرية.
ورصد التقرير ممارسات واسعة النطاق من التضييق على قادة أحزاب المعارضة ومرشحيهم وأنصارهم، عبر الاعتقالات التعسفية، والرقابة الأمنية، وحل الأحزاب بشكل غير قانوني. ففي أذربيجان، فرضت السلطات شروط تسجيل مرهقة على الأحزاب السياسية، وقيودا صارمة على العضوية، بما أدى إلى تضييق التعددية السياسية.
وفي روسيا، أُسقطت أهلية مرشحي المعارضة في الانتخابات الرئاسية لعام 2024 بسبب متطلبات تسجيل مفرطة. أما في عُمان، فأفاد التقرير بأن وزارة الداخلية تمارس رقابة كاملة على قوائم المرشحين لمجلس الشورى، وسط حظر للأحزاب السياسية، دون أي إمكانية للطعن، ما يمثل تدخلاً في سير العملية السياسية.
واستعرض التقرير نماذج حية من الحراك الشعبي المنظم الذي لعب دوراً في حماية الديمقراطية والضغط لإجراء انتخابات نزيهة. ففي السنغال، تصدت حركة احتجاجية بقيادة الشباب لمحاولات تأجيل الانتخابات الرئاسية في فبراير 2024، وأسهمت في ضمان انتقال سلمي للسلطة.
وفي غواتيمالا، قاومت حركة شعبية تقودها مجتمعات السكان الأصليين محاولات تقويض نتائج الانتخابات الرئاسية في يونيو 2023، ما أدى إلى تنصيب الحكومة الجديدة، ومهد الطريق لمشاركة أوسع للفئات المهمشة. أما في بنغلاديش، فقد أطاحت احتجاجات ما بعد الانتخابات البرلمانية في يناير 2024 بالحكومة الاستبدادية، وفق التقرير.
وأكدت المقررة الخاصة أن تمثيل المرأة لا يزال دون المستوى، حيث لم يسجل ارتفاع تمثيل النساء في البرلمانات عام 2024 سوى بنسبة 0.3%، وهو أبطأ تقدم منذ عام 2017. ولفت التقرير إلى أن النساء يواجهن تمييزاً هيكلياً، وعنفاً جنسانياً، وترهيباً رقمياً، إضافة إلى ضعف التمويل، وهو ما يحد من مشاركتهن السياسية الفعالة.
وأشار التقرير إلى أن المنظمات النسوية ومنظمات المجتمع المدني تبذل جهوداً ملموسة لتعزيز إدماج النساء والفئات المهمشة، خاصة من خلال بناء القدرات ومراقبة العنف الانتخابي، إلا أن التقدم لا يزال محدوداً بسبب القوانين القمعية والبيئة السياسية المغلقة.
وركز التقرير على الآثار الخطيرة لاستخدام تشريعات «النفوذ الأجنبي»، خاصة في بلدان تعتمد هذه القوانين لقمع المنظمات المستقلة، من خلال وصمها بالعمالة أو الخيانة. وأشارت المقررة الخاصة إلى أن مثل هذه القوانين تقوض جوهر الحق في حرية تكوين الجمعيات، وتمنع الوصول إلى التمويل الضروري للعمل المدني.
ونبّهت إلى أن هذه الممارسات تفاقمت بعد الحملة التي شنتها الحكومة الأمريكية ضد الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، والتي أدت إلى وقف التمويل عن عدد كبير من المنظمات، ما شجع دولاً أخرى على محاكاة النموذج وتضييق الخناق على المجتمع المدني، كما حدث في صربيا.
وأكدت المقررة الخاصة أن ما شهدته دورة الانتخابات الكبرى من قمع سياسي وقانوني ومجتمعي ممنهج، يمثل تهديداً غير مسبوق لحقوق الإنسان الأساسية، وعلى رأسها الحق في حرية التجمع وتكوين الجمعيات.
وشددت على أن الديمقراطية تتطلب بيئة آمنة للمشاركة المجتمعية والسياسية، وإلا أصبحت الانتخابات مجرد واجهة شكلية لشرعنة الاستبداد.
ودعت إلى إلغاء القوانين المقيدة فوراً، وضمان الحماية القانونية الكاملة للمجتمع المدني، بما في ذلك حقه في الوصول إلى الموارد، والقيام بأدواره الرقابية والتوعوية بحرية تامة.