صمود بالخيط والنحاس.. "عفراء" لاجئة سودانية تحيك مستقبلاً أفضل بيديها

صمود بالخيط والنحاس.. "عفراء" لاجئة سودانية تحيك مستقبلاً أفضل بيديها
اللاجئة السودانية عفراء عمدة

في أحد أحياء القاهرة، تنبعث من زاوية صغيرة لمسة فن ودفء، لا تكاد تخفي خلفها حكاية نزوح وألم، نسجت تفاصيلها أنامل امرأة سودانية تُدعى عفراء عمدة، التي وجدت في صناعة الإكسسوار اليدوي طريقاً لبناء حياة جديدة، ووسيلة للتمسك بجذورها في أرض جديدة.

لم تكن عفراء تفكر يوماً أن موهبتها القديمة، التي كانت تمارسها أثناء دراستها الجامعية في السودان، ستتحول إلى طوق نجاة لها ولأسرتها بعد أن اضطرت للفرار من النزاع، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم الثلاثاء. 

"غادرنا كل شيء فجأة.. لم نحمل معنا سوى ذكريات وحِلم بسيط يمكن أن يبدأ من لا شيء"، تقول عفراء.

في القاهرة، وبعد أن استقرت مؤقتاً مع أسرتها، بدأت تبحث عن أية فرصة للعمل، وكان طريقها نحو صناعة الحُلي بمثابة ولادة ثانية، فبتشجيع من منظمات المجتمع المدني، التحقت بدورات تدريبية، طوّرت من مهاراتها، واكتشفت إمكانيات جديدة في خامات لم تكن معتادة عليها.

النحاس.. التحدي والتميّز

كان التعامل مع النحاس من أكبر التحديات التي واجهتها، "في البداية لم يكن سهلاً، لم أكن أمتلك المهارة، لكنني أحببت الفكرة، وأردت أن أتميز"، توضح عفراء. 

مع الوقت، لم تكتفِ بصقل مهاراتها، بل أبدعت قطعًا تحمل اسمها، مستوحاة من الثقافة السودانية، أشهرها طقم "القمر بوبا"، الذي حقق رواجاً لافتاً في الأسواق والبازارات.

تقول عفراء إن العمل بالنحاس هو حلقة وصل بين تراثها النوبي والسوداني، والحضارة المصرية التي باتت تحتضنها، "أريد أن أترك أثراً ثقافياً، لا مجرد منتج يُباع".

التسويق في بلد جديد

ورغم النجاح المتصاعد، لم تكن الرحلة خالية من الصعاب. فالسوق المصري يختلف تماماً عن السوداني، والذائقة متغيّرة. تعلمت عفراء استخدام وسائل التكنولوجيا لتسويق منتجاتها على وسائل التواصل الاجتماعي، واستهدفت الجمهور السوداني أولاً، ثم فتحت آفاقاً للجمهور المحلي.

"أدركت أنني لا أبيع مجرد إكسسوار، بل أقدم ثقافة وصورة وهوية"، فكل قطعة تنتجها تحمل لمسة تراثية، تعبّر عن البيئة السودانية، وتروي حكايات من الماضي.

في خضم النجاح، لا تُخفي عفراء قلقها من المستقبل. فالسودان اليوم في مرحلة إعادة بناء، وهناك من يدعو للعودة.. "الحقيقة أن القرار صعب، نحن عالقون بين وطن نشتاق إليه، وبلد احتضننا نسبياً لكنه ليس بيتنا بالكامل"، تقول عفراء، وتضيف أن بقاءها أو عودتها سيكون قراراً شخصياً، لا جماعياً.

النساء وريادة الصمود

عفراء ليست حالة فردية، بل نموذج لما يمكن أن تفعله النساء في مواجهة أقسى الظروف. تمثل قصتها شاهداً على قدرة النساء على تحويل أدوات بسيطة إلى مصدر دخل، ومن المأساة إلى فرصة. "مشروعي اليوم ليس فقط مصدر رزق، بل نافذتي على الحياة".

وفيما تستعد عفراء لتوسيع نشاطها وتدخل عالم الفضة وربما الذهب لاحقاً، تبقى رؤيتها واضحة: "أريد أن يكون لعفراء علامة يعرفها الناس، يعرفون قصتها، ويشعرون بأمل يُصاغ يدوياً، بحب وصبر".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية