إغلاق صحيفة إيرانية بعد نشر صورة امرأة محجّبة في تقرير عن اغتصاب
إغلاق صحيفة إيرانية بعد نشر صورة امرأة محجّبة في تقرير عن اغتصاب
أُجبرت صحيفة "هم میهن" الإصلاحية الإيرانية على التوقف عن النشر، بعد أن شنّ التيار المحافظ في البلاد حملة عنيفة ضدها بسبب نشرها صورة لامرأة محجّبة على صفحتها الأولى ضمن تقرير صحفي تناول قضية اغتصاب مثيرة للجدل.
وقالت شبكة "إيران إنترناشيونال"، اليوم الأربعاء، إن هذه الخطوة التي بدت في ظاهرها قضية إعلامية محدودة، تحوّلت بسرعة إلى صدام سياسي وثقافي واسع يعكس الانقسام العميق داخل المجتمع الإيراني حول الحجاب، حرية الصحافة، وحدود النقد الاجتماعي.
وأثار استخدام الصحيفة لصورة امرأة محجّبة -كانت رمزية لتمثيل الضحية المفترضة- غضب المحافظين الذين رأوا فيها إساءة إلى رمز ديني مقدّس، إذ اعتبروا أن الجمع بين صورة الحجاب وقضية الاغتصاب "يُهين القيم الإسلامية" ويُشوّه صورة النساء المتديّنات.
وهاجم مقدّم التلفزيون الحكومي محمد رضا شهبازي الصحيفة بشراسة: "النساء المحجّبات أطهر من القذارة التي تسبحون فيها ليلًا ونهارًا.. ضعوا صورة من نوعكم بدلًا من ذلك".
استخدام صورة رمزية
من جانبه، دافع رئيس تحرير الصحيفة محمد جواد روح، عن قرار النشر: "لم نتحدث ضد الحجاب، ولم تكن لدينا أي نية لإثارة الجدل.. لقد أدّينا واجبنا المهني بنشر تقرير متوازن تضمن مقابلات مع المشتكية ومحامي المتهم".
وأوضح أن الضحية لم ترغب في كشف هويتها، ما اضطر هيئة التحرير لاستخدام صورة رمزية ضمن القيود الإعلامية المفروضة في البلاد.
ونقل موقع "مشرق نيوز" المقرّب من الحرس الثوري عن مصادره أن هيئة الإشراف على الصحافة كانت قد وجّهت ثلاثة إنذارات رسمية إلى الصحيفة خلال الأشهر الماضية، محذّرة من "انتهاكات خطيرة" أُحيل بعضها إلى القضاء.
وأشار الموقع إلى أن القرار القضائي بإغلاق الصحيفة "بات وشيكًا" قبل أن يتم تنفيذه بالفعل يوم الثلاثاء.
اعتبار الصورة استفزازية
زعم الموقع أن الصحيفة تعمّدت نشر التقرير بقلم الصحفية إلهه محمدي التي كانت قد سُجنت عام 2022 بعد تغطيتها وفاة الشابة مهسا أميني التي أشعلت احتجاجات عارمة في البلاد، في خطوة اعتبرها المحافظون "استفزازية".
وقال الموقع إن "سلوك مسؤولي صحيفة هم میهن في إسناد مشروع إلى صحفية لديها سوابق أمنية يخضع الآن للمراجعة"، في إشارة إلى نية السلطات اتخاذ إجراءات قانونية ضد هيئة التحرير.
حوّلت وسائل الإعلام الموالية للنظام القضية إلى عاصفة سياسية وإعلامية. وذكرت وكالة "مهر" الرسمية أن الإغلاق جاء بسبب "مخالفة أخلاقيات المهنة"، في حين اتهمت وكالة تسنيم التابعة للحرس الثوري الصحيفة بارتكاب "إهانة متعمدة لتقاليد النساء الإيرانيات".
وعلى شبكات التواصل، تصاعدت حملات التحريض ضد الصحيفة، إذ وصف المخرج ميخائيل دياني ما حدث بأنه "سعي خبيث لإحداث انقسام اجتماعي"، في حين قالت الباحثة فاطمة ريغاني إن التقرير "دنّس رمز العباءة السوداء بقصة عن اعتداء جنسي مزعوم".
تاريخ من الإغلاق والملاحقة
يأتي إغلاق "هم میهن" في سياق ضغوط متصاعدة على الصحافة المستقلة والإصلاحية في إيران. فالصحيفة التي أسسها غلام حسين كرباسجي، رئيس بلدية طهران الأسبق وعضو بارز في حزب "كوادر البناء" الوسطي، كانت قد أُغلقت مرتين سابقًا، عامي 1999 و2008، قبل أن يُعاد إصدارها في يوليو 2022.
ومنذ عودتها، واجهت الصحيفة تدقيقًا مستمرًا بسبب تغطياتها لقضايا المرأة والمجتمع المدني، وقال كرباسجي مؤخرًا لموقع "إيكو إيران" إن عددًا من صحفييه تلقوا تهديدات من جهاز استخبارات الحرس الثوري عقب نشرهم تقارير عن النساء المعيلات للأسر.
وتساءل: “أي خطر يمكن أن تشكله صحيفة لا يتجاوز توزيعها ألفي نسخة على الدولة؟”
قمع الصحافة وتصاعد الانتهاكات
بحسب منظمة "الدفاع عن حرية المعلومات" (DeFFI)، واجه ما لا يقل عن 95 صحفياً ووسيلة إعلامية إجراءات قانونية أو أمنية خلال النصف الأول من عام 2025، منهم ستة صحفيين اعتُقلوا مؤقتًا، وبلغ مجموع الأحكام الصادرة بحقهم أكثر من 22 عامًا من السجن.
ويرى محللون أن استهداف "هم میهن" لا يتعلق فقط بالصورة أو التقرير، بل يعكس حملة أوسع ضد الإعلام الإصلاحي الذي يحاول تسليط الضوء على القضايا الاجتماعية الحساسة.
وقال المحلل الإصلاحي المخضرم أحمد زيد آبادي في منشور له: "في بلد لا يمكنك فيه حتى الإبلاغ عن قضية جنائية خاصة، ما الحاجة إلى وجود الصحف أصلًا؟ التلفزيون الرسمي وصحيفة كيهان كافيان".
حرية التعبير بين القمع والرمزية
يُظهر إغلاق "هم میهن" أن حرية الصحافة في إيران ما زالت رهينة التوجهات العقائدية والسياسية، حيث يمكن لتقرير اجتماعي واحد أن يُغلق صحيفة كاملة، ويحوّل النقاش حول العدالة والاغتصاب إلى معركة حول الحجاب والهوية الدينية.
وبينما تصر السلطات على أن الصحيفة "تجاوزت الحدود"، يرى الصحفيون المستقلون أن ما حدث ليس سوى رسالة تخويف جديدة لكل من يحاول ملامسة الخطوط الحمراء في مجتمع يزداد انقسامًا بين قيم الدولة المحافظة وتطلعات الأجيال الجديدة نحو حرية أوسع.










