لوقف الانتهاكات.. تقرير أممي يدعو لصك دولي ملزم للشركات العسكرية والأمنية
لوقف الانتهاكات.. تقرير أممي يدعو لصك دولي ملزم للشركات العسكرية والأمنية
عقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة دورته الـ60 في جنيف، التي تتواصل حتى 8 أكتوبر المقبل، وفي هذا السياق، قدم مكسوليسي نكوسي، رئيس الفريق العامل الحكومي الدولي المفتوح العضوية المعني بوضع صك دولي ملزم ينظم أنشطة الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، تقريره إلى المجلس.
ويعرض التقرير حصيلة الدورة السادسة للفريق، التي انعقدت بين 9 و13 أبريل 2025، مع تسليط الضوء على التحديات المرتبطة بأنشطة هذه الشركات، والانتهاكات التي تورطت فيها، والانقسامات بين الدول بشأن تنظيم عملها.
وبحسب التقرير الذي اطلع «جسور بوست» على نسخة منه، فإن غياب إطار قانوني دولي ملزم يشكل ثغرة خطيرة تُستغل من قبل الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، خاصة في مناطق النزاع.
وأوضح نكوسي أن بعض الدول تعتمد على تشريعات وطنية متفرقة لا توفر ضمانات كافية لحماية حقوق الإنسان، ولا تنص على آليات واضحة للمساءلة أو التعويض، هذا الوضع أدى إلى تراكم حالات موثقة من الانتهاكات دون محاسبة تُذكر، ما يثير قلقًا متزايدًا داخل المجلس.
أنماط متكررة من الانتهاكات
ورصد التقرير أن الشركات العسكرية والأمنية الخاصة متورطة في انتهاكات جسيمة تراوحت بين القتل خارج نطاق القانون، والاستخدام المفرط وغير المتناسب للقوة، إلى جانب الاعتقال التعسفي والتعذيب.
وأشار إلى حالات استغلال للعمالة المحلية في بؤر النزاع، سواء عبر إجبارها على أعمال خطرة بأجور زهيدة، أو عبر تجاهل معايير السلامة.
وأكد أن هذه الانتهاكات تقع في فراغ تشريعي يتيح للشركات الإفلات من العقاب، في ظل غياب آليات قضائية أو دولية حاسمة لمعالجة هذه الجرائم.
وكشف التقرير أن مسار التفاوض بشأن وضع صك دولي ما زال يواجه انقسامات حادة بين الدول، فبينما ترى مجموعة واسعة من الدول، خصوصًا من الجنوب العالمي، أن اعتماد صك ملزم ضرورة قصوى لضمان حماية حقوق الإنسان، تتمسك دول أخرى –بينها عدد من الدول الغربية– بالاعتماد على التشريعات الوطنية القائمة، معتبرة أن أي التزام دولي جديد قد يمس بسيادتها.
وهذا الخلاف عطل التقدم في صياغة نهائية للصك، وأبقى النقاشات في إطار عام دون الوصول إلى حلول عملية.
ملامح الصك المقترح
ورغم الخلافات، تطرقت الدورة السادسة إلى ملامح أساسية لمسودة صك دولي، أبرزها تحميل الدول مسؤولية تنظيم ومراقبة الشركات العسكرية والأمنية المسجلة في أراضيها أو العاملة خارجها، ووضع ضوابط دقيقة على استخدام القوة تلتزم بالقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، واعتماد آليات واضحة للمساءلة والتعويض عن الأضرار التي تلحق بالضحايا. وتعزيز الشفافية في عقود التعاقد مع هذه الشركات، خاصة من قبل الحكومات والمؤسسات الدولية.
وأوضح نكوسي أن الفريق واجه عقبات عديدة خلال أعماله، بينها محدودية الموارد وضعف المشاركة من بعض الدول، إلى جانب الاستقطاب السياسي الذي يعرقل الوصول إلى توافق، مؤكدا أن هذه العراقيل لا يجب أن تثني المجتمع الدولي عن مواصلة الجهود، بل تستدعي تكثيف الحوار والتشاور من أجل حماية الحقوق الأساسية للضحايا.
وأفرد التقرير مساحة واسعة لدور منظمات المجتمع المدني، التي قدمت شهادات وتقارير موثقة حول انتهاكات ارتكبتها الشركات العسكرية والأمنية الخاصة في مناطق متعددة، كما شدد نكوسي على أهمية إشراك الضحايا في عملية التفاوض باعتبارهم أصحاب مصلحة رئيسيين، مؤكدًا أن أصوات المتضررين لعبت دورًا محوريًا في إلقاء الضوء على الأبعاد الإنسانية لهذه القضية.
الحاجة إلى مساءلة فعالة
وأشار التقرير إلى أن أبرز التحديات تكمن في غياب آليات فعالة للمساءلة. ففي كثير من الحالات، تفشل الأنظمة القضائية الوطنية في ملاحقة الانتهاكات، إما بسبب ضعف القدرات أو بسبب تضارب المصالح.
ومن هنا شدد نكوسي على أن الصك الدولي المقترح يجب أن يتضمن التزامات واضحة تضمن التحقيق في الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها، مع توفير جبر الضرر للضحايا.
وأكد التقرير أن وضع صك دولي ملزم لن يتحقق دون توافق بين الدول الأعضاء، مشيرًا إلى أن التباينات الحالية قد تؤدي إلى إفراغ أي اتفاق من مضمونه إذا لم تُبذل جهود إضافية لتجسير الهوة.
وأوضح نكوسي أن الأمر يتطلب إرادة سياسية جماعية، واعترافًا بأن حماية حقوق الإنسان يجب أن تسمو على المصالح الاقتصادية أو الأمنية الضيقة.
واختتم نكوسي تقريره بسلسلة من التوصيات، أبرزها تسريع المفاوضات للتوصل إلى صك دولي ملزم ينظم عمل الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، وتعزيز التعاون بين الدول لتبادل الخبرات والمعلومات، خاصة فيما يتعلق بمحاسبة مرتكبي الانتهاكات، ودعم قدرات الدول النامية في مجال الرقابة على هذه الشركات، لضمان ألا تتحول إلى بيئة رخوة تسهل الانتهاكات.
وأكد ضرورة إشراك المجتمع المدني والضحايا في جميع مراحل التفاوض، لضمان أن تعكس النصوص النهائية احتياجات المتضررين، ووضع آليات لمراقبة تنفيذ الصك بعد اعتماده، بما في ذلك تقارير دورية ومراجعات مستقلة.
وشدد نكوسي في ختام التقرير على أن المجتمع الدولي أمام مفترق طرق: إما الاكتفاء بنهج جزئي يقتصر على قوانين وطنية مجزأة لا تضمن الحماية الكافية، أو التحرك نحو إطار دولي جامع يضع ضوابط واضحة ويضمن احترام حقوق الإنسان، مؤكدا أن تجاهل هذه القضية سيؤدي إلى استمرار الانتهاكات وتفاقم معاناة الضحايا.