محكمة فرنسية تصدر أحكاماً بسجن 3 مديرين بشركة "يوبيسوفت" بتهمة التحرش
محكمة فرنسية تصدر أحكاماً بسجن 3 مديرين بشركة "يوبيسوفت" بتهمة التحرش
أصدرت محكمة فرنسية، اليوم الأربعاء، أحكامًا بالسجن مع وقف التنفيذ بحق ثلاثة من المديرين السابقين في شركة ألعاب الفيديو العملاقة "يوبيسوفت"، لإدانتهم بالمشاركة في نشر ثقافة التحرش الجنسي والمعنوي داخل بيئة العمل، في قضية غير مسبوقة تضع واحدة من أكبر شركات الألعاب في العالم تحت المجهر القضائي والاجتماعي.
وأبرز المدانين كان توما فرنسوا، نائب رئيس تحرير الألعاب السابق، الذي حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات مع وقف التنفيذ، وهي أقسى العقوبات بين المتهمين، بالإضافة إلى غرامة مالية قدرها 30 ألف يورو (نحو 35,280 دولارًا)، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس".
وواجه فرنسوا اتهامات خطيرة تضمنت محاولة اعتداء جنسي، وتحرش جسدي ولفظي، من بينها إجبار موظفة على الوقوف على رأسها بينما كانت ترتدي تنورة، وإطلاق أسماء غير لائقة على العاملين، ومحاولة لمس أعضاء حساسة بزعم أنها جزء من "جلسات لعب"، إلى جانب محاولات تقبيل موظفين رجال دون موافقتهم.
وأقرّ فرنسوا خلال المحاكمة بأنه لم يكن يدرك "فداحة" أفعاله في تلك الفترة، الممتدة بين عامي 2012 و2020، قائلًا إنه كان يعتقد أنه "يتعامل مع الآخرين باحترام".
استخدام النفوذ بشكل مسيء
حكمت المحكمة على سيرج هاسكويه، الرئيس الإبداعي السابق في يوبيسوفت، بالسجن 18 شهراً مع وقف التنفيذ، بعد إدانته بالتحرش المعنوي والتواطؤ في التحرش الجنسي.
وادعى هاسكويه أمام المحكمة أنه لم يكن على علم بأي تحرش خارج مكتبه الزجاجي، لكن الأدلة كشفت عن استغلاله مساعداته في أداء مهام شخصية لا علاقة لها بالعمل، مثل اصطحاب ابنته من المدرسة أو شراء الفول السوداني له، متذرعًا بأنه رأى هذه التصرفات في "الأفلام".
وفي السياق، حكمت المحكمة على غيوم باتروكس، المدير التنفيذي السابق للألعاب في الشركة، بالسجن 12 شهراً مع وقف التنفيذ وغرامة 10 آلاف يورو، بعد إدانته بالتحرش على "نطاق أضيق".
زلزال في قطاع الألعاب
وجاءت هذه المحاكمة بعد سلسلة تحقيقات إعلامية كشفت عن مناخ عام من التمييز والتحرش وسوء السلوك داخل الشركة، ما دفع "يوبيسوفت" إلى فتح تحقيقات داخلية عام 2020، وانتهت إلى استقالة المدانين الثلاثة من مناصبهم.
وخلال جلسات المحكمة، دافع المحامون عن موكليهم مؤكدين أنهم لم يتلقوا تحذيرات واضحة من إدارة الموارد البشرية، ما أثار نقاشًا واسعًا حول مسؤولية الإدارة العليا في منع الانتهاكات والحدّ من ثقافة الصمت والتواطؤ.
وفي ما اعتُبر سابقة قضائية مهمة، شددت المحكمة على أن تصرفات هؤلاء المديرين ساهمت في ترسيخ بيئة غير آمنة ومنتهكة لكرامة العاملين، واعتبرت أن إلقاء اللوم على "عدم وجود تحذيرات رسمية" لا يعفي من المسؤولية.
تداعيات على قطاع الألعاب
تأتي هذه الإدانة في وقت تتعرض فيه صناعة ألعاب الفيديو في فرنسا وأوروبا عمومًا لموجة تدقيق ومساءلة بشأن بيئات العمل، والمساواة الجندرية، والانتهاكات المتكررة.
وتسببت الفضائح المتتالية في "يوبيسوفت" سابقًا في انهيار صورة الشركة في أوساط كثيرة من اللاعبين والنشطاء، وأثّرت على سمعة القطاع ككل.
وتعكس هذه القضية اتساع نطاق الحراك العالمي لمحاسبة المعتدين داخل أماكن العمل، لاسيما في القطاعات التقنية والإبداعية التي ظلت لعقود محصّنة من الرقابة القانونية والمساءلة الاجتماعية.
رسالة قوية من القضاء
تمثل الأحكام التي صدرت اليوم الأربعاء رسالة واضحة مفادها أن السلوكيات المسيئة في أماكن العمل، مهما كانت طبيعتها أو مكانتها المؤسسية، لن تمر دون عقاب، حتى وإن كانت القضية تتعلق بشركة بحجم "يوبيسوفت".
ويأمل المدافعون عن حقوق العمال والمساواة أن تفتح هذه القضية الباب أمام إصلاحات جذرية في الشركات الكبرى، وتدفع باتجاه ممارسات إدارية تضمن بيئة عمل آمنة وعادلة، بعيدة عن التساهل والتواطؤ مع من يتجاوزون الحدود الأخلاقية.