القطاع الصحي بالعراق.. نقص في الأدوية وبنىً تحتية متهالكة
القطاع الصحي بالعراق.. نقص في الأدوية وبنىً تحتية متهالكة
جسور بوست- عبد الرشيد الصالح
أكثر من شهر قضيتها بين المستشفيات الحكومية في بغداد، لكني لم أكتشف الخلل الذي أصابني.. هكذا يقول محمد السامرائي صاحب الـ25 عاماً، لافتا أنه اضطر إلى السفر صوب مدينة أربيل في إقليم كردستان بحثا عن العلاج، نظرا للتحسن النسبي في الوضع الصحي هناك.
يقول السامرائي لـ"جسور بوست": "إن المستشفيات الحكومية في العراق تعاني قلة الاهتمام، خصوصا على صعيد النظافة والخدمات والبنى التحتية، إضافة إلى نقص الأدوية والمستلزمات الصحية".
ما قاله السامرائي لخص كثيرا من حال القطاع الصحي في العراق، بعد سنوات من الحرب والتوترات والفوضى الأمنية في البلاد، حيث يعاني القطاع الصحي في الوقت الراهن من أمور عدة، ما بين قلة الأدوية وغلاء أسعارها، بجانب قلة الإمكانيات والخدمات في المستشفيات الحكومية وكذلك الخاصة.
وقال مدير مستشفى ابن سينا في محافظة نينوى د. فائز الحمداني لـ"جسور بوست": "إن المواطنين يعانون خلال مراجعتهم المستشفيات، بسبب قلة التخصيصات المالية المقدمة للمستشفيات، ونقص المستلزمات الطبية والأدوية".
وأضاف، أن "العراق يعاني دائما نقصا في الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة والأدوية البيولوجية الخاصة بالأمراض السرطانية"، مشيرا إلى أن "الأدوية المنقذة للحياة وأدوية الطوارئ متوفرة في أغلب الأحيان".
ويخصص العراق حصة ضعيفة من موازنته العامة لقطاع الصحة مقارنة بدول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إذا تخصص الحكومة 4% فقط لقطاع الصحة العام، فيما ظل الإنفاق العام على قطاع الصحة راكدا بمعدل 1.6% من الناتج المحلي الإجمالي منذ عام 2017، وهو بذلك متراجع عن معدلات الإنفاق بدول المنطقة.
د. فائز الحمداني
خريطة الأمراض في العراق
رسم المتحدث باسم وزارة الصحة د. سيف البدر، لـ"جسور بوست" خارطة بأهم مسببات الأمراض، وأعداد المستشفيات والطاقة الاستيعابية لها في عموم العراق.
وقال البدر، إن "أغلب مسببات الوفاة هي الأمراض غير الانتقالية، كارتفاع الدم والضغط والقلب والجلطة الدماغية فضلا عن السكري والسرطان"، مشيرا إلى أن "الأمراض الانتقالية في العراق متعارفة للجميع كجائحة كورونا، والأمراض المتوطنة موجودة لكن بنسب قليلة ومحدودة، ولربما تكون موجات وبائية بين فترى وأخرى".
د. سيف البدر
وأضاف، أن "أبرز الأمراض المتوطنة، هي كالحمى النزفية والكوليرا، لافتا إلى أن أغلب الأمراض الخطرة تم احتواؤها، لكن ما زالت نسبة الإصابات المسجلة بها قليلة".
وفي حديثه عن الوضع الدوائي، قال إن "الحكومة تولي اهتماما بهذا الجانب وتمكنت من السيطرة على عليه بصورة أكبر من الفترة السابقة"، مضيفا أن "قوائم الأدوية المنقذة للحياة تم تحديثها ووفرت المتطلبات الأساسية منها للمؤسسات الصحية وخصوصا ردهات الطوارئ".
مستشفيات كثيرة وخدمات قليلة
تشير إحصائيات حصلت عليها "جسور بوست" من وزارة الصحة العراقية وجهات مختصة، إلى أن العراق يمتلك 20 دائرة صحة حكومية في عموم البلاد، حيث تضم كل محافظة دائرة صحة، بينما تمتلك بغداد 3 دوائر صحية هي "الكرخ، الرصافة، ومدينة الطب".
ويضم جانب الكرخ في بغداد 14 مستشفى حكوميا، بينما يضم جانب الرصافة 24 مستشفى، أما مدينة الطب فتضم 7 مستشفيات.
في حين تضم محافظة نينوى 14 مستشفى، وكركوك 6، وصلاح الدين 4، وديالى 10، كما تضم الأنبار 11، وبابل 17 و6 مراكز تخصصية، وواسط 8، فضلا عن 7 في كربلاء، و12 في النجف، و6 في القادسية، و10 في ذي قار، إضافة إلى 4 في المثنى، و7 في ميسان، و14 في البصرة.
أما في إقليم كردستان، فتضم أربيل 5 مستشفيات، والسليمانية 6، ودهوك 14 مستشفى، وبذلك يكون مجموع المستشفيات الحكومية في العراق هو 200 مستشفى منها 25 في الإقليم، فضلا عن 36 مركزا تخصصيا في عموم البلاد.
ويمتلك العراق قرابة 170 مستشفى أهليا، وبحسب إحصائية لـ"البنك الدولي" فقد انخفض عدد الأسرة في المستشفيات للفرد بشكل فعلي بين عامي 1980 و2017، من 1.9 سرير لكل 1000 عراقي إلى 1.3 سرير لكل 1000 فقط.
وبحسب إحصائيات حصلت عليها "جسور بوست" من مركز البيان للدراسات الاستراتيجية، فإنه "يبلغ إجمالي عدد الأطباء العراقيين حوالي 38 ألف طبيب، وإذا ما قورن بعدد سكان العراق البالغ 40 مليون نسمة، فإن هناك 10 أطباء لكل ألف نسمة تقريباً، أما أعداد الملاكات البشرية العاملة في المجال الصحي فهي تقدر بأكثر من 346 ألف شخص".
وبالرغم من العدد الجيد نسبيا للمستشفيات والأطباء في العراق، إلا أن البلاد تعاني من سوء الخدمات الطبية المقدمة والبنى التحتية المتهالكة للمستشفيات التي بني بعضها منذ 60 عاماً، إضافة إلى قلة توفير الأجهزة الطبية الحديثة، والأدوية، وسوء الرعاية الصحية المجانية في القطاع الحكومي.
تقول طبيبة مقيمة في مستشفى الشيخ زايد ببغداد في حديث لـ"جسور بوست"، إن "أبرز الصعوبات التي تواجه عمل الأطباء في العراق، هي عدم وجود أبسط الوسائل لإجراء الفحوصات الطبية والتحاليل اللازمة، فضلا عن عدم وجود أهم العلاجات التي تعتبر مهمة لإنقاذ حياة المريض، وعدم وجود حماية قانونية كافية للطبيب لاتخاذ قراراته".
وأشارت الطبيبة التي رفضت ذكر اسمها إلى أن "ساعات العمل طويلة مقابل ضعف بالأجر المادي ووسائل الراحة للطبيب خلال وجوده في المستشفيات"، لافتة إلى أن "عمل الطبيب يختلف في المستشفيات الأهلية لكون الأجر أعلى مقارنة بالحكومية، إضافة إلى نظافة المكان والبيئة المريحة نوعا ما".
نقص الأدوية وغلاء في الأسعار
وعلى مستوى الأدوية، يشهد العراق ارتفاعا كبيرا في أسعار البعض منها وخصوصا المستورد، وذلك بسبب ارتفاع أسعار صرف الدولار مقابل الدينار العراقي والذي وصل إلى 160 ألف دينار لكل 100 دولار، وهو ما يثقل كاهل المواطنين من أصحاب الدخل المحدود، كما يفتقر العراق لوجود أدوية تعالج أمراض خطيرة أبرزها السرطان.
الصيدلاني حسين محمد يقول في حديث لـ"جسور بوست"، إن "العراق يعاني من شح في الأدوية الخاصة بأمراض السرطان، فضلا عن أدوية الهرمونات"، مبينا أن "العراق رغم ذلك يمتلك صناعة محلية جيدة من الأدوية قادرة على منافسة المنتج الأجنبي".
وأضاف، أن "هناك عددا من المصانع العراقية الخاصة بالأدوية تمتلك أعلى درجة في التقييم والاعتماد من وزارة الصحة، وهي تنتج أدوية جيدة، ومن الممكن أن تصدر إلى خارج البلاد والدول المجاورة".
بدورها، أعلنت نقابة أطباء العراق فرع البصرة أقصى جنوب العراق، عن أن "التضخم الحاصل في أسعار السلع المستوردة والأدوية بالدولار مع بداية هذا العام قد وصلت إلى 10% مقارنةً بعام 2021، أما عند مقارنته بعام 2019 فإن التضخم الحاصل بالسلع المستوردة بالدولار بلغ 32%".
ودعت النقابة بحسب بيان تلقته "جسور بوست" الحكومة، إلى "اتخاذ إجراءات اقتصادية ورقابية عاجلة لحماية المواطنين، منها صرف مبالغ بدل الغلاء المعيشي للعوائل المشمولة بالضمان والحماية الاجتماعية والمتقاعدين، وفرض تسعيرة الأدوية والمستلزمات بالدينار العراقي".
وكان وزير الصحة العراقي صالح الحسناوي قد أعلن الشهر الماضي إطلاق استمارة الضمان الصحي في البلاد، مؤكدا أن ما بين 250- 300 ألف مواطن سيتم تسجيلهم هذه السنة ضمن الرعاية الصحية.
وتحدث الوزير العراقي، عن المباشرة بمشروع توفير الأدوية بشكل عاجل للمؤسسات الصحية، فيما أشار إلى خطة لإعادة تأهيل 10 مستشفيات في عموم العراق.
دعم دولي في المجال الصحي
ومنذ ظهور فيروس كورونا عالمياً، وتفشيه في العراق، تعرض القطاع الصحي في العراق إلى ضغط هائل فاق قدرته على الاستيعاب من ناحية عدد الأسرة، والأدوية المتاحة، والرعاية الصحية.
وعلى خلفية ذلك، قدمت منظمة الصحة العالمية للعراق أكثر من 33 مليون دولار كمساعدات، كان أغلبها من دول وجهات مانحة في مقدمتها ألمانيا، والاتحاد الأوروبي ومكتب الولايات المتحدة الأمريكية للمساعدات الإنسانية، إضافة إلى دولة الكويت وعدد آخر من الدول.
عقيل الشويلي
يقول عضو الهيئة العمومية لجمعية الهلال الأحمر، عقيل الشويلي، في حديث لـ"جسور بوست"، إن "الوضع الصحي في العراق متردٍ، ويعد فقيرا نسبيا بسبب النقص في مستلزمات الأدوية والأجهزة الطبية، فضلا عن البنى التحتية التي بحاجة إلى تطوير".
ولفت الشويلي، إلى أن "حلول وزارة الصحة تعد ترقيعية، ولم تعالج نقص الخدمات الذي يزداد سوءا".
وأشار إلى أن "المنظمات الدولية مستمرة بتقديم المساعدات الصحية، لكنها فقيرة ولا ترتقي لإنهاء المشاكل الموجودة، والتي يعاني منها المريض ومرافقوه".
وبحسب آخر موقف وبائي أصدرته وزارة الصحة العراقية الشهر الماضي، تبين أن أعداد الوفيات بفيروس كورونا ارتفع إلى 25374 شخصا منذ تفشي الوباء، فضلا عن تسجيل أكثر من مليونين ونصف المليون إصابة، في حين تلقى أكثر من 11 مليونا و339 ألف عراقي اللقاح المضاد للفيروس.