حين تنهار المناعة أمام الحرب.. "متلازمة الشلل" تضرب أطفال غزة المحاصرة

حين تنهار المناعة أمام الحرب.. "متلازمة الشلل" تضرب أطفال غزة المحاصرة
متلازمة غيلان باريه تضرب أطفال غزة

في قطاع غزة المنهك بحرب مدمرة منذ أكتوبر 2023، لم يعد الموت يأتي فقط من السماء، بل بات يزحف على الأرض ببطء داخل أجساد الأطفال، متجسدًا في أمراض نادرة مثل "متلازمة غيلان باريه"، وسط انهيار تام للنظام الصحي وتجويع ممنهج تمارسه إسرائيل على سكان القطاع.

على مدار الأسابيع الماضية، رصد الأطباء تفشياً غير مسبوق للمتلازمة العصبية النادرة بين الأطفال في قطاع غزة، لتُضاف إلى قائمة الأهوال الصحية والبيئية التي تحاصر نحو 2.3 مليون فلسطيني في غزة، في ظل حصار مطبق وبنية تحتية مدمرة ونقص كارثي في الأدوية والمياه النقية وفق ما أوردته الخميس وكالة أنباء الأناضول.

أجساد الأطفال تنهار

"مرام زعرب" واحدة من عشرات الأطفال الذين فقدوا القدرة على الحركة والنطق بسبب المرض، ترقد الطفلة ذات الأحد عشر عامًا في مستشفى ناصر بمدينة خان يونس، تعاني من شلل متصاعد طال أطرافها وحتى أعصاب البلع والكلام، في حين تقف والدتها عاجزة في وجه صمت العالم أمام انتهاكات غزة.

ويصف الطبيب أحمد الفرا، مدير مستشفى الأطفال والولادة، انتشار المرض بأنه "غير مسبوق"، مؤكدًا أن الحالات المسجلة جميعها لأطفال تجاوزوا 15 عامًا، وأنه قبل الحرب لم تكن تُسجل سوى حالة أو حالتين سنويًا فقط.

وأضاف: "المرض يبدأ بضعف في الأطراف السفلية ويتطور بسرعة ليصيب الجهاز العصبي المركزي وأعصاب التنفس، وهو ما يتطلب تدخلًا عاجلًا.. لا نملك أدوات التشخيص أو العلاج".

أرقام ومؤشرات كارثية

95 إصابة مؤكدة بمتلازمة غيلان باريه حتى نهاية يوليو 2025.

45 حالة شلل رخو حاد سُجلت في يونيو ويوليو فقط.

3 أطفال على الأقل لقوا حتفهم بسبب مضاعفات المرض.

100 ألف طفل وامرأة يعانون من سوء التغذية الحاد وفق برنامج الأغذية العالمي.

أقل من 5 لترات يوميًا هي كمية المياه المتاحة للفرد، مقارنة بـ 20 لتراً هي الحد الأدنى الذي توصي به منظمة الصحة العالمية.

85% من منشآت المياه والصرف الصحي تعرضت للتدمير.

المجاعة.. سلاح للحرب

تشير المعطيات الصادرة عن برنامج الأغذية العالمي ومنظمة اليونيسف إلى أن أطفال غزة يموتون بمعدلات "غير مسبوقة" بسبب الجوع، فالحصار الإسرائيلي المُشدد، وخصوصًا منذ مارس 2025، أدى إلى انعدام الأمن الغذائي وانتشار المجاعة بين السكان، ولا سيما الأطفال.

الحرمان المزمن من الغذاء أدى إلى ضعف شديد في مناعة الأطفال، ما جعلهم عرضة لأمراض نادرة مثل متلازمة غيلان باريه التي تهاجم الأعصاب بسرعة في ظل انعدام العلاج.

منظمة "أوكسفام" حذرت بدورها من "كارثة صحية كبرى"، مشيرة إلى أن الظروف الصحية والبيئية في غزة تهيئ بيئة خصبة لانتشار الأمراض القاتلة وسط غياب الماء النظيف والرعاية الصحية والمأوى.

تلوث المياه.. قاتل جديد

إلى جانب المجاعة، شكّل تلوث المياه خطرًا مباشرًا على الأطفال، ووفق سلطة المياه الفلسطينية قد تم تدمير 85% من البنية التحتية لمنشآت المياه والصرف الصحي، ما أدى إلى اختلاط مياه الشرب بالصرف الصحي وانتشار الفيروسات والبكتيريا.

الأطباء رجّحوا أن تكون هذه الملوثات سببًا رئيسيًا في تفشي متلازمة غيلان باريه، والتي ترتبط غالبًا بالتهابات فيروسية.

ورغم تحذيرات المنظمات الدولية، فإن الفعل لا يزال دون المستوى. فقد أصدرت منظمة الصحة العالمية واليونيسف وأوكسفام تقارير تؤكد انهيار النظام الصحي في غزة و"اقتراب القطاع من الانهيار الكامل"، مع مناشدات لإدخال المساعدات الفورية ووقف الهجمات على المنشآت الصحية.

منظمات حقوقية، مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، طالبت بتحقيقات عاجلة في استخدام الجوع سلاحاً ضد المدنيين، معتبرين أن ما يحدث يرقى إلى "جرائم حرب" وربما "جرائم إبادة جماعية".

القانون الدولي وصمت التنفيذ

في 26 يناير 2024، أصدرت محكمة العدل الدولية أمرًا يلزم إسرائيل باتخاذ تدابير عاجلة لوقف عمليات الإبادة ضد الفلسطينيين. ومع ذلك، تجاهلت إسرائيل القرار واستمرت في تدمير المستشفيات ومرافق المياه والصرف الصحي.

وبموجب القانون الدولي الإنساني، ولا سيما اتفاقيات جنيف، يُعد استهداف البنية التحتية المدنية مثل المستشفيات ومصادر المياه وتجويع المدنيين جريمة حرب. لكن غياب المحاسبة الدولية حتى اللحظة مكّن إسرائيل من مواصلة سياساتها القاتلة دون رادع.

متلازمة غيلان باريه هي اضطراب عصبي نادر يهاجم فيه الجهاز المناعي الأعصاب الطرفية، ما يؤدي إلى ضعف العضلات وقد يصل إلى الشلل، وغالبًا ما ترتبط هذه المتلازمة بعدوى فيروسية أو بكتيرية سابقة.

وفي غزة، تزاوجت عوامل متعددة لتكون بيئة خصبة لانتشار المرض، منها:

سوء التغذية الحاد الذي يضعف المناعة، تلوث المياه نتيجة تدمير شبكات الصرف الصحي، وغياب التشخيص المبكر في ظل نقص الأجهزة الطبية، وانهيار النظام الصحي بالكامل جراء الحرب والحصار.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية