الدور الاجتماعي للذكاء الاصطناعي خطير وسلبي

الدور الاجتماعي للذكاء الاصطناعي خطير وسلبي

يعترف سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، المتخصصة في تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي، بأن بعض المستخدمين، وخاصة الشباب، بدؤوا يتعاملون مع مُنتج الشركة الشهير «شات جي بي تي»، كما لو كان مُدرباً شخصياً، أو مستشاراً في شؤون الحياة. ورغم أنه يرى في ذلك برهاناً على فاعلية التكنولوجيا، فإنه يُحذر، في الوقت نفسه، من خطورة الاعتماد المُفرط على أدوات الذكاء الاصطناعي، لاتخاذ قرارات مصيرية، عادّاً أن «الحكم البشري، في هذا الصدد، لا يمكن استبداله».

لقد جاء هذا الاعتراف المثير في أعقاب الإعلان، في وقت سابق من الشهر الحالي، عن وفاة مراهق يبلغ من العمر 16 عاماً، بعدما تحدّث مع «شات جي بي تي» عن أفكاره لإيذاء نفسه، قبل أن يقدم على الانتحار، وهو الأمر الذي دفع والدَي المراهق لرفع دعوى قضائية في كاليفورنيا، بالولايات المتحدة الأميركية، متهمين فيها الشركة بالتسبب في وفاة ابنهما، بداعي أن «شات جي بي تي» شجعه على الانتحار.

ولم تتوقف تداعيات هذا الانتحار المأساوي على اعتراف ألتمان بذلك الدور المتصاعد والخطير في آن واحد لمُنتجه الشهير، لكن الشركة أعلنت أيضاً عن إطلاق سلسلة من أدوات الرقابة الأبوية، وإجراءات جديدة للسلامة، للتقليل من تلك المخاطر، ولتعزيز الحماية للأطفال والمراهقين عند استخدامهم أدواتها.

وبموازاة هذه الحادثة الصادمة وتداعياتها المختلفة، ظهرت دراسات علمية موثوقة تشير إلى تغير نوعي في أدوار الذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي لم يعد يكتفي بتقديم الدعم المعلوماتي، لكنه بات أيضاً يقدم أنواعاً من المشاركة، والدعم العاطفي، ويمنح الشعور بالأمان لبعض مستخدميه.

ومن بين تلك الدراسات دراسة أجراها باحثون من جامعة واسيدا اليابانية، ونشروا نتائجها في دورية «كرنت سيكولوجي» أخيراً، وهي النتائج التي أكدت لجوء نحو 39 في المائة من العينة الخاضعة للبحث إلى أدوات الذكاء الاصطناعي بوصفها «كيانات موجودة في حياتهم، وموثوقاً بها»؛ ولذلك فإنهم يلتمسون الدعم العاطفي والمشاركة والتوجيه منها.

يشير ذلك إلى أن التفاعلات الاجتماعية التي تجري بين البشر وتشكل ملامح حيواتهم الإنسانية والعاطفية باتت تنتقل رويداً رويداً إلى مجال العلاقات بين البشر والذكاء الاصطناعي، الذي لم يعد مجرد أدوات تقدم دعماً معلوماتياً فحسب، لكنها أضحت أيضاً كيانات تتفاعل اجتماعياً مع مستخدميها أو «شركائها»، وتُسهم في تأطير نهجهم الإنساني والعاطفي.

فبعد اكتشاف شبكة «الإنترنت»، كان من الضروري أن يواكب علم الاجتماع هذا التطور؛ لفهم كيفية تأثير الشبكة في الفرد والمجتمع، ولذلك نشأ «علم اجتماع (الإنترنت)» للتركيز على فهم تأثير تلك التقنية في المجتمع، وهو الأمر الذي تمخَّض عن مفاهيم وطروحات مُهمة، ما زال هذا العلم يجتهد في سبر أغوارها.

ويبدو أن المجال البحثي والمعرفي العالمي بات أكثر حساسية لهذا النوع من الدراسات؛ فعندما تم طرح «شات جي بي تي» للجمهور في خريف عام 2022، لم ينتظر المجتمع العلمي طويلاً حتى ظهرت استجابته في تدشين عمل «علم اجتماع الذكاء الاصطناعي»، الذي وجد باحثوه أنهم أمام تحديات ضخمة ومباشرة، بعدما ظهرت إشارات إلى تعاظم الأثر الاجتماعي والنفسي لاستخدام أدوات هذا الابتكار التقني في البشر.

يهتم «علم اجتماع الذكاء الاصطناعي» بوصف التفاعلات التي تجري بين البشر وأدوات الذكاء الاصطناعي، التي لم تعد تكتفي بتقديم المعلومات والإجابة عن التساؤلات وإنجاز المهام، لكنها تسعى أيضاً إلى بناء علاقات اجتماعية مع المستخدمين، وبالتالي تشكيل هوياتهم الفردية، والتأثير في وعيهم، فضلاً بالطبع عن احتمال تقويض حقهم في الخصوصية.

ولذلك فإن مقاربة «علم اجتماع الذكاء الاصطناعي» لهذه الأدوات الجديدة تنطلق من النظر إليها بوصفها «نظاماً اجتماعياً تقنياً»، إذ لم تعد تلك الأدوات مجرد تقنيات شبكية، تقف تأثيراتها عند حدود المختبرات في «وادي السيليكون»، بل أصبحت موجودة ومُدمجة في حياتنا اليومية وتفاصيلها الاجتماعية والعاطفية.

سيقودنا ذلك إلى ضرورة تقصي بعض المعاني الاجتماعية التي يطرحها تصاعد دور الذكاء الاصطناعي المُطرد والمتسارع؛ ومن تلك المعاني ما يتصل بمفاهيم اجتماعية راسخة؛ مثل الثقة، والحق، والواجب، والأخلاق.

ومن بين ما يلقيه الذكاء الاصطناعي من ظلال على تلك المعاني القيّمة ما يتعلق بقدرته على تقليص الاعتمادية الذاتية لمستخدميه، وتقبلهم المخاتلة والهلوسة التي ينطوي عليها أداؤه، وتعزيز فردانيتهم، والأهم من ذلك كله عزلهم عن محيطهم الاجتماعي البشري الطبيعي، أو تقليص وجودهم فيه.

وسيكون المستقبل القريب ميداناً لاختبار درجة الرشد البشري في ما يتعلق بتنظيم استخدامات الذكاء الاصطناعي، وقياس قدرة الحكومات والمُشرعين والمنظمات الدولية المعنية على الحد من الخروقات الاجتماعية الهائلة للأدوات الجديدة، والتي بدأت بواكيرها الظهور سريعاً.


نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط


 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية