الآن وقت الاعتراف
الآن وقت الاعتراف
سيسجَّل تاريخ الرابع والعشرين من يوليو 2025 ضمن التواريخ الفارقة في مسار الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، إذ أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن بلاده ستعترف رسميًا بدولة فلسطين خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر المقبل.. ومن المتوقع أن يشهد هذا الشهر اعترافًا واسعًا من قِبَل عدد كبير من دول العالم بالدولة الفلسطينية.
اختار ماكرون أن يكون الرجل الذي يقص شريط الاعترافات المؤثرة بدولة فلسطين؛ فعلى الرغم من أن نحو 147 دولة اعترفت سابقًا بالدولة الفلسطينية على حدود 1967، فإن الاعتراف الفرنسي يحمل طابعًا خاصًا، لكون باريس أول دولة من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن تتخذ هذه الخطوة الجريئة والمؤثرة.
وبهذا الإعلان، تُنهي فرنسا مرحلة طويلة من الاكتفاء بالتأكيد النظري على "حل الدولتين"، دون خطوات عملية ملموسة تدفع نحوه.
الخطوة الفرنسية قوبلت برفض قاطع في تل أبيب وواشنطن التي رأت فيها أنها "لن تغير شيئًا على الأرض".. غير أن وقعها كان له أثر فوري؛ لم تمضِ أيام قليلة حتى صَدَم رئيس الوزراء البريطاني إسرائيل بإعلانه أن بلاده ستعترف بدولة فلسطين في سبتمبر، ما لم تتخذ الحكومة الإسرائيلية خطوات جادة لإنهاء "الوضع المروع" في غزة.
ولا يمكن قراءة الموقفين الفرنسي والبريطاني بمعزل عن موجة الغضب الشعبي العارم التي تجتاح الشارع الأوروبي إزاء المجازر والجرائم المروعة التي ارتكبتها إسرائيل في غزة على مدار عامين، وربما يمثل هذا الاعتراف المتصاعد أقصى ثمن تدفعه الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، التي لا ترى في الدولة الفلسطينية إلا "منصة تهديد لإسرائيل".
بالتوازي مع إعلان فرنسا وبريطانيا، عُقد مؤتمر دولي في نيويورك حول حل الدولتين، وجاءت مخرجاته واعدة وقابلة للتفعيل، ويُعزى هذا التحول بدرجة كبيرة إلى جهود عربية متواصلة عملت على حشد الدعم الدولي لإقامة دولة فلسطينية باعتبارها الحل الوحيد الفعّال والمستدام لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط.
وقد أقر المؤتمر مبادئ جوهرية تصف طبيعة الصراع، وأن التعايش السلمي بين شعوب ودول المنطقة لن يتحقق إلا بإنهاء الحرب على غزة وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وديمقراطية، إلى جانب إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لجميع الأراضي العربية، فالسلام لا يمكن أن يُبنى على الحرب، ولا يُفرض بالقوة، ولا يستقرّ في ظل الاحتلال والنزوح والمعاناة الإنسانية.
قد تدفع سلسلة الاعترافات المتلاحقة إسرائيل إلى وقف المأساة الإنسانية في غزة، وربما إلى إنهاء الحرب من جذورها، غير أن تحقيق انفراجة حقيقية في مسار الصراع يبقى مستبعدًا في ظل حكومة إسرائيلية تُعدّ الأكثر تطرفًا في تاريخ الدولة العبرية.
الآن هو وقت الاعتراف.. في الجمعية العامة للأمم المتحدة ستعترف مجموعة واسعة من الدول بفلسطين، وهي خطوة يجب البناء عليها عبر آليات الأمم المتحدة للوصول إلى حل عادل وشامل ومستدام للصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، ونحو مسار جديد يحترم كرامة الفلسطينيين.