الحجاب والفساد في إيران.. عندما تتحول المرأة إلى شماعة للأزمات
الحجاب والفساد في إيران.. عندما تتحول المرأة إلى شماعة للأزمات
طالما سعت السلطات الإيرانية، عبر خطابها الرسمي والديني، إلى تحميل النساء مسؤولية الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد، في محاولة لتجميل صورة النظام وإضفاء شرعية أخلاقية على فشله الإداري والاقتصادي.
غير أن هذه السياسة، كما يرى مراقبون، لا تُفرّغ القيم من معناها الحقيقي فحسب، بل تُحوّل أجساد النساء وملابسهن إلى أدوات رمزية لتبرير الفساد وإخفاء القصور الحكومي، بحسب ما ذكرت شبكة "إيران إنترناشيونال"، اليوم السبت.
أثار تعليق لافتة دعائية في أحد الطرق السريعة بالعاصمة طهران، خلال الأيام الماضية، موجة واسعة من الغضب على وسائل التواصل الاجتماعي، بعد أن كُتب عليها: "أخواتي العزيزات، إذا التزمتن بالحجاب الإسلامي، نعدكن ببذل قصارى جهدنا لمنع الاختلاس والتربح خلال أقل من عام".
وانتشرت صورة اللافتة بسرعة كبيرة، مصحوبة بتعليقات ساخرة وغاضبة من الإيرانيين الذين رأوا فيها نموذجًا فاضحًا لتناقض الخطاب الرسمي، إذ تربط بين التزام النساء بالحجاب ومكافحة الفساد المالي، في بلد يعاني منذ سنوات من أزمات اقتصادية متفاقمة وتدهور في مستويات المعيشة.
وسيلة لتشتيت الانتباه
اعتبر محللون أن هذه الرسالة تمثل شكلًا من أشكال إسقاط المسؤولية، إذ تُحمّل النساء تبعات الفساد الذي ترسخ في بنية النظام السياسي والاقتصادي، فبدلًا من الاعتراف بفشل منظومات الرقابة وضعف مؤسسات المحاسبة، تُحوّل السلطة النقاش إلى سلوكيات فردية تخص النساء، وكأن تغطية الشعر قادرة على معالجة الاختلاس أو سوء الإدارة.
ويرى باحثون أن هذه المقاربة المهينة تُظهر كيف يُستخدم الخطاب الأخلاقي وسيلة للسيطرة الاجتماعية، حيث تُقدَّم المرأة بوصفها رمزاً للشرف الوطني، وتُحمّل تبعات أزمات لا علاقة لها بها.
ويصف منتقدون هذا النهج بأنه وسيلة لتشتيت انتباه الرأي العام عن الأسباب البنيوية للفساد، مثل الاحتكار الاقتصادي، وشبكات الريع، وغياب الشفافية في إدارة الثروات العامة.
الحجاب أداة سياسية
يُشير مراقبون إلى أن النظام الإيراني يوظف رمزية الحجاب لتطهير صورته من تهم الفساد والقمع، في إطار خطاب يُظهر الالتزام الديني بصفته حلاً للأزمات الوطنية، فالحكومة، بدلًا من إصلاح المؤسسات أو محاسبة المسؤولين المتورطين في الفساد، تحاول كسب الشرعية من خلال فرض قيم أخلاقية على النساء، ما يجعل الحجاب أداة سياسية أكثر من كونه تعبيرًا دينيًا أو اجتماعيًا.
كما يرى مختصون في علم الاجتماع أن هذا الخطاب يُعمّق الانقسام بين المجتمع والدولة، لأنه يُحمّل فئة بعينها مسؤولية أزمة وطنية، ويعزز الصور النمطية والعنف الرمزي ضد النساء في الفضاء العام، بدلًا من تمكينهن والمشاركة في الحياة الاقتصادية والسياسية.
ويرى المراقبون أن معالجة الفساد تتطلب إصلاحات هيكلية حقيقية: من تعزيز الشفافية المالية، واستقلال القضاء، ومكافحة تضارب المصالح، وحماية الإعلام، إلى تفكيك شبكات الريع التي تستفيد من غياب المحاسبة، أما الخطاب الذي يربط بين الأخلاق الفردية والفساد المؤسسي، فهو، كما وصفه أحد النشطاء الإيرانيين، "مجرد غطاء ديني لإخفاء الانهيار الإداري".
وأكد عدد من مستخدمي مواقع التواصل أن السلطات، لو كانت جادة فعلًا في مكافحة الفساد، لبدأت بإصلاح أجهزة الدولة، بدلًا من توجيه اللوم نحو النساء اللواتي يواجهن أصلًا قيودًا اجتماعية وسياسية مشددة منذ عقود.
رسالة تعكس خوف السلطة
تكشف اللافتة -برمزيتها- خوف النظام من الدور الاجتماعي والسياسي للمرأة، إذ تُحاول السلطة تقييد حضورها في المجال العام عبر خطاب أخلاقي موجه، فبدلًا من الاعتراف بضعف الإدارة وانعدام الشفافية، تُحوّل الحكومة المسؤولية إلى فئة من المواطنين، وتعيد إنتاج السيطرة عبر أدوات رمزية ودينية.
في نهاية المطاف، تُظهر هذه الواقعة أن النظام الإيراني يستخدم قضايا المرأة صمام أمان سياسياً، يفرّغ به الغضب الشعبي، ويحول الانتباه عن جوهر الأزمات الاقتصادية والفساد البنيوي.
ومع تصاعد وعي الإيرانيين ونقاشهم العلني على منصات التواصل، تبدو هذه المحاولات أقل فاعلية من أي وقت مضى، إذ يدرك المواطنون أن الحل لا يكمن في “تغطية النساء”، بل في كشف الفساد وإقامة العدل والمساءلة.










