خمسة أعوام خلف القضبان.. "كينيا هيرنانديز" حقوقية مكسيكية تدفع ثمن دفاعها عن المظلومين
خمسة أعوام خلف القضبان.. "كينيا هيرنانديز" حقوقية مكسيكية تدفع ثمن دفاعها عن المظلومين
في أحد سجون المكسيك وتحديداً في ولاية مكسيكو، تقبع خلف القضبان امرأة ليست كغيرها من السجينات، إنها كينيا إينيس هيرنانديز مونتالفان، المحامية والمدافعة عن حقوق الإنسان، والأم لطفلين، والمناهِضة للاستعمار الاجتماعي والقمع العرقي في بلدها، تقضي كينيا أكثر من خمس سنوات رهن الاحتجاز، ليس لارتكابها جريمة، بل لارتكابها أسمى أفعال الشجاعة "الدفاع عن المقهورين".
من الدفاع عن الضعفاء إلى زنزانةٍ بلا عدالة
نشأت كينيا في مجتمع أموزغا من السكان الأصليين في ولاية غيريرو، حيث تتقاطع العنصرية والفقر والتمييز الجنسي ضد النساء، فقررت أن تسلك طريق القانون لا لتحقق ذاتها فقط، بل لتكون سندًا للنساء والفئات المهمشة وفق منصة “omct”.
كرّست حياتها للدفاع عن حقوق المرأة، وعن الأرض والهوية والثقافة، ولم تتردد في الدفاع عن السجناء السياسيين والمظلومين في المكسيك، فأسست حركة "تحرير السجناء السياسيين في غيريرو"، وجماعة "زاباتا فيف" لدعم الشباب في المناطق الساحلية.
لكن نضالها السلمي هذا، لم يَرُق للسلطات. ولم تكن تهديدات الجماعات المسلحة سوى مقدمة لما هو أسوأ.
اعتقالات بلا مذكرات وتهم مفبركة
في يونيو 2020، اعتُقلت كينيا لأول مرة بتهمة "السرقة بالعنف" خلال مظاهرة، وهي تهمة لم تثبت، فأُطلق سراحها بشروط. لكنها اعتُقلت مجددًا في أكتوبر من نفس العام، دون أمر قضائي، على خلفية احتجاج آخر.
ثم بدأت دوامة القمع، من خلال تهم متعددة، كلها مرتبطة بالاحتجاجات السلمية، وجميعها وجهتها جهات رسمية مثل "الشرطة الفيدرالية للطرق والجسور". كينيا أصبحت في مواجهة تسع قضايا منفصلة، كلها تسعى لتجريم الاحتجاج، وتقنين إسكات صوتها.
من سجن إلى آخر
تنقلت كينيا بين أربعة سجون داخل المكسيك، من بينها سجن فيدرالي شديد الحراسة في موريلوس، حيث عانت من ظروف احتجاز "غير إنسانية" بحسب ما وصف فريقها القانوني، وخاضت إضرابين عن الطعام احتجاجًا على ذلك.
تقول الأمم المتحدة إن هذا السجن تحديدًا شهد 19 حالة وفاة منذ 2022، نتيجة الإهمال وسوء المعاملة، وفي يناير 2024، نُقلت كينيا إلى سجن إيكاتيبيك لرؤية أطفالها، قبل أن تتعرض لاعتداء جسدي على يد نزيلات أخريات، ما اضطر السلطات لنقلها مجددًا إلى سجن نيزاهوالكويوتل سور، حيث لا تزال محتجزة حتى اليوم.
أم خلف القضبان.. وأطفال يترقبون
بعيدًا عن الجدران الأسمنتية، يقف طفلان صغيران ينتظران عودة أمهما، التي لم ترتكب ذنبًا سوى أنها دافعت عن أمهات غيرها، تقول عائلتها إنهم حُرموا من زيارتها مرارًا، فيما تم منعها من حضور جلساتها القضائية، ومنعت من الترجمة بلغة أموزغا، في انتهاك صارخ لحقها بالمحاكمة العادلة.
في سبتمبر 2024، كتبت كينيا إلى مجلس حقوق الإنسان الأممي: “خلال فترة حرماني من حريتي، تعرضت لسوء المعاملة والتمييز والعنف الجسدي والنفسي.”.. رسالة قصيرة لكنها تفضح قسوة النظام الذي يعاقب الشجاعة، ويجرّم الكلمة الحرة.
تجريم الاحتجاج.. سياسة رسمية
قضية كينيا ليست استثناءً في المكسيك، بل جزء من سياسة ممنهجة لتجريم المدافعين عن حقوق الإنسان، خصوصًا في مناطق السكان الأصليين. فالاحتجاجات تُعامل كأنها جرائم، والمحاكمات تتخذ طابعًا انتقاميًا، تُساق فيها التهم كيفما اتفق.
يؤكد محامو كينيا أن التهم الموجهة إليها لا تُصنف "خطيرة"، ما يعني قانونًا أنها قابلة لإجراءات بديلة عن السجن، لكن السلطات تماطل في إبرام اتفاقية تعويض مع الجهة المدعية، وتصر على إبقائها وراء القضبان.
القانون الدولي يتجاهله الداخل
ما يحدث مع كينيا يُعد خرقًا واضحًا للقوانين الدولية، ومنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والإعلان العالمي لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان، كما يتعارض مع قواعد نيلسون مانديلا التي تنظم معاملة السجناء.
في ظل هذا، تُواصل المنظمات الدولية، كـ"المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب"، و"منظمة العفو الدولية"، مطالبة الحكومة المكسيكية بإنهاء احتجازها التعسفي فورًا، وضمان سلامتها الجسدية والنفسية، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.
رغم القيد والزنزانة، لم تُسكت كينيا صوتها، هي اليوم رمز لكل امرأة مكسيكية تجرأت على تحدي الظلم، ولكل مدافع عن الحرية حوّلته الدولة إلى خصم.
في صمت الزنازين، يتردد صدى كلماتها، ليذكّر العالم بأن الدفاع عن العدل في المكسيك قد يكون جريمة، لكن الصمت أمام القهر أشد جرمًا.