بعد رفع بدل العودة الطوعية.. السويد تواجه خطر هجرة الكفاءات
بعد رفع بدل العودة الطوعية.. السويد تواجه خطر هجرة الكفاءات
حذر مكتب العمل السويدي من احتمال فقدان كفاءات بشرية مهمة في سوق العمل نتيجة التعديلات المقررة على برنامج العودة الطوعية إلى الوطن، المقرر تطبيقها مطلع العام المقبل.
وقالت رئيسة وحدة مبادرات سوق العمل، تيريز ليندستروم، إن الزيادة الكبيرة في منحة العودة قد تصبح جذابة أيضاً للأشخاص الذين نجحوا بالفعل في الاندماج في المجتمع والسوق المهنية السويدية.
وأوضحت أن التأثير قد يكون سلبياً في توافر الكفاءات الضرورية في المستقبل، خصوصاً بين المولودين خارج السويد والذين يمتلكون مهارات مطلوبة.
وأشار التقرير الصادر عن مكتب العمل وفق ما أوردته شبكة "الكومبس" اليوم الاثنين، إلى أن حجم المخاطر المرتبطة بالقرار لا يمكن تقديره بدقة حالياً، إلا أن هناك احتمالاً بأن تشجع المنحة الأشخاص ذوي المؤهلات العالية على العودة إلى بلدانهم الأصلية، خصوصاً أولئك الذين لديهم فرص مهنية جيدة في أماكن أخرى، ما قد يؤدي إلى نقص في الخبرات المتخصصة في قطاعات حيوية مثل التكنولوجيا والهندسة والطب والخدمات الاجتماعية.
رفع بدل العودة الطوعية
قررت الحكومة السويدية رفع بدل العودة الطوعية بشكل كبير بدءاً من يناير 2026، ليصبح 350 ألف كرون لكل شخص بالغ، و25 ألف كرون للقاصرين، مع حد أقصى للأسرة يبلغ 600 ألف كرون.
وتشير المقارنة مع الدعم السابق إلى زيادة ضخمة، إذ كان البدل السابق يبلغ 10 آلاف كرون للبالغين و5 آلاف للقاصرين وبحد أقصى 40 ألف كرون لكل عائلة، ما يمثل قفزة تقارب 35 ضعفاً، الهدف المعلن من هذا القرار هو تشجيع الأشخاص الذين حصلوا على حق اللجوء أو الحماية البديلة على العودة إلى بلدانهم الأصلية.
تثير هذه الزيادة مخاوف كبيرة في أوساط الجهات العاملة على سوق العمل في السويد، إذ يعتقد الخبراء أن البدلات المرتفعة قد تحفز البعض على اتخاذ قرار العودة رغم استقرارهم واندماجهم الواضح، ما قد يؤدي إلى فقدان مهارات نادرة ومؤهلة، ويؤثر في توازن القوى العاملة في القطاعات الحيوية ويزيد من فجوات التوظيف والابتكار.
وفي المقابل، قلل وزير الهجرة، يوحان فوشيل، من خطورة هذه التحذيرات، مؤكداً أن التجارب في دول أوروبية أخرى مثل الدنمارك أظهرت أن معظم المستفيدين من برامج العودة الطوعية هم أشخاص يعيشون على هامش المجتمع أو خارج سوق العمل، وليسوا مندمجين أو موظفين مستقرين، وأوضح الوزير أن احتمال مغادرة الأشخاص العاملين والمندمجين بشكل كامل ضئيل، مشيراً إلى أن الخطر الحقيقي يكمن في عدم معالجة مشكلات الاندماج القائمة في السويد، وليس في تشجيع العودة الطوعية نفسها.
تداعيات اجتماعية وإنسانية
تشير تحليلات خبراء العمل والهجرة إلى أن رفع بدل العودة الطوعية بهذه النسب الكبيرة قد يؤدي إلى آثار إنسانية واسعة النطاق، ومنها تفكك أسرية محتملة، حيث يواجه بعض أفراد الأسرة قراراً بين البقاء في السويد أو الاستفادة من الدعم المالي للعودة الجماعية، كما قد يتسبب البرنامج في هجرة متعمدة للأشخاص ذوي المهارات والخبرات، ما يضع ضغوطاً إضافية على المؤسسات التعليمية والصحية والخدمات الاجتماعية، ويؤثر في جودة الخدمات المقدمة للمجتمع السويدي.
ويؤكد خبراء سوق العمل أن التأثير قد يكون حاداً على القطاعات التي تعتمد على الكفاءات الأجنبية المتخصصة، إذ تشكل نسبة كبيرة من المهندسين والأطباء والمتخصصين التقنيين المهاجرين جزءاً أساسياً من القوى العاملة، ما يعني أن أي مغادرة جماعية قد تخلق نقصاً في المهارات يصعب تعويضه على المدى القصير والمتوسط.
تعد السويد من الدول الأوروبية التي شهدت موجات هجرة كبيرة خلال العقدين الأخيرين، خصوصاً منذ أزمات اللجوء في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان. وقد استطاعت الدولة السويدية، عبر برامج الاندماج المتنوعة، دمج عدد كبير من اللاجئين في سوق العمل والمجتمع المدني، ما انعكس إيجابياً على الاقتصاد وأسهم في سد فجوات في سوق العمل المتخصص.
وتشير بيانات حكومية حديثة إلى أن حوالي 20% من القوى العاملة السويدية تتكون من مهاجرين، منهم نحو نصف مليون شخص يشغلون وظائف متخصصة تتطلب مهارات عالية، ويأتي قرار رفع بدل العودة الطوعية في سياق سياسي داخلي يسعى لتخفيف الضغوط على الموارد العامة، لكن تأثيره على سوق العمل قد يكون طويل الأمد، خصوصاً إذا شجعت الحوافز المالية المغادرة الطوعية للكفاءات المندمجة.
ردود المنظمات الدولية
أبدت منظمات حقوق الإنسان والجهات الدولية قلقها من تأثير سياسات العودة الطوعية في الكفاءات المندمجة، إذ حذرت منظمة العمل الدولية من أن أي برنامج محفز للعودة يجب أن يوازن بين الحوافز المالية وحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمستفيدين والمجتمع المضيف، كما شددت منظمة الأمم المتحدة للهجرة على ضرورة مراعاة الأبعاد الإنسانية، بما يشمل توفير استشارات مهنية ودعم نفسي للمهاجرين قبل اتخاذ قرار العودة.
كما أصدرت المنظمات الحقوقية المحلية في السويد بيانات أكدت أهمية عدم تشجيع مغادرة الأشخاص ذوي الخبرات العالية من المجتمع، وحثت الحكومة على تبني سياسات تراعي حماية حقوق المهاجرين، وتوفير آليات لضمان استمرار مساهمتهم في الاقتصاد والمجتمع السويدي، سواء عبر برامج تطوير المهارات أو فرص العودة الجزئية والتدريب المستمر.
من الناحية القانونية، يجب أن تراعي السويد التزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان، ومنها حقوق العمال المهاجرين واللاجئين، وفق اتفاقيات منظمة العمل الدولية واتفاقية حقوق الطفل والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق اللاجئين، ويشير الخبراء إلى أن أي برنامج للعودة الطوعية يجب أن يكون طوعياً بالكامل، مع تقديم معلومات دقيقة عن الآثار الاقتصادية والاجتماعية، وضمان عدم إجبار أي فرد على العودة.
تحليلات مستقبلية
يرى محللون أن رفع بدل العودة الطوعية إلى هذا الحد يمثل تجربة جديدة في سياسة الهجرة السويدية، وقد تكون مؤشرًا على توجهات مماثلة في دول أوروبية أخرى، ومن المتوقع أن يشجع البرنامج على عودة بعض الفئات غير المندمجة، لكنه قد يؤدي أيضاً إلى فقدان كفاءات مهمة، خصوصاً في المجالات التي تحتاج إلى مهارات متقدمة، ويشدد الخبراء على أهمية متابعة النتائج بصرامة، وتقديم حلول لتخفيف الآثار السلبية في سوق العمل، ومنها استراتيجيات لتعزيز الاحتفاظ بالكفاءات، وتشجيع التدريب المهني المستمر، وربط برامج العودة بخطط التنمية الاقتصادية في المجتمعات الأصلية.
يشكل رفع بدل العودة الطوعية في السويد خطوة محفوفة بالمخاطر على سوق العمل والكفاءات البشرية، مع تداعيات إنسانية واجتماعية ملموسة على الأسر والمجتمع، وتبرز الأزمة تحدياً مزدوجاً للحكومة السويدية: ضرورة تحقيق التوازن بين تحفيز العودة الطوعية وحماية الكفاءات المندمجة، مع ضمان التزاماتها الدولية تجاه حقوق اللاجئين والمهاجرين، ويعد استدامة السوق المهنية السويدية والحفاظ على مهارات العمال المهاجرين من أبرز التحديات التي تواجه السياسة الجديدة، ما يستدعي متابعة دقيقة وإجراءات مضادة لتخفيف أي تأثير محتمل في الاقتصاد والمجتمع.










