عبر البرد والثلوج في التلال البنية العارية.. أوكرانيون يتحدثون عن "مولدوفا" الطريق الطويل نحو الأمان (صور)

عبر البرد والثلوج في التلال البنية العارية.. أوكرانيون يتحدثون عن "مولدوفا" الطريق الطويل نحو الأمان (صور)
حافلة تنقل اللاجئين الأوكرانيين من مولدوفا إلى رومانيا

بعيدًا في الركن الجنوبي الشرقي من أوروبا، قد يكون الشتاء في مولدوفا رتيبًا وقاسيًا، يمر الطريق من حدود أوكرانيا إليها عبر التلال البنية العارية مثل شريط الأمل، وفقا لما ذكرته "لاريسا".

جاءت "لاريسا" منطقة دونيتسك في أوكرانيا، لذلك فهي ترى أن ذلك يعني في المقابل وقف وابل المدفعية المستمر، وأنين صفارات الإنذار والطائرات بدون طيار، والاندفاع نحو المخبأ، والظلام، والبرد، والرائحة، وكل آلام الحرب، يعنى أن عبور ذلك الطريق بكل ما فيه من مصاعب يمكنه تنحية الرعب جانباً، ويمكن أن تبدأ الحياة بعده من جديد.

عندما نزلت "لاريسا" من الحافلة من الحدود إلى محطة المنظمة الدولية للهجرة (IOM) خارج بلدة بالانكا الصغيرة، غادرت منطقة دونيتسك، بعد أن قطعت 2000 كيلومتر في رحلة استمرت 3 أيام مع ابنتها المريضة.

يذكر أنه، منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، مر ما يقرب من 700 ألف شخص عبر مولدوفا المجاورة، ما شكل ضغطًا كبيرًا على موارد البلاد، تساعد وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة (IOM) الفئات الأكثر ضعفاً، والسلطات، على اجتياز هذا الوضع غير المسبوق.

 مثل كل أولئك الذين غادروا للتو جحيم الحرب، تكتم "لاريسا" وراء الصمت، الدموع الخانقة والذكريات الأليمة، وتخطط بالفعل لانتقالها التالي إلى رومانيا.

لاريسا وابنتها أثناء  رحلة الهروب من ويلات الحربلاريسا وابنتها أثناء رحلة الهروب من ويلات الحرب

تقول: "عندما أصل إلى بوخارست، أريد أن أتقدم للحصول على وظيفة، والعثور على عمل، وإقامة.. الشيء الأكثر أهمية هو أنه لا يوجد إطلاق نار هناك.. حين يذهب طفلك إلى الفراش دون أن يقول: "ماما، هل سنستيقظ غدًا؟".

"لاريسا" وابنتها هما اثنتان من بين بضع عشرات من الأشخاص يجلسون حول خيمة تعمل بها المنظمة الدولية للهجرة ووكالات أخرى، قبل أن تغادر الحافلة في رحلة مدتها 10 ساعات إلى العاصمة الرومانية، هناك وقت لتناول وجبة ساخنة وفحص طبي للحصول على المعلومات اللازمة للأيام والأسابيع المقبلة وحتى الاستحمام.

يتذكر رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة في مولدوفا، لارس يوهان لونباك: "عندما جئنا إلى هنا لأول مرة في أواخر فبراير، مباشرة بعد الغزو الروسي، كانت هناك فوضى تامة على الحدود.. اتضح لنا على الفور أنه إلى جانب الطعام والمأوى والرعاية الطبية والاستشارة، كانت الحاجة إلى وسيلة انتقال كبيرة وكان المتطوعون ذوو النوايا الحسنة يصلون، ويعرضون أخذ العائلات الضعيفة، التي تركت رجالها وراءهم للقتال، إلى البرتغال والنرويج وإيطاليا.. لقد كان سيناريو غير منظم تمامًا وكان حلمًا للمتاجرين بالبشر، الذين يحضرون دائمًا عندما يكون الناس في أضعف حالاتهم".

بالحافلة إلى بوخارست

كان من الواضح تمامًا أيضًا لـ"لونباك" أن آلاف الأشخاص الذين يعبرون الحدود سيشكلون ضغطًا هائلاً على الموارد الشحيحة في مولدوفا، ما يخاطر بحدوث أزمة اجتماعية، لذلك قامت المنظمة الدولية للهجرة، بالشراكة مع السلطات المولدوفية ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بتقييم الاحتياجات وعملت على إيجاد حلول.

أنشأ الشركاء بسرعة خدمة حافلات مخصصة تعمل على إزالة الازدحام في المنطقة الحدودية، وحماية المستضعفين، وإضافة مجموعة من الخدمات إلى جهود الإغاثة الضخمة.

وعلى نفس المنوال، تساعد المنظمة الدولية للهجرة الأشخاص، ولا سيما الأشخاص الأكثر احتياجًا -بمن في ذلك الأشخاص ذوو الإعاقة وكبار السن وطريحو الفراش- للوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي بالطائرة، حتى الآن، دخل أكثر من 15 ألف شخص إلى الاتحاد الأوروبي عن طريق الحافلات والطائرات بدعم من المنظمة الدولية للهجرة، والتي يعتقد "لونباك" أنها ساعدت في تجنب وضع صعب في مولدوفا، البلد الذي يعاني بالفعل من الفقر والتوترات الاجتماعية.
 

"يوري" يتلقى الرعاية من موظفة “الدولية للهجرة”

يقول المسؤول الأممي: "الشيء المهم هو أن المجتمع الدولي يواصل مساعدة مولدوفا بأي طريقة ممكنة.. لقد رأينا أن الأوكرانيين فخورون ومرنون، وهم في الحقيقة لا يريدون مغادرة منازلهم.. ولكن، مع تصاعد الهجمات على البنية التحتية، ومع تراكم الثلوج، تزداد صعوبة العيش.. لقد أنشأنا نظامًا مرنًا وسريع الاستجابة، ويمكننا التوسع في حالة فرار أعداد كبيرة من الأشخاص مرة أخرى من أوكرانيا".

وأشار "لونباك" إلى أن حوالي 10% من أولئك الذين فروا من أوكرانيا عبر مولدوفا قرروا البقاء في البلاد، وكثيرا ممن بقوا من مدن قريبة نسبيًا من الحدود، خاصة إذا كانت لديك عائلة وأصدقاء في مولدوفا، كانوا مثل أي شخص في أي حرب، يريدون البقاء قريبين من وطنهم.

 "سفيتلانا"، هي وكيل عقارات تبلغ من العمر 60 عامًا من أوديسا، على بعد 40 كيلومترًا من مولدوفا، وهي الآن دعامة أساسية لأربعة أجيال من النساء اللائي يعشن في منزل صغير على بعد حوالي ساعة خارج كيشيناو.

تتحدث ببطء، واصفة الرعب الذي رأته وسمعته، وحولها تقرأ والدتها بهدوء، بينما تحضر ابنتها وحفيدتها ورش الرسم.. لكنها لا تبكي، تعطي "سفيتلانا" الانطباع بأن الحزن شيء يجب عليها ألا تخصص له الوقت ولن تفعله، زوجها وأصهارها في الصفوف الأمامية ومهمتها هي قيادة الأسرة بمفردها.

رحبت بهم مولدوفا بحرارة، كما تقول، بالمساعدات الإنسانية واللطف البسيط، تتعلم هي وابنتها اللغة الرومانية حتى يتمكنا من التنافس في سوق العمل المحلي واستخدام مهاراتهما لصالح البلد المضيف وأنفسهم.

وبقدر ما يقدرن المساعدة التي قُدمت لهن، فإنهن لا يردن البقاء هناك.

سفيتلانا نيكيتينا (الثانية من اليسار) وعائلتهاسفيتلانا نيكيتينا (الثانية من اليسار) وعائلتها

 

تقول منسقة الطوارئ في المنظمة الدولية للهجرة في مولدوفا، مارجو بارس، واصفة نهج المنظمة: "إنها استدامة من خلال التضامن.. نحن نقدم دعم سبل العيش، والمنح للشركات الصغيرة، والتدريب ودعم المأوى الانتقالي، لا سيما لجعل الناس يمرون بسلام من هذا الشتاء الصعب.. أحد الأشياء الرئيسية التي نقوم بها هو الدعم النفسي، لأن الناس مروا بالكثير ويحتاجون إلى أكثر من مجرد مساعدة مادية".

وفي نفس الظروف، ترك أوكرانيا مع الأمهات والأطفال الصغار والجدات "رجال مسنون"، يتذكر “يوري” -73 عامًا- بوضوح والديه يتحدثان عن الحرب العالمية الثانية، ولم يعتقد أبدًا أنه سيرى مثل هذا الموت والدمار في وطنه.

يقول: "إنه أمر مروع، كل يوم لدينا ضحايا يتم إحضارهم.. كل يوم هناك الكثير من الضحايا، والكثير من الحزن، والكثير من الناس يعانون".

"إيفان" البالغ من العمر 5 أشهر، الذي ولد أثناء الحرب في أوكرانيا، أصبح الآن بأمان في مولدوفا مع والدته "كسينيا"، التي مرت أثناء حملها، عبر حقل ألغام حيث أمطرت القنابل العنقودية لكنها استطاعت الهروب".

تقول "كسينيا": “أريد أن تنتهي هذه الحرب حتى أستمتع بالأمومة على أكمل وجه.. أعتقد أنني كنت سأصاب بالجنون بهذه الحرب بدون إيفان”.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية