تصاعد سياسات الترحيل في ألمانيا والسوريون بمقدمة المستهدفين
تصاعد سياسات الترحيل في ألمانيا والسوريون بمقدمة المستهدفين
تشهد ألمانيا تحولًا ملحوظًا في سياساتها تجاه اللجوء والهجرة، يتجسد في تشديد إجراءات الترحيل وزيادة أعداد المرحّلين بشكل لافت، وسط ضغط متزايد من الأحزاب اليمينية، ووسط جدل داخلي وخارجي حول مدى قانونية وإنسانية هذه الإجراءات، لا سيما عندما يتعلق الأمر بترحيل اللاجئين إلى دول تعاني نزاعات مسلحة، كأفغانستان وسوريا.
ورغم الخلفية الإنسانية التي استندت إليها ألمانيا في فتح أبوابها لمئات آلاف اللاجئين منذ عام 2015، يظهر أن الرياح السياسية تغيّرت في السنوات الأخيرة، مدفوعة باعتبارات أمنية وانتخابية، بحسب ما ذكر موقع "مهاجر نيوز"، اليوم السبت.
وأصبح هذا التوجه أكثر وضوحًا في عام 2025، مع حكومة ائتلافية يقودها الاتحاد المسيحي، تسعى لإظهار حزم أكبر في ملف الهجرة، بهدف تقليص أعداد اللاجئين إلى ما دون 100 ألف سنويًا.
تصاعد عمليات الترحيل
بحسب وزارة الداخلية الألمانية، تم ترحيل 11,800 شخص خلال النصف الأول من عام 2025، مقارنة بـ 9,500 شخص في الفترة نفسها من العام الماضي، ما يعكس زيادة بنسبة تفوق 24%.
وفي عام 2024، تجاوز العدد الإجمالي للمرحلين 20,000 شخص، وهو الرقم الأعلى منذ أزمة اللاجئين في 2015.
ومن أبرز عمليات الترحيل في الأسابيع الأخيرة:
22 يوليو 2025: ترحيل 43 عراقيًا إلى بغداد.
15 يوليو 2025: ترحيل 81 أفغانيًا مدانًا بجرائم، في ثاني عملية ترحيل كبرى إلى أفغانستان منذ سيطرة طالبان.
وتأتي هذه الأرقام ضمن نهج جديد أعلن عنه وزير الداخلية الاتحادي ألكسندر دوبرينت، الذي شدد على أن "الإعادة الفعالة هي شرط لتعزيز ثقة المواطنين في سياسات الهجرة الأوروبية".
جدل سياسي وإنساني
رغم اعتراف الحكومة الألمانية بعدم وجود ظروف آمنة للعودة إلى سوريا بشكل عام، فإن النقاش حول استئناف الترحيل إلى سوريا عاد إلى الواجهة بقوة، بدفع من الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري، وبدعم ضمني من بعض شخصيات الائتلاف الحاكم.
وقال ألكسندر هوفمان، رئيس الكتلة البرلمانية للحزب: "لا يمكن القبول بمبدأ عام يمنع الترحيل إلى سوريا بسبب الوضع السياسي العام. لا بد من تقييم إمكانية وجود مناطق آمنة نسبياً".
ويُعدّ هذا التصريح تصعيدًا واضحًا في الخطاب السياسي تجاه اللاجئين السوريين، ويُخشى أن يشكل تمهيدًا لتغيير رسمي في السياسة، خصوصًا وأن اتفاقية الائتلاف الحاكم تسمح مبدئيًا بإجراء عمليات ترحيل إلى سوريا وأفغانستان في "حالات خاصة".
ترحيل دون استثناءات
في المقابل، يواصل حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) الضغط لتسريع الترحيل وتوسيعه ليشمل أكبر عدد ممكن، ومنهم السوريون، بغض النظر عن الوضع الأمني في بلدانهم.
وقد طالب النائب عن الحزب لايف-إريك هولم بإنشاء مراكز ترحيل خاصة لمنع "المُلزمين بالمغادرة من التواري عن الأنظار"، منتقدًا ما وصفه بـ"ضعف تنفيذ الحكومة لما تسميه حملة الترحيل".
وتتناغم هذه التصريحات مع التوجه العام للحزب، الذي يسعى إلى ترحيل أكبر عدد من اللاجئين ويصف سياسات اللجوء الحالية بـ"الناعمة وغير الرادعة".
تراجع طلبات اللجوء
في ظل هذه السياسات، سجلت ألمانيا تراجعًا كبيرًا في عدد طلبات اللجوء الأولية، حيث بلغ عدد الطلبات في النصف الأول من 2025 نحو 61,300 طلب، بانخفاض يقارب 50% مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2024.
ويعكس هذا التراجع فاعلية الإجراءات المتشددة على الأرض، لكنه يثير في الوقت ذاته تساؤلات إنسانية وقانونية حول شرعية المعايير الجديدة، ومدى التزامها بالمواثيق الدولية الخاصة بحماية اللاجئين.
ورغم سقوط النظام السوري السابق، لا تزال سوريا تُصنّف بلدًا غير آمن من قبل منظمات حقوق الإنسان، بسبب استمرار العنف، وانعدام القانون، وانتشار الفصائل المسلحة، وعمليات الاعتقال والاختفاء القسري.
وتحذّر المنظمات الحقوقية، مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، من أن أي عملية ترحيل إلى سوريا تُعد خرقًا للاتفاقيات الدولية المتعلقة بعدم الإعادة القسرية (Non-refoulement).
لكن بعض الأصوات داخل الحكومة الألمانية تدعو لإعادة تقييم الموقف من مناطق محددة في سوريا، بزعم أنها باتت "مستقرة نسبيًا"، رغم عدم وجود إجماع دولي على ذلك.