أوليفر تامبو.. رجل مهد الطريق لمانديلا

أوليفر تامبو.. رجل مهد الطريق لمانديلا
أوليفر تامبو مع نيلسون مانديلا

من بين جميع رفاق نيلسون مانديلا، لا تتقاطع الخُطا وتتداخل المسارات كما هي الحال مع أوليفر تامبو، فقد وُلد الرجلان في منطقة ترانسكاي بفارق عام واحد، ودرسا معًا، وواجها سويًا الإجراءات التعسفية التي فرضها نظام الفصل العنصري آنذاك.

لم يكونا مجرد صديقين، بل شريكين في الحلم والكفاح، أسّسا معًا أول مكتب محاماة للسود في جنوب إفريقيا، وسارا جنبًا إلى جنب في دروب النضال الطويلة، من سنوات المواجهة والمطاردة، إلى لحظة الانتصار وتحقيق الحلم، كانا دائمًا على الطريق ذاته، يحملان الأمل نفسه، ويقودان أمة نحو الحرية.

في كل 18 يوليو (يوم نيلسون مانديلا) يستعيد العالم من الذاكرة مسيرة رجل إفريقيا، صاحب المسيرة الأكثر إلهامًا في تاريخها، الذي قاد وطنه إلى التحرر والمساواة، وسجين الضمير، وصانع السلام.. وفي ذات الوقت، لا بد من تذكر أشخاص آخرين عاشوا في ظل مانديلا، ولم ينالوا ما نال من تقدير العالم، رغم أنهم دفعوا نفس الثمن.

تاريخ ونضال

في جامعة فورت هير، التقى تامبو مع مانديلا، وهناك أسّسا رابطة شباب المؤتمر الوطني الإفريقي، وشاركا في حملات التحدي والإضرابات التي كانت تندلع ضد حكومة الفصل العنصري، ومن الجامعة، انتقل تامبو لتدريس الرياضيات في مدرسة بجوهانسبرغ، ولحق به رفيقه، وهناك كانت تنتظرهما الصورة الأكثر قسوة من الاضطهاد، حيث الاعتقالات، والفقر، والإحباطات الناجمة عن سياسات سلطات بلادهم.

في عام 1952، أسس مع مانديلا مكتب "مانديلا وتامبو للمحاماة" في جوهانسبرغ، وهو أول مكتب محاماة للسود في جنوب إفريقيا، وبرز الاثنان في عضوية المؤتمر الإفريقي، محرضين على اتخاذ إجراءات فعالة ضد نظام الفصل العنصري. وبعد 4 سنوات، أُلقي القبض عليه هو وآخرون في الحزب عام 1956 بتهمة الخيانة، وتمت تبرئتهم لاحقًا.

في عام 1958، عُيِّن تامبو نائبًا لرئيس المؤتمر الوطني الإفريقي، وبعد عام قررت الحكومة منعه من ممارسة أي نشاط سياسي، ليقرر الحزب إرساله إلى الخارج لحشد معارضة نظام الفصل العنصري، ومن الخارج، ساهم تامبو في صياغة موقف الحزب العنيف ضد النظام بعد مذبحة شاربفيل 1960، التي نفذتها السلطة ضد المتظاهرين الرافضين لقوانين الاجتياز.

مواجهة نظام الفصل العنصري

وبينما كان هو في الخارج، كان مانديلا يواصل النضال من الداخل حتى اعتقلته الحكومة، ليواجه حكمًا بالسجن لسنوات طويلة. استقبل تامبو الخبر ببث خطاب حماسي قال فيه: "لا يزال إلهامه حيًا في قلب كل وطني إفريقي، إنه رمز القيادة والتضحية التي أفرزها نضالنا، والتي يحتاجها شعبنا، إنه لا يلين، ولكنه يتمتع بالمرونة ودقة التقدير، إنه شخص استثنائي، لكنه يعلم أنه يستمد قوته من جماهير شعبنا العارمة التي تُشكل نضالنا من أجل الحرية في بلادنا".

في عام 1967، أصبح رئيسًا للمؤتمر الوطني الإفريقي بعد وفاة زعيمه ألبرت لوتولي، واستمر في مواجهة نظام الفصل العنصري، متخذًا موقفًا متشددًا، ناقلًا محنة بلاده إلى مختلف أنحاء العالم، وحافظ على تماسك الحزب، وفي عام 1985، أُعيد انتخابه رئيسًا لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي، وأسهم بعد ذلك في تهيئة الظروف السياسية لحكومة جنوب إفريقيا للدخول لاحقًا في محادثات علنية مع حزب المؤتمر الوطني الإفريقي.

وبعدما قضى ثلاثين عامًا في المنفى، عاد إلى بلاده في 1990 لإجراء المفاوضات مع الحكومة، قبل أن يواجه ظروفًا مرضية أدت إلى تنحيه وتصعيد مانديلا، الذي خرج من السجن أخيراً، لتولي رئاسة الحزب، وكرّمه الحزب بشكل خاص وقتها.

توفي تامبو في 24 أبريل 1993، عن عمر يناهز 75 عامًا، قبل عام واحد من إجراء أول انتخابات ديمقراطية في جنوب إفريقيا عام 1994.

وفي تأبينه، وقف مانديلا مستذكرًا مسيرته ووجه له رسالة: "كما أمرتَ، سنُرسي السلام على أرضنا المُعذبة، وكما أمرتَ، سنُحرِّر المُضطهدين ونُحرِّر الظالمين، وكما جاهدتَ، سنُعيد كرامة المُهجَّرين، وكما أمرتَ، سندافع عن خيار الحل السلمي لمشاكلنا، وكما دعوتَ، سنستجيب لصرخات مُستضعفي الأرض".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية