ماذا يحدث داخل تنظيم الإخوان الإرهابي

ماذا يحدث داخل تنظيم الإخوان الإرهابي

 خاص – جسور بوست

إقالات متبادلة وتصريحات محسوبة على هذا الاتجاه او ذاك، وحديث عن انشقاقات جديدة بينما تحدث البعض عن تمثيلية مكشوفة، تديرها أطراف في الجماعة بهدف إعادة التموضع بعد حالة الفشل السياسي والأخلاقي التي ضربت التنظيم، في أعقاب خروجه من حكم مصر عبر ثورة شعبية في 30 يونيو، كل هذه تحليلات وتكهنات صدرتها عناوين وسائط الإعلام عما يحدث داخل تنظيم الإخوان الإرهابي.

فما هي الحقيقة في كل ما نشر؟ هل تواجه الجماعة انقساما حقيقيا ينهى ما تبقى لها من كيان او قدرة على التأثير في المشهد المصري والإقليمي والدولي؟

أمر غفل عنه الكثيرون ولم يناقشه أحد، رغم أهميته في النظر للتطورات التي ضربت مشهد الانقسام، الذي يحدث داخل معسكر واحد هو معسكر القطبيون وهم الجناح الأكثر تطرفا واقترابا من أفكار سيد قطب

فما هو الأمر الذي غفل عنه الكثيرون في هذه الخلافات داخل المعسكر الواحد؟

هذا الأمر أن تلك الخلافات جرت بين قيادات مصرية لم يكن من بينهم قيادة واحدة عربية، أو من جنسية أخرى خصوصا وأن التنظيم له فروع في أكثر من ستين دولة.

فلماذا لم تنطق هذه الفروع وتبدى دعمها لهذا الفريق أو ذات؟

في تقديري أن فروع الجماعة إما أنها تنتظر نهاية المعركة، لتبايع من حسمها أو أنها تحشد في صمت لقيادة عربية جديدة أو غير مصرية للتنظيم، بعد ان تصاعد الجدل داخل المكون غير المصري بأن المصريين لم ينجحوا في قيادة التنظيم، كما لم ينجحوا في تجربة حكم مصر بل وفشلوا أيضا في تنظيم معارضة جادة لاستعادة حكم مصر، أو البقاء حتى في المشهد السياسي

نعود للإجابة على السؤال ماذا يحدث داخل الجماعة؟

بداية مشهد الانقسام ليس جديدا على الجماعة، فلقد عرفته الجماعة منذ النشأة سواء في حياة حسن البنا المؤسس عندما اختلف مع أحمد السكرى أو شباب محمد او بعض من أسسوا التنظيم حتى في الإسماعيلية بلد المنشأ.

حاججت الجماعة تاريخيا بانها متماسكة تنظيميا وفكريا ،وأن ليس بإمكان أحد كائنا من كان المس بوحدتها التنظيمية أو الفكرية ،وبقيت إلى حد كبير قبل وصولها لحكم مصر بمأمن من انشقاقات كبيرة مؤثرة ،رغم ان تلك الانشقاقات لم تتوقف ولعل أخطرها هو انشقاق فريق التكفير والهجرة الذى تزعمه شكري مصطفى هذا التنظيم الذى اغتال وزير الأوقاف المصري الشيخ الذهبي وفقأ عينه ،وكان بزوغ دعوته داخل السجون المصرية في منتصف الستينات وواجهت الجماعة ظهور هذا التنظيم بمذكرة دعاة لا قضاة ،الذى نسب للهضيبي رغم أن من كتب مادته بعض الأزهريين من أعضاء الجماعة ، ثم ظهور عناوين جديدة ظلت على صلة نفسية مع التنظيم الأم كالجماعات السلفية المختلفة والجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد ،او حتى عناوين كالقاعدة وداعش ،وسواء كانت هذه العناوين المختلفة التي أظلمت حياتنا عبر عقود تأتى انشقاقا حقيقيا أم مبرمجا ،فالحقيقة أنها ظلت تعمل لهدف واحد، وأنا أدعو من يتحدث عن الفروق والتباينات ان يرجع الى أسماء أعضاء هيئة ظهرت قبل وصول الإخوان للحكم ،تسمى ” الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح ” هذا الظهير السياسي الذى كانت مهمته تركيع الرأي العام الإسلامي لسلطة الإخوان ،لتدرك أن التباينات وهمية وأنهم كيان واحد في النهاية لكنه لون من ألوان توزيع الأدوار

ما يعنيني في تلك السطور هو أن نقول ان الانشقاقات لم تتوقف، لكنها تبقى انشقاقات حول الوسائل أحيانا، أو الامتيازات المالية والإدارية اللوائح، حول الغنائم في النهاية لكنها لم تطل الفكرة الرئيسية للجماعة ولا مشروعها

منذ لحظة خروج الجماعة من حكم مصر في العام 2013، ضرب الجماعة زلزال تنظيمي وسيولة كبيرة أدت الى ظهور انشقاقات رأسية وأفقية.

حيث ظهرت رؤيتان للتعاطي مع مشهد خروج الجماعة من الحكم

ترى الأولى أن الجماعة عليها ان تنحني للريح وتلجأ للعمل التحتي، وتعيد بناء قوتها التنظيمية متمسكة بالسرية التي غلفت نشاطها فنرة الصدام مع ناصر، متمسكة بالتقية التي برعت فيها حتى تنتهي تلك الحقبة وتتهيأ الظروف لصعود جديد، مع دعم اتجاهات مسلحة غير محسوبة عليها سرا كداعش والقاعدة، وكان قائد هذه الرؤية محمد بديع الذي أطلق على هذه الإستراتيجية ” سلميتنا أقوى من الرصاص “، وتبعه في ذلك محمود عزت ومحمود حسين ومعهم في الخارج إبراهيم منير

بينما كانت الرؤية الثانية ترى أن لابد من تسخين المشهد أكثر، بأن تنقسم الجماعة الى جزأين الأول يخرج للشوارع في مظاهرات سلمية، ليوفر الغطاء للنظام الخاص المسلح الذي سينشط في عمليات مسلحة تستهدف ردع الدولة وإخضاع مؤسساتها، وكان صاحب تلك الإستراتيجية التي أسماها ” العمل النوعي ” عضو مكتب الإرشاد محمد كمال، الذي نعته أحد زعماء التيار القطبي بعبد الرحمن السندي الجديد، زعيم النظام الخاص المسلح الذي يقال انه خرج على سلطة حسن البنا

انتهت جماعة محمد كمال بعد مواجهات دامية مع الدولة بمقتله في أكتوبر 2016، وكذلك انتهت التنظيمات التي خرجت منها مثل لواء الثورة وحسم

بطبيعة الحال حرص جناح محمود عزت على التبرؤ من هذا الجناح، وعدوهم ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين، تلك الكلمة التي أطلقها البنا سابقا على من نفذوا قتل القاضي النقراشي في الأربعينات تنفيذا لتوجيهاته

بعدما دالت الأمور لجبهة محمود عزت الذي قبض عليه لاحقا في العام الماضي 2020، تولى الأمور محمود حسين أمينا عاما، بينما سمى إبراهيم منير نائبا للمرشد وقائما بأعماله

أزكمت رائحة فساد محمود حسين وجماعته الأنوف في تركيا، بعدما تحولت الجماعة الى مجرد دولاب مصالح مالية ضخمة وتركة يتصارع عليها الكثيرون، ولم يجد منير بأسا في ذلك طالما حسين مشغول بذلك عن حيازة سلطته

لكن عندما تطلع حسين الى وراثة منصب منير، هنا تذكر منير فساد حسين فأحاله الى التحقيق فرد حسين بإعلان عزل منير مدعيا تصويت مجلس الشورى، الذي ليس له نصاب حاضر حيث يبلغ أعضائه 118 عضوا معظمهم مات او سجن أو غير قادر على الحركة، وبالتالي ظهر مشهد الخلاف والإقالات المتبادلة الذي عاينه الجميع

الخلاصة أن هناك فريقا أخر يراقب المشهد كما اسلفت هم الإخوان من غير المصريين، وأظن أننا أما سيناريو من ثلاث:

الأول أن تؤول الأمور الى إبراهيم منير ويعتذر إخوان محمود حسين أو يتم إرضائهم بمناصب جديدة، خصوصا ان قرارات منير استطاعت استقطاب وجوه كان قد ابعدها حسين مثل محمد جمال حشمت، واسامة سليمان الذي عينه متحدثا رسميا باسم الجماعة

الثاني أن يتم استبدال حسين ومنير بقيادة توافقية جديدة، تستعيد من خرجوا من الصف الإخواني مثل حلمى الجزار

الثالث ان يتكرس انشقاق الجماعة الى جبهة منير في لندن وجبهة حسين في إسطنبول، خصوصا مع دعم قيادات ورجال أعمال لحسين وكذلك بعض رموز الإخوان المرتبطة مصالحهم معه

الخلاصة أن الخلافات الإدارية والتنظيمية قد تضعف كيان الجماعة، لكن الخلافات الفكرية وحدها هي القادرة على هد كيان الجماعة وانهائها، وهو التطور الأخطر والأهم الذي بدأ على استحياء في مراجعات بعض الإخوان.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية