«مهندس الفقراء».. حسن فتحي أفضل معماري في القرن العشرين

«مهندس الفقراء».. حسن فتحي أفضل معماري في القرن العشرين

كتبت: هبة عادل

 

استطاع برغم انتقادات المعاصرين له تأسيس مدرسة فريدة في العمارة

 

أطلق عليه لقب «معلم البناء» وأعاده الرئيس عبدالناصر لبناء قرية باريس

 

من أهم أقواله إنه يجب الأخذ في الاعتبار الإنسان الذي نخطط من أجله

 

كان حسن فتحي مختلفاً عن أبناء جيله، فقد حلم بالعمارة من أجل الفقراء، وجاءت تجاربه في قريتي “القرنة” بمحافظة الأقصر و”باريس” بمحافظة الفيوم، والعديد من المشروعات المعمارية في مصر وخارجها لتجسد حقيقة ما كان يضمره من خير للبسطاء.

 

 

ورغم تعرضه لهجوم وانتقادات عنيفة من العديد المعماريين المعاصرين له، إلّا أنه أصبح صاحب مدرسة معمارية متميزة، وكان تلاميذه من الشباب بالآلاف يقصدونه دوما ليتعلموا منه وينهلوا من أفكاره.

 

 

قال عنه مؤسس مركز طارق للعمارة والتراث، د. طارق والي: أثناء دراستي بكلية الهندسة جامعة القاهرة تعرفت إليه من خلال كتاب “عمارة الفقراء” وظللت أهتم بما قدمه في العمارة، وأدركت من هو حسن فتحي وشغفت به جدا، وقررت أن يكون مشروع التخرج الخاص بي عن عمارته، لكن رئيس القسم في تلك الفترة رفض المشروع بشدة، لأنه كان صاحب فكر مضاد لرؤى حسن فتحي، وبعد ذلك الموقف ذهبت لحسن فتحي وتتلمذت على يديه، وأخذت عنه الكثير.

 

 

 

 

ولد حسن فتحي في 23 مارس عام 1900 بالإسكندرية لأسرة ثرية، حيث كان والده من صعيد مصر ووالدته تركية الأصل، وكان حسن الابن الأصغر في الأسرة، حيث بدأ دراسته في المدارس البريطانية بالقاهرة ثم انتقل مع عائلته للسكن في منطقة حلوان، وكان شقيقه الأكبر “محمد” قد ترك السلك القضائي لعشقه الموسيقى العربية، وشقيقه الثاني “عبدالحميد” الذي كان يعمل تاجراً، والثالث “علي” الذي التحق بكلية الهندسة ثم أصبح عميداً لكلية هندسة الإسكندرية.

 

 

ودرس حسن فتحي في البداية بكلية الزراعة لكي يصبح مهندساً زراعياً لتأثره بحال الفلاحين عند زيارته للريف مع والدته، لكنه تركها عند تقدمه لامتحان القبول، بعدما عجز عن الإجابة على سؤال الاختبار.

 

 

تزوج المهندس حسن فتحي بالسيدة عزيزة حسنين شقيقة الرحالة المصري أحمد حسنين باشا، ولكنه انفصل عنها ولم يتزوج مرة أخرى ولم ينجب ابناً، وبالرغم من ذلك لم يكن يشعر بالوحدة مطلقاً فقد كان منزله مفتوحا للجميع.

 

 

من الزمن الجميل

كان حسن فتحي شخصاً أرستقراطيا لكنه ليس غنياً، وهو شخصية صعبة ومركبة -بحسب د. طارق والي- ولكنه صاحب إنسانية عالية ومزاج متقلب كمعظم الفنانين والمبدعين، حيث لم يكن مجاملا وكان صريحا إلى أبعد الحدود.

 

مدرسة خاصة

أثناء وجود المهندس حسن فتحي باليونان وعمله كخبير في مؤسسة «دوكسيادس» للتصميم والإنشاء بأثينا، وعمله كمحاضر بمعهد أثينا للتكنولوجيا، شارك في بحث عن مدينة المستقبل من الفترة 1959 إلى 1961 وعلم  أن وزارة الآثار قررت أن تمنح الفنانين فرصة الحصول على الإيجار في “بيت الفنانين” بمنطقة درب اللبانة بالقلعة، حصل على  الطابق الأخير من المنزل، لكنه قام ببناء منزل خاص به في الأقصر وآخر بالإسكندرية ولم يُقم بهما إلا قليلا.

 

 

من أبرز أعماله قصر “ألفا بيانكا” في عام 1979م الذي يقع بجزيرة مايوركا على الساحل الشرقي الإسباني على مساحة 50 فدانا للفنانين يانيك فو وبن جاكوبر، وهو من النماذج الفريدة، ويتميز بالطراز الأندلسي.

 

 

عاد من الخارج عندما طلب منه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر تنفيذ مشروع قرية باريس والتي استطاع فيها الوصول لخفض هائل لدرجة الحرارة يصل إلى (15 درجة مئوية فرق الحرارة بين داخل الفراغ وخارجه)، باستخدام أساليب التهوية الطبيعية لمبنى السوق وتم بناؤه بالطوب الرملي.

 

 

تلاميذه ومريدوه

لم يكن لحسن فتحي تلاميذ بالشكل المعروف، ولكن كانت لديه مدرسة وفكر خاص في العمارة، وكان من يرغب في الانتماء إلى تلك المدرسة، يذهب إليه ويتعلم منه، وكان من بين المترددين عليه المهندس محمود نسيم وحسن الرداد ورامي الدهان وفريد شكري وشفيق نصر وأحمد حامد، ومن الأشخاص الذين منحهم لقب تلميذ كان المهندس عبدالواحد الوكيل، الذي سار على دربه واستطاع في ما بعد أن يحصل على جائزة مركز “أغاخان”.

 

 

وقال د. والي، إن عمل حسن فتحي مدرساً في مدرسة طلخا الابتدائية بريف مصر في مقتبل العمر، هو ما دفعه للاهتمام بالعمارة الريفية التي أطلق عليها بعد ذلك عمارة الفقراء، فقد استطاع أن يلمس المعاناة الحقيقية للفلاح المصري.

 

 

في عام 1937 عرض له “معرض المنصورية” الأول الذي ضم عدداً من التصميمات لمنازل مبنية من الطين والقباب، وفي عام 1941 قام بعمل تصميم لمزرعة الجمعية الزراعية الملكية في بهتيم، والذي كان نقطة مهمة في مسار حسن فتحي وجعله يطور من تقنياته لإيجاد طرق حديثة لبناء القباب والقبوات التي رسمها.

 

 

قرية القرنة

خصصت الدولة 50 فداناً من الأراضي بجوار النيل كموقع للقرية الجديدة والتي كانت من المقرر أن تتسع لسبعة آلاف نسمة من السكان، وقامت الحكومة في ذلك الوقت بتمويل المشروع بمبلغ مليون جنيه.

 

 

وبالفعل وضع تصميم المشروع عام 1946 وشعر أن جزءاً من أحلامه قد تحقق، ولكن القرية القديمة كانت تنقسم إلى 5 قبائل تعيش داخل 4 مناطق مميزة على منحدر التل وتنقسم كل قبيلة إلى مجموعة عائلات ولكل منها ما يسمى بشيخ القبيلة.

 

لذا حافظ على هذا التقسيم الرباعي في القرية الجديدة وكل حي من هذه الأحياء يتم فيه إسكان كل مجموعة قبلية، وتم الفصل بين الشوارع العريضة وبين طرق المرور الرئيسية التي تصل إلى كل المباني العامة ثم تلتقي بميدان.

 

 

مسرح القرنة

بنى حسن فتحي في بنائه مسرحاً لقرية القرنة، على الرغم من اعترافه بأن القرية المصرية لم تشهد له مثيلاً من قبل ومع ذلك امتد خياله لإنشاء هذا المسرح، وأقيمت عليه العروض الريفية تحت أضواء الشعلات النارية.

 

وساهم إتقان حسن فتحي للغتين الفرنسية والإنجليزية في جذب العديد من أفراد الطبقات المثقفة المصرية والأجنبية ومنها بدأت تتوافد الوفود السياحية على القرية.

 

من أهم أقواله

ومن أهم ما قاله حسن فتحي إنه يجب الأخذ في الاعتبار الإنسان الذي نخطط له وكان يدعو إلى تخيل الإنسان وهو يمشى في تلك الشوارع ويعيش في هذه المنازل، وأن يتحدث المهندس إلى مشاعره مستخدما كل أشكال التخطيط التي تخلق انطباعات قوية وتغييرات في الحالة النفسية.

 

وصية حسن فتحي

قال عنه الكاتب جيمس ستيل صاحب كتاب “الأعمال الكاملة”، إن أعمال حسن فتحي تعكس ازدواجية معقدة من التأثيرات الشرقية والغربية ومن التناقض بينهما، فقد استاء من الأوروبيين باعتبارهم جزءاً من الميراث الاستعماري الذي هدد شخصية مصر.

 

 

وفى كتابه «كتاب المعماريين العرب» ذكر أستاذ التخطيط العمراني د.عبدالباقي إبراهيم، أن حسن فتحي أوصاه قبل رحيله بحمل رسالته الإنسانية من بعده في إسكان الفقراء، وكان لذلك  أثر  كبير على حياة عبدالباقي التي كرسها لاكتشاف مواطن القوة والجمال في تخطيط المدينة الإسلامية.

 

وفاته

توفي حسن فتحي عن عمر ناهز الـ89 عاماً بعد أن حصل على لقب أفضل معماري في القرن العشرين وبعد أن شغل حياته بهموم الفقراء وبنى لهم قصوراً من طين.

 

 

وبعد رحيله قرر الورثة أن يمنحوا الجامعة الأمريكية جميع مقتنياته من الرسومات المعمارية وتصميمات وآلة الكمان التي كان يحب العزف عليها فأخذوا كل ما تركه.

 




ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية