ترامب يعيد إشعال الحرب التجارية.. تصعيد اقتصادي يهدد النظام التجاري العالمي
ترامب يعيد إشعال الحرب التجارية.. تصعيد اقتصادي يهدد النظام التجاري العالمي
بعد أكثر من 100 يوم من "يوم التحرير" الذي أعلنه الرئيس دونالد ترامب، أصبح النظام التجاري العالمي الجديد واضحًا، إنه نظام تفضيلي إمبريالي، وبعد أن أغضبت كندا الرئيس، جزئيًا، بتخطيطها للاعتراف بفلسطين دولة، وبالتالي تواجه رسومًا جمركية بنسبة 35%، ولأنه يعتقد أن المصدرين يغشون أمريكا، ظلمًا، فقد أعلن في 31 يوليو أنه سيفرض رسومًا جمركية "متبادلة" على العديد من شركائه التجاريين، تراوح بين 10% و41%.
وصفت صحيفة "نيويورك تايمز"، فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نظامًا شاملاً للتعريفات الجمركية على عشرات الدول، بأنه إعادة إشعال حرب تجارية عالمية، وأكدت الصحيفة أن ترامب أعلن فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على واردات اليابان وكوريا الجنوبية، مهدداً دولاً أخرى برسوم أعلى إذا لم تتوصل لاتفاقات تجارية مع واشنطن.
وشملت قائمة الدول المستهدفة ماليزيا، إندونيسيا، وجنوب إفريقيا، مع منح البعض مهلة لتوقيع اتفاقيات جديدة مع الولايات المتحدة وإلا ستواجه رسوماً إضافية.
ورأت صحيفة وول ستريت جورنال، أن هذه الإجراءات تعيد ملف الحرب التجارية إلى صدارة أجندة الرئيس الأمريكي، مشيرة إلى النجاح النسبي الذي حققه ترامب في الآونة الأخيرة عبر تشريعات خفض الضرائب والتوسط في قضايا دولية كلقاء إيران وإسرائيل، في حين تعكس مؤشرات سوق الوظائف الأمريكية أداءً قويًا مستقرًا.
نظام تجاري "تفضيلي إمبريالي"
أما صحيفة الإيكونوميست فقد تناولت التعريفات الجمركية بانتقاد لاذع، ووصفتها بأنها نظام تجاري "تفضيلي إمبريالي"، وأكدت أن هؤلاء الرأسماليين الأمريكيين والمتداولين في الأسواق يتوهمون أن أمريكا رابحة، لكن الواقع يثبت أن الضرر طويل الأمد وعميق، فالمستهلكون الأمريكيون يدفعون ثمن التعريفات، وتتحمل الشركات تكاليف مالية ضخمة، كما هي حال شركات السيارات مثل فورد وجنرال موتور.
ومن المقرر أن يرتفع معدل الرسوم الجمركية الفعلي لأمريكا إلى 18% في 7 أغسطس، وفقًا لمختبر ميزانية جامعة ييل، أي ما يقرب من ثمانية أضعاف المعدل السائد في العام الماضي، ويعود إلى المستويات التي شوهدت آخر مرة في فترة الكساد الكبير.
بالطريقة التي تُصوّر بها حركة "لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا"، يُعد هذا انتصارًا للسيد ترامب، لأن شركاء أمريكا التجاريين يتحملون رسومًا جمركية عليا، ما يُساعد الجمارك الأمريكية على جني ما يقرب من 30 مليار دولار من الإيرادات شهريًا، للأسف، تكتسب هذه الفكرة رواجًا حتى خارج أمريكا، بعد فترة وجيزة من إبرام الاتحاد الأوروبي لاتفاقه مع ترامب، أعرب المعارضون في العواصم الأوروبية عن أسفهم لضرورة دفع الاتحاد.
تُظهر سنوات من الخبرة أن الرسوم الجمركية لا تضر ببائعي السلع بقدر ما تضر بالمشترين، كلما زاد الرئيس من الرسوم الجمركية، حُرم مواطنوه من خيارات أكثر بأسعار منخفضة.
وعلى الرغم من أن الموردين الأجانب يخفضون أسعارهم بشكل حاد أكثر مما فعلوا بعد رسوم ترامب في ولايته الأولى، يعتقد محللون في جولدمان ساكس أن الشركات والمستهلكين الأمريكيين تحملوا، حتى الآن، أربعة أخماس تكاليف الرسوم الجمركية.
رسوم جمركية باهظة
وفي تقريرها، أوضحت "فايننشال تايمز" أن ترامب أعلن فرض رسوم جمركية باهظة على شركاء رئيسيين من تايوان إلى كندا والهند وسويسرا، بهدف خفض العجز التجاري الذي وصفه بـ"تهديد غير عادي للأمن القومي".
وأضافت الصحيفة أن الرسوم المُتفق عليها تشكل تخفيفًا نسبيًا مقارنة بالإجراءات التي أعلنها في "يوم التحرير" في أبريل، لكنها تبقي على أعلى مستويات التعريفات منذ عقود.
كما أظهرت تحركات ترامب أن هذه السياسة استبقت اتفاقيات مع بعض الشركاء مثل المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان، في حين عانى شركاء آخرون كالولايات المتحدة وكندا من توترات ومواجهات سياسية، إذ سجلت الأسهم العالمية تراجعًا ملحوظًا بعد صدور الأوامر التنفيذية الأخيرة، وتراجع سوق العمل الأمريكي، حسب تقرير لصحيفة "واشنطن بوست".
وناقشت الغارديان وفورين بوليسي التأثيرات الدولية لهذه السياسة، حيث أشارتا إلى أن التصعيد الأمريكي يعرض قيم التجارة الدولية للخطر ويهدد الاستقرار الاقتصادي العالمي، كما يمثل تحولاً في علاقات الولايات المتحدة مع شركائها التجاريين واستخدام الرسوم أداة سياسية أكثر من كونها مجرد أدوات اقتصادية.
وبحسب بوليتيكو، فإن فرض التعريفات الجديدة بشرائح متفاوتة بين 10% و41% يمثل أكبر تصعيد في السياسات التجارية منذ تطبيق قانون سموت-هاولي في الثلاثينيات، مع توقعات بتحصيل إيرادات ضخمة للدولة الأمريكية لكنها قد تسبب توترات داخلية في الأسواق والاقتصاد.
الأبعاد الاقتصادية والسياسية
تُبرز هذه التغطيات تداعيات واسعة، منها أنه بالرغم من اهتمام الصحف بالأبعاد الاقتصادية والسياسية، فإن فرض تعريفة جمركية شاملة بهذا الحجم يعارض المبادئ الأساسية لمنظمة التجارة العالمية التي تتطلب تقليل الحواجز التجارية، كما يتناقض مع تحقيق تجارة عادلة وغير تمييزية بين الدول، فضلاً عن تأثيره السلبي في حقوق المستهلكين الذين يتحملون ارتفاع تكاليف الاستهلاك، وحقوق الشركات الصغيرة التي تتأثر بشدة بتقلبات الأسواق.
وتجمع التغطيات أن هذه السياسة تعكس إجراءات حمائية تتصاعد في مواجهة العولمة، لكنها تحمل مخاطر متزايدة على التوازنات الدولية وحقوق الدول المتضررة، وتتطلب مراجعات شاملة لضمان تحقيق التوازن بين السيادة الاقتصادية والالتزامات الدولية، وتوفير بيئة من التبادل التجاري العادل الذي يحفظ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لكل الأطراف.