آية أبو نصر.. صوت من تحت الركام يروي إبادة عائلتها والمعاناة في غزة

آية أبو نصر.. صوت من تحت الركام يروي إبادة عائلتها والمعاناة في غزة
آية أبو نصر

آية أبو نصر، شابة فلسطينية من قطاع غزة، رفضت أن تُدفن مجزرة عائلتها بين أخبارٍ عابرة سرعان ما يبتلعها النسيان. ففي 29 أكتوبر 2024، شهد العالم قصف الجيش الإسرائيلي لعائلة “أبو نصر” الذي أدى إلى استشهاد نحو 150 شخصًا، جلّهم أطفال ونساء، لكن آية اختارت أن تصنع من قلب الألم صرخة تُوثّق المأساة، وتروي معاناة الناجين وحياة التشرد في الخيام، وتجارب زوجات الأسرى، في كتابها الذي نشرته في الذكرى الأولى للمجزرة ليكون شاهداً على وجع البشرية.

داخل بيتها في شمال قطاع غزة، عاشت آية أيامًا ملأها الرعب والخوف والقلق تحت القصف المستمر، لم يمنعها الخطر من الوقوف بجانب شقيقتها عند مستشفى كمال عدوان بعد استشهاد نجلها، ومواساة العائلة في أيام العزاء، قبل أن يتحول بيتهم إلى رماد وذاكرة موجعة وفق شبكة "فلسطين أون لاين".

قصف وإذلال

بعد العزاء، حاولت آية ووالدتها وشقيقتها العودة إلى منزل جدها حيث تواجد معظم أفراد العائلة، لكن القصف المستمر والمسيّرات التي هددتهم عبر مكبر الصوت أجبرتهم على النزوح غرب مدينة غزة، تتذكر آية بصوت يخنقه الحزن قائلة: "كنا نمشي ساعات تحت القصف والتفتيش والذل، حتى وصلنا أخيراً إلى غرب المدينة".

داخل خيمة النزوح في دير البلح، جلست آية تحمل كتابها الذي يوثق تفاصيل المجزرة: استشهاد شقيقها محمد وزوجته وطفليهما، وشقيقتها منار وعائلتها، وشقيقتها سحر مع أطفالها، وشقيقتها صابرين مع أطفالها، إلى جانب مئات الأسماء الأخرى التي محاها الجيش الإسرائيلي من سجل الحياة.

وبين دموعها وألمها العميق، تستعيد آية الذكريات الأخيرة في بيت جدها، حيث كانت العائلة تحاول، رغم القصف والمجاعة، أن تحافظ على لحظات من الدفء والفرح عبر لعب الأطفال، وضحكاتهم، وتحضير الطعام معًا، وصلوات الجماعة، وكل مشهد كان جزءًا من حياة انتهت في لحظة واحدة.

إبادة 150 فردًا بلا ذنب

اليوم، وبعد مرور عام على المجزرة، لا زالت غصة الفقد تكوي قلب آية ووالدتها والناجين. معظم الشهداء لم تُنتشل جثثهم، ولم يُدفنوا، وظلّت آية تصر على أن يصل صوتها إلى العالم لتروي "قصة إبادة 150 فردًا بلا ذنب".

ولدت فكرة كتابها على شاشة هاتفها، عندما لم يكن لديها أدوات للكتابة، واستمرت في تدوين الألم والذكريات لمدة تسعة أشهر حتى خرج الكتاب بعنوان: "نجا من مات ومات من نجا"، وهو اسم كتبته أصابع الشهداء على جدار آخر لحظة في حياتهم.

آية، حاملة بكالوريوس العلوم المالية والاقتصاد من جامعة القدس المفتوحة، تعيش الآن في غزة داخل خيمة مع أبنائها وأبناء أقاربها الناجين، وتجرب في كل يوم صعوبات الحياة في ظل الحرب من ضيق المساحة، وقسوة الطقس، وقلة الطعام والماء، ومع كل ذلك، يبقى قلبها متعلّقًا بمكانها، بموطنها، بذكريات بيت جدها، وبأرواح من فقدتهم، متمنية أن تعود الحياة إلى ركام الشمال مرة أخرى.

الحرب في غزة ليست مجرد صراعٍ عسكري، بل مأساة إنسانية تتكرر فصولها كل يوم، تقتلع الناس من بيوتهم، وتحوّل مدنهم إلى ركامٍ يختنق بالغبار والدموع، لم يعد في غزة مكان آمن، فالأمهات يدفنّ أبناءهن بأيدي مرتجفة، والأطفال ينامون على أصوات القصف بدل التهاليل، والناجون يعيشون في خيام لا تقي برد الشتاء ولا حرّ الصيف، في حين يطاردهم الخوف والجوع والحنين إلى بيوتٍ كانت ذات يوم عامرة بالحياة.

تداعيات الحرب تجاوزت الدمار المادي إلى جراحٍ نفسية لا تُرى، لكنها تسكن الوجوه وتُطفئ البريق في العيون، آلاف العائلات فقدت أحبتها، وأجيال بأكملها تكبر على أصوات الانفجارات بدل الأمل، وفي غزة، تتداخل المأساة مع الصمود، فبين الركام تولد الحكايات، وبين الدموع تنبض الإرادة، لتبقى غزة -رغم كل شيء- شاهدةً على قسوة العالم، ودليلًا حيًا على أن الإنسانية ما زالت تُختبر هناك كل يوم.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية