"الموسيقى الكلاسيكية" تفتح الباب أمام الاندماج الاجتماعي للفنزويليين في تشيلي
"الموسيقى الكلاسيكية" تفتح الباب أمام الاندماج الاجتماعي للفنزويليين في تشيلي
بصفتها امرأة شابة، لم تتخيل "آنا مارفيز" أن تعليمها الموسيقي الكلاسيكي سيقودها إلى السعادة في تدريس الموسيقى للأطفال البعيدين عن المنزل.
غادرت معلمة الموسيقى البالغة من العمر 36 عامًا ومديرة الكورال بلادها قبل سبع سنوات بحثًا عن حياة أفضل في تشيلي.
وتقول: "من أصعب جوانب الاضطرار إلى مغادرة المنزل هو التخلي عن مهنتك.. أنا أعتبر نفسي محظوظًا جدًا لأتمكن من العمل على أكثر ما أحبه في حياتي: الموسيقى".
عندما اكتشفت أن العديد من الموسيقيين الفنزويليين كانوا في الوضع نفسه، قررت وضع رأس المال البشري المذهل هذا في خدمة المجتمع من خلال مؤسسة الموسيقى للاندماج (Fundación Música para la Integración)، وهي مجموعة تتألف في الغالب من اللاجئين والمهاجرين من فنزويلا، ولكن بما في ذلك التشيليين وغيرهم من كولومبيا وبيرو وكوبا.
تتذكر، "آنا مارفيز" وهي تجلس في مكتبها بالمقر الجديد للمؤسسة في العاصمة التشيلية، سانتياغو قائلة: "إنه حلم أصبح حقيقة، من 30 موسيقيًا قابلتهم قبل خمس سنوات، نحن الآن 400".
و"آنا مارفيز" هي واحدة من 7.1 مليون مهاجر ولاجئ فنزويلي في العالم، استقر نحو 450 ألف منهم في تشيلي منذ عام 2016.
كانت مفتونة بالموسيقى منذ أن كانت طفلة وتقدر الطريقة التي يتواصل بها الناس مع بعضهم البعض من خلال الموسيقى وكيف يتعلمون ويتطورون بشكل شخصي.
تقول: "الموسيقى هي وسيلة جيدة للاندماج لأنها لا تتوقف عندما تصبح الأوقات صعبة.. يمكن للفن أن يكون دائمًا قوة دافعة للتنمية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية".
ويعد الإدماج المبكر للمهاجرين واللاجئين، بما في ذلك في الحياة الاجتماعية والثقافية للمجتمعات المضيفة، أمرًا بالغ الأهمية لنجاح سياسات الاندماج على المدى الطويل، ويجب الاعتراف بمهارات المهاجرين وتصميم السياسات والتدابير التي تمكّن الوافدين الجدد من المساهمة بثقافتهم ووجهات نظرهم، حيث يعزز ذلك التماسك الاجتماعي ويسخر الابتكار.
يذكر أن النظام الوطني لأوركسترا الشباب والأطفال في فنزويلا، المعروف باسم "El Sistema"، هو موطن لواحد من أرقى برامج تعليم الموسيقى في العالم، حيث قدم تعليمًا موسيقيًا مجانيًا لأكثر من مليون طفل فنزويلي، مع شبكة من فرق الأوركسترا الشبابية التي تنتج موسيقيين محترفين من الطراز العالمي، يعيش العديد منهم الآن في الخارج.
ويعمل معظم الموسيقيين الذين يلعبون في المؤسسة في وظائف لا علاقة لها بالموسيقى -النوادل والمربيات وغيرها- ويشاركون قصصًا مشتركة عن كفاحهم في شوارع سانتياغو قبل أن تجمعهم موهبتهم معًا.
وصل "رودريجو رودريغيز"، عازف فيولا يبلغ من العمر 27 عامًا لموسيقيين اعتادوا العزف في أوركسترا El Sistema في Apure، فنزويلا، إلى تشيلي في عام 2019، وقطع مسافة 5 آلاف كيلومتر سيرًا على الأقدام، والفيولا على ظهره غير راغب في الانفصال ولو للحظة عن أداته المحبوبة خوفًا من سرقتها.
جمع "رودريغيز" رزقه من اللعب في محطات المترو والعمل كمرشد سياحي، يتذكر كيف أن الموسيقى التي كان يعزفها في محطات المترو في سانتياغو كانت جذابة للغاية لدرجة أن الكثير من الناس الذين كانوا يسارعون إلى المخارج، أصبحوا يتوقفون للاستماع.
يقول "رودريغو"، متذكراً أيامه الأولى في تشيلي: "كان الجمهور ممتنًا للغاية، وكان التصفيق حماسيًا، وألقيت حفنة من الأوراق النقدية والعملات المعدنية في علبة الفيولا الخاصة بي".
وشدد "رودريغو" على أن ممارسات الأوركسترا لـEl Sistema -التي تؤكد طريقتها العمل الجاد والمثابرة والانضباط- هيأته للتغلب على تحديات الحياة، وخاصة تحديات الهجرة، وأنه أعاد اكتشاف متعة الموسيقى، التي هي من روح هويته.
ويؤكد: "لا يوجد وقت أسعد في حياتي اليومية أكثر مما أفعله عندما أفعل أكثر ما أحبه"، كما يشعر "رودريغو" بالامتنان لأن تدريبه أتاح له كسب المال ودعم والديه وأخته في فنزويلا.
وأكد آخرون أن الموسيقى وفرت المهارات اللازمة لتحمل رحلات الهجرة الصعبة، وزودتهم بإحساس بالهوية لتجاوز التحديات المادية والاجتماعية والعاطفية للهجرة والشعور الشخصي بالكمال.
يقول رودريغو، متحدثًا في أحد الفصول الدراسية للمؤسسة، وهو مكان -كما يقول- "أصبح أحد بيوتنا، لقد تم استقبالنا بشكل جيد هنا، أظهر التشيليون الكثير من القيم الإنسانية تجاهنا، مثل الترحيب بنا وإظهار التضامن.. في المقابل، نقدم موسيقانا ومواهبنا كطريقة لإظهار امتناننا".