الهدف الرابع.. الأمل الأخير

الهدف الرابع.. الأمل الأخير
سعيد حمد الشقصي- رئيس التحرير

كان من الطبيعي أن يتصدّر "التعليم" أهداف التنمية المستدامة التي حدّدتها الأمم المتحدة كأحد الأهداف الأربعة الأولى وليس هذا طبيعيًا فحسب بل هو ضرورة مُلحّة لمعالجة إحدى الإشكاليات التي ترتّبت على مختلف الظروف العالمية من غياب التمويل للمؤسسات التنموية المعنية بالتعليم وتراجع الاهتمام بها، وفي مناطق مثل الشرق الأوسط وإفريقيا تأثّر التعليم بالصراعات والحروب المشتعلة فغادر ملايين الأطفال مقاعد الدراسة لظروف قهرية رغمًا عن إرادتهم.. وبحلول عام 2030 لن يتمكن نحو 84 مليون طفل وشاب من دخول المدرسة إذا لم يتحرك العالم جديًا للاهتمام بالهدف الرابع.

بلغة الأرقام نحن أمام أزمة كبرى تستحق أن تكون لها الأولوية على أي أزمة أخرى، قبل يومين كشفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" أن الحرب المستمرة منذ منتصف أبريل 2023 في السودان أجبرت أطفالًا على النزوح مع أسرهم ثلاث مرات، بسبب التوسّع المستمر في رقعة القتال وحرمت أكثر من 17 مليون طفل من التعليم بسبب أطراف الحرب في السودان.

وفي غزة، تضرّرت 88% من المدارس في القطاع جراء العمليات العسكرية التي تنفذها إسرائيل، ونتج عن ذلك حرمان 660 ألف طفل من فرصة تلقي التعليم، وفي الوقت نفسه لن تتمكن "الأونروا" ومراكزها التدريبية من تقديم التعليم المناسب إلا لـ18 ألف طالب فقط.

وفي نظرة أوسع، تشير تقديرات "اليونيسف" إلى أن نحو 30 مليون طفل خارج المدرسة في 12 دولة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.. ماذا يعني ذلك؟ يعني أن طفلًا واحدًا على الأقل من كل ثلاثة أطفال في هذه الدول غير ملتحق بأي من صفوف الدراسة.

إذا اطّلعنا على أحدث إحصائيات المؤسسة الأممية فسنجد أن الأرقام مفزعة بكل المقاييس؛ ففي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا يستطيع 6 من كل 10 أطفال قراءة وفهم نص بسيط بحلول سن العاشرة.. هذا يحدث ونحن في عام 2025!

التعليم هو الضريبة الباهظة للحرب ولرفض أطرافها حلول السلام، في غزة والسودان وغيرها من دول المنطقة والعالم. 

تخيلوا لو أنفِق أقل من ربع الميزانية التي خُصصت للحروب والصراعات والتسليح والتقنيات العسكرية، لدعم الهدف الرابع وتعزيز التعليم، ولتمكّن 30 مليون طفل من الالتحاق بمراحل الدراسة.. ألن يكون مستقبل المنطقة ودولها أفضل؟

سيدفع العالم ثمن حرمان هؤلاء الأطفال من التعليم، وبلا شك سيتم استغلالهم في الحروب والصراعات، كما في قضية تجنيد الأطفال التي ظهرت في السودان، سيكونون هدفًا سهلًا للجماعات المتطرفة، لا سيما مع افتقادهم أدوات مواجهة سياسة "غسل الأدمغة" التي تعتمد عليها تلك الجماعات.

أتَبَنّى الرؤية التي حدّدتها "اليونيسف" لحل هذه الأزمة، من خلال إلزام الحكومات في مختلف الدول، والأطراف المتحاربة، باحترام القانون الدولي الإنساني، وحماية المؤسسات التعليمية، وإعطاء الأولوية لإعادة فتح المدارس. كذلك من خلال زيادة الاستثمارات في التعليم، عن طريق تخصيص كل دولة ما بين 15 و20% من إجمالي إنفاقها العام على التعليم، وضمان أن تكون جميع المدارس شاملة.

الهدف الرابع هو الأمل الأخير في مستقبل أفضل لعالم أفضل، بلا حروب أو نزاعات، وفي أجيال جديدة قادرة على ترسيخ السلام، وتعزيزه، والإيمان به.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية