بين الأمس والعصر الرقمي.. المرأة الليبية حارسة الحكاية وذاكرة التراث الشعبي
بين الأمس والعصر الرقمي.. المرأة الليبية حارسة الحكاية وذاكرة التراث الشعبي
في ليالي ليبيا الدافئة، حين يخيّم السكون وتستسلم البيوت لنعومة الليل، تبدأ الحكاية، بصوت الجدة، وبملامح الأم، تنسج المرأة الليبية خيوط القصص الشعبية والأمثال والأغاني، لتغرسها في وجدان أطفالها، جيلاً بعد جيل.
هذا المشهد، الذي ظلّ لقرون عماد الثقافة الشفهية الليبية، يواجه اليوم تحديات الحداثة الرقمية، لكنه يجد في نساء هذا الوطن حارساتٍ أمينات لنبضه العتيق، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم السبت.
سكينة بن عامر، الباحثة في التراث الشعبي وأستاذة الصحافة بجامعة بنغازي، ترى أن التراث ليس كياناً جامداً، بل كائن حيٌّ قادر على التكيف.
من حكاية "نُصّ انصيص" التي تغيّر سردها من الجد إلى الإذاعة، وصولاً إلى أسلوب الأطفال اليوم في إعادة روايتها، تؤكد سكينة، أن التجديد ليس تشويهاً، بل امتداد طبيعي لعمر الحكاية.
جوهر ثابت وشكل متغير
تصف سكينة التراث الشفهي بأنه "ذاكرة الأمة"، مستودع قصص وأغانٍ وألعاب شعبية، يتغير شكله مع الزمن لكن يبقى جوهره ثابتاً.
وهي تدرك أن عقلية الأجيال الجديدة تتطلب أدوات عرض جديدة، كما حدث حين تساءل أطفال العائلة عن تفاصيل طبية في حكاية "سبع أمعيزات"، ما يعكس اختلاف طريقة التلقي بين الأجيال.
في كتابها "طيارة ورق"، وثّقت سكينة 103 ألعاب شعبية، وقدّمت مقترحاً لتحويلها إلى تطبيقات وألعاب إلكترونية، حفاظاً على ذاكرة اللعب الشعبي وإيصاله للأطفال بلغتهم الرقمية، فهي ترى أن الأم تبدأ الحكاية بتهويدة لطفلها، لتتحول هذه الكلمات إلى وصية وجدانية تورّث من جيل إلى جيل.
ومن خلال بحثها، رصدت فروقاً واضحة في التفاعل مع التراث بين المدن والقرى، ففي بلدات مثل "هون" يظل الحنين والرواية حية، في حين أنه في المدن الكبرى كطرابلس وبنغازي تبدو الحكايات مشاهد للعرض أكثر من كونها تجربةً معيشةً.
الرقمنة سلاح ذو حدين
ترى سكينة أن التوثيق الرقمي هو امتداد طبيعي للرواية الشفهية، لكن بشرط أن يتم بوعي وتهذيب، خصوصاً أن بعض القصص التقليدية تحمل صوراً نمطية أو رسائل لم تعد مناسبة للعصر.
وبالنسبة لها، الفرصة تكمن في إعادة صياغة التراث بما يحافظ على قيمه الإيجابية ويواكب الوعي المعاصر.
وتدعو سكينة بن عامر، إلى أن ننظر إلى التراث بوصفه مشروعاً مستقبلياً، لا ذكرى جامدة. الحفاظ عليه، كما تقول، لا يعني حبسه في زمنه، بل تنقيته وتفعيله بأدوات جديدة، لتظل الحكاية الليبية تنبض في القلوب مهما تغيرت الوسائل.