خبير بمنظمة الفاو: التغيرات المناخية أثرت على الزراعة وأدت لارتفاع الأسعار عالمياً

خبير بمنظمة الفاو: التغيرات المناخية أثرت على الزراعة وأدت لارتفاع الأسعار عالمياً
الدكتور نادر نور الدين

أكد أستاذ الزراعة بجامعة القاهرة والخبير بمنظمة الفاو، الدكتور نادر نور الدين، أن تداعيات التغيرات المناخية من الجفاف أو الفيضانات وغيرها إلى جانب تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية أثرت على قطاع الزراعة بشكل بالغ، وأدت لارتفاع أسعار المنتجات والمحاصيل الزراعية عالميا.

وضرب الخبير بمنظمة الفاو مثالا حول الذرة، قائلا إنها تعد المكون الرئيسي لصناعة الأعلاف والتسمين للحوم البيضاء والحمراء، حيث تمثل نسبة 70 - 75%، فيما يُمثل فول الصويا 25%، وهي محاصيل صيفية ودائمًا ما تتعرض إلى نوبات جفاف مما يؤثر على ارتفاع الأسعار.

وفي تصريحات خاصة لـ"جسور بوست"، قال أستاذ الزراعة: على مدى 5 سنوات ماضية ضرب الجفاف الولايات الشمالية الأمريكية والتي تعتمد على زراعة الذرة التي تروى بالأمطار بنسبة 90%، وهذه الطريقة سائدة في العالم بنسبة 83%، وعليه حينما يضرب الجفاف دولة كبرى مُصدرة للذرة الصفراء مثل أمريكا، فإن ذلك يؤثر على الأسعار العالمية.

وأضاف “نور الدين”، زاد الأمر تعقيدًا، مع اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية رغم اتفاقية تسيير حبوب من أوكرانيا وروسيا والتي ستنتهي الشهر القادم وقد تجدد أو لا تجدد،  وعليه فهناك صعوبات تواجه نقل الذرة من روسيا والمصدرة لها بنسبة 17% من تجارة العالم، وهذا إلى جانب نوبات الجفاف في أمريكا التي تزيد الأمر صعوبة.

أيضًا حدوث أزمات الفيضانات، وهي ما نسميها بالأزمات الجانحة أو المتطرفة المصاحبة لتغيرات المناخ، حيث يتزامن ضرب الجفاف لمنطقة ضرب السيول لمنطقة أخرى، مثل السيول التي ضربت باكستان وأغرقت ثلثها وأودت بالعديد من حيوات البشر، أو الأمطار التي تسقط في غير موعدها مثل الأمطار التي سقطت في أغسطس بالسعودية وقطر، أو الجفاف في ألمانيا والسيول في فرنسا.

وعن الجفاف أو ما أسماه بالقحط، قال الخبير بمنظمة الفاو، إن القحط إما أن يكون اختفاء للمياه فوق أو تحت سطح الأرض، يعني أنه لا مياه جوفية ولا أمطار، أو تتراجع تدفقات الأنهار بشكل مفاجئ أو تتراجع معدلات الأمطار عن معدلاتها الطبيعية، وهل المشكلة الحالية التي تضرب العالم بسبب التغيرات المناخية.

ارتفاع الأسعار

وعن تأثير الأزمة على الأسعار قال “نور الدين”، إن ذلك سينعكس على ارتفاع أسعار الأعلاف، يعقبه ارتفاع في أسعار البيض واللحوم البيضاء والحمراء، كذلك سيتأثر دخل المزارع الذي ربما احتاج إعانات بسبب انهيار المحاصيل.

وسيحدث ذلك نتيجة لفيضانات في الهند ونيجيريا وباكستان، والذي سيؤثر سلبًا على الإنتاج، ومع ارتفاع الطلب ترتفع الأسعار، وعليه ربما تجاوز سعر الذرة الصفراء سعر القمح في الأشهر القادمة إذا لم تنصلح الأحوال.

وتابع، الأمر ذاته ستعانيه محاصيل فول الصويا لنفس المشكلة ولنفس الأسباب، كذلك سيتسبب الحصار الروسي في تفاقم الأزمة، حيث تُصدر روسيا منه ما نسبة 24% من صادرات العالم المستخدمة في الأعلاف ومصنعات اللحوم.

ضرورة التوسع 

عن الحلول التي يمكن اتخاذها لمواجهة الأزمة، قال: تستطيع الدول العربية زراعة فول الصويا، خاصة "مصر، وموريتانيا، والمغرب، والعراق، ولبنان"، فمصر -على سبيل المثال- يزرع بها الأرز على مليون فدان والقطن على ربع مليون، وهناك مساحة 6 ملايين فدان مخصصة للمحاصيل الحقلية، نستطيع زراعة مليوني فدان منها للذرة الصفراء ومليوني فدان لفول الصويا، لتحقيق معدلات أمن غذائي عالٍ قد يقترب من الاكتفاء الذاتي، ومثل هذا نستطيع تطبيقه في العراق ولبنان والمغرب والسودان.

أيضًا تدبير موارد مائية سواء بترشيد الري الحالي باتباع الطرق الحديثة الموفرة للمياه، بحيث نزرع مساحات أكبر بنفس نسبة المياه، ولذا فإن بعض الولايات الأمريكية تدرس تحويل النظام لديها إلى الزراعة على الري بدلًا من الاعتماد على الأمطار، وقد يحصنها هذا قليلًا ضد تغيرات المناخ، وكذلك فعلت إثيوبيا لتتمكن من الزراعة طوال العام، ولذا تحويل نظم الري إلى مروي قد يؤمن احتياجات العالم الغذائية بشكل أكبر.

وربما يمكن اللجوء إلى الصوب الزراعية المكيفة، لكن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وعليه سترتفع الأسعار أكثر، وعلى الإنسان التأقلم.

خطورته على الأمن الغذائي العالمي

وعن تأثير ذلك على الأمن الغذائي العالمي قال أستاذ الزراعة، إن الغذاء أحد مكوناته الرئيسية هو إنتاج البروتين، والزراعة هي القطاع الوحيد المنتج للغذاء في العالم، وتنتج الأرض ما نسبته 95% من الغذاء في العالم، بينما القنص أو الصيد يوفر 5%، ولذا نبهت منظمة الأغذية والزراعة هذا الشهر على ضرورة حماية الترب الزراعية من التدهور والتصحر لتزويد الإنتاجية.

ويقترب العالم من تعداد 8 مليارات وفي 2050 سنتجاوز 9 مليارات نسمة، وحتى حينها يجب على العالم زيادة إنتاجه من الغذاء بنسبة 60% لمواكبة الزيادة السكانية والتطور الحضري، فكلما تحضر الإنسان أكثر كلما لجأ إلى تناول اللحوم وابتعد عن النشويات والحبوب، على أن تكون هذه النسبة متوفرة من نسبة مياه تقدر بنحو 30% لندرتها، فكما ورد في تقرير الفاو "لا بد أن ننتج غذاء أكثر من ماء أقل"، في السنوات القادمة لتأمين احتياجات العالم سواء من البروتين عن إنتاج مزيد الأعلاف أو الحبوب.

أرقام

أوردت تقارير متخصصة، تعرض إمدادات الذرة العالمية لسلسلة أزمات هذا العام، ومن المرجح أن يستغرق تدهورها من عامين إلى 3 أعوام من الحصاد الجيد في مناطق التصدير الكبرى، قبل استعادة معدلات الإمداد الطبيعية مرة أخرى. 

وشهد الناتج من محصول الذرة الاستراتيجي في الولايات المتحدة -أكبر منتج في العالم- انخفاضا بنسبة 8 بالمئة على مدار العام الجاري عند 13.94 مليار بوشل (354.19 مليون طن متري) في عام التسويق 2022-23، وفقًا لوزارة الزراعة الأمريكية، حيث أثر الجفاف في أجزاء من البلاد خلال موسم النمو بشكل سلبي على المحصول. 

وأظهرت بيانات مرصد المحاصيل التابع للاتحاد الأوروبي، أنه في ظل الجفاف التاريخي بأوروبا، تراجعت غلة الذرة، ويقدر الإنتاج في العام التسويقي 2022 - 2023 بنحو 59.57 مليون طن متري، أي أقل بنسبة 18 بالمئة على مدار العام.

في أوكرانيا -سادس أكبر منتج عالمي- تقلصت القدرة على تصدير وإنتاج الذرة بسبب الصراع بين روسيا وأوكرانيا، وقالت تقارير محلية، إن الحرب ستسبب انخفاضًا بمقدار 25 مليون طن متري من تدفقات التجارة العالمية. 

وتباطأت صادرات الذرة العالمية التي تأتي بشكل رئيسي من الولايات المتحدة والبرازيل -ثالث أكبر منتج عالمي-والأرجنتين -رابع أكبر منتج عالمي- وأوكرانيا في عام 2022، متأثرة بارتفاع الأسعار وانخفاض العرض وانخفاض الطلب من الصين المستهلك الرئيسي.  

وحسب مذكرة بحثية لـ "ستاندرد آند بورز غلوبال بلاتس"، تظل البرازيل هي الأمل الوحيد لمشتري الذرة، فلدى البرازيل القدرة على إنتاج محصول قياسي آخر في العام الجاري، لكن السؤال هو ما إذا كان الطقس سيكون لطيفاً بما فيه الكفاية من عدمه.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية