الخبير اللبناني عماد رزق لـ«جسور بوست»: التدهور الاقتصادي دفع بيروت لمواجهة لحظة الانفجار (2-2)
الخبير اللبناني عماد رزق لـ«جسور بوست»: التدهور الاقتصادي دفع بيروت لمواجهة لحظة الانفجار (2-2)
لم يكن انفجار مرفأ العاصمة اللبنانية بيروت سوى صرخة غضب جراء استشراء الفساد وتوزيع المغانم عبر معادلة طائفية، بعد حرب أهلية بائسة استمرت 15 عاما، وفق مراقبين.
وبجانب الانفجار الكارثي لمرفأ العاصمة يعاني لبنان تدهورا اقتصاديا وركودا في مختلف القطاعات، خلف أزمات متتالية لشح الوقود والخبز والأدوية وغيرها من السلع الاستراتيجية في عموم البلاد.
ولا تزال التحقيقات في انفجار المرفأ متجمدة منذ ديسمبر 2021، على وقع التدخلات السياسية والحصانات الممنوحة لوزراء سابقين ونواب حاليين، واعتراض قوى سياسية نافذة على قاضي التحقيقات طارق بيطار، ما أثار غضبة الشارع اللبناني الطامح إلى استجلاء الحقيقة.
ومؤخرا، شهدت بيروت انهيار أجزاء من "صوامع القمح" بالمرفأ بالتزامن مع الذكرى الثانية للانفجار الكارثي، رغم المطالب المحلية بتحويل المبنى إلى معلم تاريخي أو الحفاظ عليه حتى يتم الانتهاء من التحقيقات.
وتشكل صوامع القمح في مرفأ بيروت المخزن الاحتياطي الاستراتيجي للأمن الغذائي في لبنان، إذ تضم 48 مخزنا لحفظ نحو 120 ألف طن من الحبوب، ما يؤمن نحو 85 بالمئة من المخزون الاستراتيجي للحبوب في البلاد.
ويصنف انفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020 بأنه رابع أقوى انفجار بالعالم، وأشبه بالقصف الذري على "هيروشيما وناجازاكي"، إذ أسفر في حينها عن أكثر من 220 قتيلا و7 آلاف جريح، إضافة إلى أضرار مادية هائلة طالت أجزاء واسعة من العاصمة اللبنانية.
وبحسب تقديرات رسمية، فإن الانفجار وقع في العنبر رقم 12، الذي كان يحوي نحو 2750 طنا من مادة "نترات الأمونيوم" شديدة الانفجار، كانت مصادرة من إحدى السفن ومخزنة منذ عام 2014.
في الجزء الثاني من حوار «جسور بوست» مع مدير الاستشارية للدراسات والتواصل الاستراتيجي في لبنان، والأكاديمي المختص في العلاقات الدولية وإدارة الأزمات الدكتور عماد رزق، تحدث عن الأسباب وراء تعثر تحقيقات انفجار المرفأ وتفحل الأزمة الاقتصادية في البلد العربي.
ما الأسباب وراء تعثر التحقيقات في حادث انفجار مرفأ بيروت؟
في الواقع التحقيقات المحلية تفتقد الشفافية والإنجازية، إذ كان هناك شبه منع لصدور أي لوائح اتهام حقيقية للمشتبه بهم، فضلا عن رفض أطراف سياسية التعاون مع المحققين في القضية.
ومع تجميد التحقيقات في الانفجار الكبير منذ ديسمبر 2021، يرى اللبنانيون أن هناك شبهة إفلات من العقاب وعدم المساءلة عن الفساد وسوء الإدارة والأمور المتعلقة بخلفيات دخول الباخرة التي تسببت في الانفجار، إلى جانب الثغرات القانونية المتعلقة بالشركة المُشغلة للمرفأ منذ عام 1925، والتي لا تزال هناك علامات استفهام بشأن الكشف عن المسؤول عنها وحجم استثماراتها والجهة التي تراقب أعمالها ومواردها.
السلطات اللبنانية طلبت رسميا من عدة دول تمتلك أقمارا صناعية فوق بيروت، أبرزها روسيا وفرنسا والولايات المتحدة وإيطاليا، تزويدها بما تمتلكه من صور لموقع انفجار المرفأ، إلى جانب طلب المساعدة من الأجهزة الأمنية الدولية، لكنها لم تعلن الحصول على صور أو معلومات عبر الأطر القانونية والرسمية حتى هذه اللحظة.
برأيك لماذا لم يلقَ نداء لبنان استجابة من هذه الدول الأجنبية؟
ربما دليل إضافي يؤكد أن هذا الانفجار لا يستهدف المرفأ بقدر ما يستهدف لبنان كدولة، والذي يحلل مسار الأحداث القاسية والتدهور الاقتصادي الكارثي منذ انطلاق الحركة الاحتجاجية الشعبية في 17 أكتوبر 2019 يعرف جيدا أن لبنان كان حتما سيصل إلى لحظة الانفجار في 4 أغسطس 2020.
وهناك خلافات عنيفة على مستوى الدولة العميقة منذ اندلاع الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990، بين مجموعة ساسة يتحكمون في مقدرات وموارد البلاد، فالأزمة الاقتصادية وتضخم الركود والانهيار المالي والاقتصادي يعود السبب الرئيسي فيه إلى سوء الإدارة والهدر المالي والسياسات المالية التي اعتُمدت منذ أكثر من 40 عاما تحت عنوان "الفساد".
على سبيل المثال، فإن مرفأ بيروت كان يساهم بمليارات في منظومة الفساد والتهرب الضريبي، والانفجار كشف عن الفاسد الناخر على مستوى اختيار وتصنيف وتقييم البضائع والتسعير وتداخل الإدارات، إذ تقع الصوامع تحت مسؤولية مدير عام الحبوب والشمندر السكري بوزارة الاقتصاد، بينما تسند الإدارة الفعلية للمرفأ إلى وزارة الأشغال، في الوقت الذي تسند فيه الإدارة على الورق إلى مؤسسة منتهية الصلاحية منذ أكثر من 30 عاما وهي هيئة إدارة واستثمار مرفأ بيروت.
هل ساهم هذا التضارب في المسؤوليات في وقوع الانفجار الكارثي؟
ساهم بالتأكيد؛ نظرا لعدم إمكانية حصر مسؤوليات تداخل وتشابك الوزارات المعنية، والذي أدى بدوره إلى مزيد من تحكم الدولة العميقة وتفشي الفساد، وعلى سبيل المثال يأتي انهيار صوامع القمح التي كانت تؤمن نحو 85 بالمئة من احتياجات البلاد من الحبوب، ليحل محلها المطاحن والأفران التي باتت تتولى استيراد وتخزين الحبوب ومن ثم التحكم في الأمن الغذائي بلبنان، ما أدى إلى أزمة طوابير الخبز التي تتفاقم يوما بعد يوم في البلاد.
وانطلاقا من هذه المعطيات يمكننا القول بأن المتحكم في الأمن الغذائي يستطيع بسهولة مع الوقت السيطرة على الدولة اللبنانية وفرض إرادته على الإدارة اللبنانية والقرار الحكومي.
برأيك كيف سيتخلص لبنان من هذا الإرث التاريخي المعيب؟
الأزمة تفحلت منذ إبرام اتفاق الطائف أواخر عام 1989 والذي جرى خلاله توزيع مغانم وإدارة الدولة اللبنانية عبر معادلة طائفية بعد حرب أهلية بائسة استمرت 15 عاما، كما يعد الانهيار الاقتصادي الذي تشهده البلاد جزءا من التفكك الإداري والتشريعي منذ الانتداب الفرنسي على لبنان وصولا إلى الاستقلال (1920-1943)، والأحداث الأخيرة أثبتت أن الجانب الفرنسي لا يزال يملك الكثير من دخول وخروج الأموال.
الانفجار الكارثي الذي وقع في بيروت منذ عامين قد يكون محفزا لإعادة بناء لبنان الجديد على أسس غير طائفية، لتكون بيروت دولة نفطية ومنتجة للغاز على ضفاف المتوسط وشريكة لدول الجوار وجسراً بين الشرق والغرب.