خبراء: تركيا لن تنقذ العالم في وساطتها بين الدب الروسي وأوكرانيا
خبراء: تركيا لن تنقذ العالم في وساطتها بين الدب الروسي وأوكرانيا
نجحت تركيا في انتزاع دور الوساطة لوقف الحرب الروسية الأوكرانية، متفوّقة على العديد من الدول الراغبة في أداء هذه المهمة، بعد سلسلة من الاتصالات والتصريحات ومحاولات حثيثة عدة، وتعتبر تركيا اليوم الأكثر إلحاحًا ولفتا لانتباه الاهتمام الدولي لجهة تداعيات الحرب المقلقة على اقتصادات قوى عالمية عظمى، ونتائجها الكارثية على الدول الفقيرة.
والسؤال هنا هل تفعلها تركيا وتوقف الحرب واضعة حدًا لمجاعة ينتظرها العالم؟
بداية تحدّث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين في محاولة لنقل دور الوساطة إلى المستوى الثاني، حيث لقاء قادة الدولتين المتحاربتين، بعد استضافة بلاده وزيري خارجية روسيا وأوكرانيا بلقاءين متتاليين في كل من أنطاليا وإسطنبول، وسط تأكيدات عدة على عقد لقاء ثالث قريب بينهما خلال أقل من أسبوعين.
وفي تصريحات له أكد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن بلاده يمكنها أن تعيد تصدير الحبوب مثل القمح والشوفان والشعير من البحر الأسود للدول التي تحتاج لتلك الشحنات بعد محادثات تجرى مع روسيا وأوكرانيا.
وأوضح أردوغان أنه سيناقش الأمر مع الدولتين في الأيام القليلة المقبلة، وأن مكتبه يعمل مع كييف وموسكو لترتيب مكالمات مع نظيريه هناك، مشيرا إلى أن 20 سفينة تركية جاهزة للمشاركة في الشحنات المحتملة.
وتابع قائلا: "بعد إجراء محادثات مع زعيمي أوكرانيا وروسيا يمكننا أن نرسل القمح والشعير والشوفان وزيت دوار الشمس وكل الشحنات للدول التي تحتاجها من خلال تنفيذ إعادة للتصدير من خلالنا".
وأشار أردوغان إلى أن المخزونات التركية من الحبوب "في وضع جيد" حتى الآن، وفق ما نقلت "رويترز".
وتعد أوكرانيا واحدة من أكبر الدول المصدرة للقمح في العالم، لكن الشحنات توقفت بسبب العملية العسكرية الروسية، مما تسبب في نقص عالمي في الغذاء.
وناشدت الأمم المتحدة الطرفين وجارتهما بحريا تركيا على الموافقة على فتح ممر آمن لعبور تلك الشحنات.
وأبحرت أول سفينة محملة بسبعة آلاف طن من الحبوب من مرفأ برديانسك الأوكراني الذي تسيطر عليه القوات الروسية، يوم الخميس، بعد توقف دام عدة أشهر.
ولكن ورغم وجود علاقات تاريخية بين طرفي النزاع وتركيا إلا أن قدرة تركيا على إنهاء الحرب تفوق قدرتها وفقًا لخبراء استطلعت آراءهم "جسور بوست".
تاريخ من الارتباط
التاريخ بين تركيا وأوكرانيا قديم، فقد كانت القرم جزءا من الإمبراطورية العثمانية حتى نهاية القرن الثامن عشر، ويعيش حوالي 5 ملايين من تتار القرم المسلمين في تركيا حالياً، وتمول تركيا مشروع بناء مساكن في العاصمة كييف لتتار القرم الذين غادروا شبه جزيرة القرم بعد الضم الروسي في عام 2014 وانتقلوا إلى البر الأوكراني.
منذ عام 2017، تمكن مواطنو كلا البلدين من السفر إلى البلد الآخر بدون تأشيرة عن طريق بطاقة الهوية الخاصة بهم، فيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية على وجه الخصوص، فتحت أنقرة وكييف فصلًا آخر في علاقتهما قبل وقت قصير من الغزو الروسي.
مصالح مشتركة
لم يتبنَ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان الخطاب الروسي عن "العمليات الخاصة"، لكنه عبر بشكل متكرر عن إدانته الغزو الروسي لأوكرانيا، ووصفه بأنه "حرب".
وأمر أردوغان بإغلاق جزئي للمضائق التركية البحرية "البوسفور والدردنيل" أمام السفن الحربية الروسية ورفض اعتراف موسكو باستقلال بجمهوريتي "دونيتسك ولوهانسك الشعبيتين".
ليس أمام الحكومة في أنقرة، خيار سوى الاعتماد على حل دبلوماسي للصراع، فهي تعتمد بشكل كبير على موسكو.
إذ يبلغ حجم تجارة تركيا مع روسيا حوالي 6 أضعاف حجم التجارة مع أوكرانيا، وتحصل تركيا على أكثر من ثلث احتياجاتها من الغاز الطبيعي من روسيا، وتقوم شركة روساتوم الروسية المملوكة للدولة ببناء أول محطة للطاقة النووية التركية، وبالنسبة لشركات المقاولات التركية، تعد روسيا أهم سوق خارجي ويشكل السياح الروس أكبر مجموعة من الزوار في تركيا.
بالإضافة إلى ذلك، تربط تركيا وروسيا علاقات وثيقة من خلال العديد من النزاعات الإقليمية، والدوريات العسكرية المشتركة في سوريا ومركز مراقبة وقف إطلاق النار المشترك في أعقاب الحرب الأرمنية الأذربيجانية حول ناغورني كاراباخ هما مثالان فقط.
ليست قادرة على إنهاء الحرب
قال وكيل جهاز المخابرات الأسبق وعضو المجلس القومي لمكافحة الإرهاب، اللواء فؤاد علام: "إن المجاعة التي يتحدث عنها الكثيرون محتملة الوقوع، وهناك كثير من الأشياء التي سيكون من الصعب الحصول عليها من بينها المواد الغذائية، وتكمن الخطورة في أن روسيا وأوكرانيا أكبر مصدرتين للمواد الغذائية خاصة القمح، وعليه احتمالات وجود قصور دولي في القمح لكل دول العالم، ويبدو أن الحرب ستطول لتصور أمريكا أنها بذلك تستنزف روسيا وتقضي على اقتصادها، وهذا ستترتب عليه أزمات لدول منطقة الشرق الأوسط وبعض الدول الأخرى".
وعن قدرة تركيا على وقف الحرب وإعادة تصدير الحبوب الروسية الأوكرانية قال: "أردوغان معروف بانتهازيته وما أعلنه هو مجرد محاولة استغلال للظروف بحكم موقعه من أوكرانيا وروسيا، يتصور أنه يستطيع لكنه غير قادر على إنهاء الحرب، تركيا دولة فاشلة والعالم ينظر إليها على أنها انتهازية، ولن يصدقها العالم، وبالفعل الواقع يقول إنهم لم يستطيعوا أخذ الحبوب وإعادة تصديرها".
تركيها وحدها غير قادرة على الحل
قال أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر ورئيس وحدة الأبحاث العلمية بالمركز الدولي للاستشارات الاقتصادية، صلاح الدين فهمي: "إن أطراف النزاع كبيرة، وأردوغان بمفرده غير قادر على حل الأزمة، لكن له دورا في الشرق الأوسط بقيادة بايدن، حيث يظهر نواياه الحسنة، فهناك تقارب على مستوى دولي ومنها مصر بينها وبين دولة قطر.
وأشار إلى أن أردوغان الذي يمثل حجر زاوية في السياسة شرق الأوسطية، لكن لا أحد يستطيع حل الأزمة وإنهاء الحرب سوى بجلوس طرفي النزاع على طاولة واحدة، لأن الفجوة كبيرة فبالفعل دخول أوكرانيا حلف الناتو يمثل خطورة على حدود روسيا، ولذلك تعتبر روسيا نفسها في حالة دفاع عن النفس، رغم أن آخرين يرون أن روسيا معتدية، ما يفعله أردوغان هو إمكانية تقريب وجهات النظر، وتذكيره بالمجاعة القادمة وتعرض دول وملايين من البشر للخطر، ورغم فشل المنظمات الدولية في مساعيها إلا أنه قد يكون لأردوغان قبول لدى الجانب الروسي".