تآكل استقلالية البيانات الأمريكية.. ترامب يُقيل مفوضة العمل ويشكك في البيانات الاقتصادية
تآكل استقلالية البيانات الأمريكية.. ترامب يُقيل مفوضة العمل ويشكك في البيانات الاقتصادية
أقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رئيسة مكتب إحصاءات العمل، إريكا ماكينتارفر، بعد ساعات قليلة من صدور تقرير الوظائف الشهري الذي أظهر تباطؤًا حادًا في نمو التوظيف في الولايات المتحدة خلال يوليو 2025، ووجه ترامب أوامره بتنحية ماكينتارفر، التي عيّنها الرئيس السابق جو بايدن، متهماً التقرير بـ"التزوير" بغرض إلحاق الضرر به سياسيًا، رغم عدم تقديم أي أدلة تثبت هذا الادعاء، بحسب ما نقلته صحيفة "فايننشيال تايمز".
وصرح ترامب بأن ماكينتارفر ستُستبدل بـ"شخص أكثر كفاءة وتأهيلاً" قائلًا: "يجب أن تكون الأرقام المهمة مثل هذه عادلة ودقيقة، ولا يمكن التلاعب بها لأغراض سياسية".
وأضاف ترامب أن البيانات "مُزوَرة لتشويه صورة الجمهوريين وولاياه"، الأمر الذي شكّل خطوة غير مسبوقة من رئيس الولايات المتحدة في التدخل المباشر بعمل وكالة إحصائية لها دور حيوي في إصدار تقارير سوق العمل والتضخم، والتي تشكل أساس تسعير تريليونات الدولارات من الأصول المالية حول العالم".
وأشارت صحيفة "واشنطن بوست" إلى أن تقرير الوظائف لشهر يوليو أظهر إضافة 73 ألف وظيفة فقط مقابل توقعات متفائلة أعلى بكثير، مع تعديلات هبوطية غير معتادة لأرقام مايو ويونيو تجاوزت 258 ألف وظيفة، ما أثار قلق المستثمرين والأسواق العالمية.
توتر في أوساط المستثمرين
واتجهت الأنظار بعد الإقالة إلى وليام ويتروفسكي، نائب المفوض الذي تولى منصب مفوض مكتب إحصاءات العمل بالإنابة، وأكدت وزارة العمل إقالة ماكينتارفر رسميًا مساء الجمعة، وفقًا لتقرير فايننشيال تايمز، وسط حالة من التوتر في أوساط المستثمرين بسبب تصاعد حدة الانتقادات التي يوجهها ترامب لرئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، الذي طالب ترامب باستقالته على نحو مماثل لما فعلته أدريانا كوغلر، محافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي التي أعلنت استقالتها قبل الأوان.
قال ترامب على منصة "تروث سوشيال" إن الاقتصاد "يزدهر في عهده على الرغم من وجود بنك الاحتياطي الفيدرالي الذي يلعب بأسعار الفائدة"، مؤكدًا ضرورة إقالة باول لأنه "فات الأوان" للاستقالة، وأضاف لاحقًا في مقابلة مع شبكة نيوزماكس بأنه قد يطرده "في لمح البصر" ولكنه يفضل عدم زعزعة الأسواق المالية، مع الاعتراف بأن من المرجح بقاء باول في منصبه.
وأوردت شبكة "سي إن إن" أن هذه التصريحات تأتي في وقت تتسارع فيه مؤشرات التوتر في السياسة النقدية والتضخم وأسعار الفائدة داخل الولايات المتحدة، وهي عوامل تمس مباشرة استقرار الاقتصاد والأسواق المالية.
ومن جانبها سلطت صحيفة "بوليتيكو" الضوء على أن قرار ترامب بإقالة ماكينتارفر يعد انتهاكًا لاستقلالية وكالة إحصاءات العمل، التي من المفترض أن تعمل بمنأى عن الضغوط السياسية.
وأكد التقرير أن هذه الخطوة أثارت مخاوف كبيرة حول نزاهة النظام الإحصائي الأمريكي، وقال ديفيد ويلكوكس، الرئيس السابق للجنة الاستشارية الفيدرالية للإحصاءات الاقتصادية، في تصريح "فايننشيال تايمز" إن إقالة المفوضة ستكون "ضربة موجعة للنزاهة"، إذ ستولد شكوكًا حول ما إذا كانت البيانات تعكس الواقع الاقتصادي أم تخدم مصالح السياسة والسلطة.
التسييس المحتمل للبيانات
انتقدت مجموعة "أصدقاء مكتب إحصاءات العمل"، في بيان لها، التسييس المحتمل للبيانات الاقتصادية، مشيرة إلى أن "عندما يُسيّس قادة دول أخرى البيانات الاقتصادية ويقوضون ثقة الجمهور في بنيتهم التحتية، تكون العواقب وخيمة"، كما أوردت فايننشيال تايمز.
وتبرز هذه الإقالة في ظل تراجع في ثقة المستثمرين وعندما تراجعت قيمة الدولار الأمريكي بنسبة 2.3% مقابل الين، و1.6% مقابل اليورو، مع انخفاض عوائد سندات الخزانة لأجل عامين بنسبة 0.26 نقطة مئوية لتصل إلى 3.68%، وهو مؤشر على توقعات السوق لتخفيف محتمل في السياسة النقدية، بحسب موقع فايننشيال تايمز.
ويعلق كريشنا جوها، من بنك الاستثمار إيفركور، على قرار استقالة كوغلر بالقول إن ذلك "قد يسرّع عملية اختيار رئيس الاحتياطي الفيدرالي المقبل"، مضيفًا أن الشخص الذي سيشغل المنصب سيكون عمليًا "رئيسًا بالوكالة" قبل أن يتولى المنصب رسميًا خلفًا لباول.
وفقًا لتقارير "فايننشيال تايمز" وأيضًا "بوليتيكو"، تأتي هذه التطورات في وقت يزداد فيه القلق بين المستثمرين والمراقبين الاقتصاديين من احتمالية تأثير الخلافات السياسية على استقلالية المؤسسات الاقتصادية والمالية في الولايات المتحدة، ما قد يهدد ركيزة أساسية في مصداقية النظام الاقتصادي الأمريكي.
تتابع صحيفة "واشنطن بوست" أن تعديلات أرقام التوظيف الأخيرة أثارت تساؤلات حول مدى دقة البيانات وأسباب الهبوط غير المألوف في نسبة الاستجابة لمسوح التوظيف، التي هبطت إلى 67.1% في يوليو 2025 مقارنة مع 80.3% في أكتوبر 2020، الأمر الذي فاقم التحديات في تقديم صورة واقعية لسوق العمل.
مخاطر تسييس البيانات
سجّل التقرير حضورًا مميزًا لتعليقات عديدة من الاقتصاديين والخبراء حول المخاطر الناجمة عن تسييس البيانات الاقتصادية، التي تشكل أساسًا لصنع القرار على صعيد السياسات العامة والمالية، وهو ما وصفه محللون بأنه تهديد لنزاهة المعلومات الحكومية وحجم الثقة المجتمعية.
وتُبرز هذه الأحداث حربًا داخلية غير مسبوقة بين البيت الأبيض والمؤسسات الحكومية المتخصصة في الاقتصاد، في وقت تتشعب فيه التحديات الاقتصادية والمالية للولايات المتحدة، مع قلق عالمي من أن تؤثر هذه النزاعات على السوق المالية الدولية وثقة المستثمرين حول العالم.
وتكشف إقالة ماكينتارفر عن أزمة أعمق في العلاقات بين السلطة التنفيذية والمؤسسات الحكومية المستقلة، خصوصًا في ما يتعلق بإدارة البيانات الرسمية التي تعتبر حجر الأساس لتحقيق الشفافية والمصداقية في إدارة الاقتصاد والسياسة النقدية بالولايات المتحدة.