لبنان.. ذوو الهمم يكافحون من أجل تخطي الحواجز التعليمية والخدمية

على وقع الأزمة الاقتصادية

لبنان.. ذوو الهمم يكافحون من أجل تخطي الحواجز التعليمية والخدمية

بأوضاع أكثر سوءا، يعاني أصحاب الهمم في لبنان، من غياب الرعاية ‏الصحية والتعليم والتوظيف، وغيرها من الحقوق الإنسانية البسيطة.

ومنذ منتصف عام 2019، يعاني معظم اللبنانيين أوضاعًا معيشية صعبة، خاصةً مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد.

وتردي الأوضاع الذي طال أصحاب الهمم في لبنان دفع أطفالاً وشباباً للاحتجاج قبل عدة أشهر، طلبا للرعاية، ليظلوا أسبوعاً كاملاً في اعتصام نفّذه الاتحاد الوطني لأصحاب الهمم أمام مصرف لبنان.

وحجزت المصارف أموال جمعيات أصحاب الهمم، ‏ومنعتها من سحب أكثر من 8 ملايين ليرة شهرياً من حوالات وزارة المالية، مهدّدة عشرات الجمعيات الراعية ‏لواحدة من أكثر الفئات ضعفاً في المجتمع.‏

وأفادت تقارير محلية بأن هناك 102 جمعية في لبنان تُعنى برعاية أصحاب الهمم وتأهيلهم، متعاقدة مع وزارة ‏الشؤون الاجتماعية. 

وهذه الجمعيات تقدّم الرعاية لـ10 آلاف من أصحاب الهمم (90 بالمئة منهم دون الـ21 عاماً)، ‏موزّعين بين إعاقة عقلية، وحركية، وبصرية، وسمعية، بينهم أكثر من 8 آلاف تجري رعايتهم على نفقة وزارة ‏الشؤون الاجتماعية.‏

ولا تزال الأزمة تراوح مكانها، حيث تعيش الجمعيات خطراً وجودياً جرّاء الأزمة المالية والمصرفية التي ‏تعصف بالبلاد. 

فالمصارف تحتجز أموالها الخاصة، علماً بأن البدلات التي تُدفع تستند إلى دراسة مالية ‏أُنجزت في عام 2011، ولا تراعي الانهيار الذي طال قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار الأمريكي.

وقادت الأوضاع المتدهورة الجمعيات إلى إغلاق أقسام داخلها، ما يهدد بضعف الخدمات المقدمة لفئة أصحاب الهمم.

معوقات ومهددات

بدوره، قال رئيس الاتحاد الوطني لشؤون المعاقين ومدير مؤسسة الهادي للإعاقة السمعية والبصرية إسماعيل الزين، ‏إن تهاوي الجمعيات يبدو جلياً في الفترة الحالية من خلال تراجع الخدمات التي تقدّمها لرعاية ذوي الهمم.

وأوضح الزين في تصريح لـ"جسور بوست": "اضطررنا إلى تخفيف استهلاك الكهرباء في الغرف الأكاديمية، وتقليص عدد العاملين، وهو ‏ما انعكس على أصحاب الهمم الذين يحتاجون في كثير من الأحيان لرعاية خاصة".

وأضاف: "أدى ذلك إلى تراجع نوعية الغذاء الذي يُقدّم، وعدد المرات التي تُبدل ‏فيها الحفّاضات في اليوم.. وصرنا نطلب من الأهل تأمينها". ‏

وتابع: "كما استهلكت الجمعيات ما تملكه من مال خاص وتبرّعات.. أصبح التقشف موجوداً في جميع المؤسسات -‏كلّ بحسب إمكاناتها- ما يهدد السماح لها بالاستمرار لفترات أطول".‏

واستطرد الزين: "أمام هاجس إغلاق الجمعيات، يسأل أصحاب الهمم وأهاليهم عن البديل، ذلك أنه ما من خيار آخر ‏غير البقاء في المنزل، ما يعني من دون مبالغة إعدام هذه الفئة على مختلف الأصعدة الصحية والنفسية ‏والاجتماعية".

ومضى موضحا: "التعامل مع أصحاب الهمم، لا سيما الأطفال وكبار ‏السن، يحتاج إلى فريق من المتخصّصين، يساعد الأطفال في تمرير مرحلة الطفولة للاندماج في المجتمع، ‏والاعتناء الصحيح بكبار السن، عدا التكاليف الكبيرة للرعاية".

وأكد أن قرار حاكم مصرف لبنان بمنح الجمعيات 40 بالمئة فقط من مستحقاتها التي جرى تحويلها عن عام 2021، لم ينفذ بسبب عراقيل وضعتها ‏المصارف في طريق الجمعيات، أدّت في النهاية إلى عدم تطبيقه.‏

دمج اجتماعي

وتتمركز المؤسسات والجمعيات التي تُعنى بأصحاب الهمم بشكل أساسي في بيروت وجبل لبنان، في حين يُحرم أصحاب الهمم في باقي المحافظات، والذين يسكنون في الأطراف من مؤسسة قريبة جغرافيّاً.

وعن المسار التعليمي للأطفال من أصحاب الهمم في لبنان فهو في الواقع مليء بالعثرات التي ‏تقوّض تجربتهم المدرسية، إذ تقول منظمة هيومن رايتس ووتش، في تقرير لها، إن الأطفال من أصحاب الهمم مستبعدون من المدارس ‏الرسمية بسبب سياسات القبول التمييزية.

إضافة إلى نقص الموظفين المدربين ‏تدريبا كافيا، وعدم وجود مناهج شاملة (بما في ذلك عدم وجود برامج تعليمية فردية)، والرسوم والنفقات ‏التمييزية التي تزيد من تهميش الأطفال أصحاب الهمم من الأسر الفقيرة.‏

ولا تتوافر معلومات واضحة عن مجموع عدد الأطفال من أصحاب الهمم في لبنان أو عددهم في ‏المدارس.

ووفق برنامج تأمين حقوق أصحاب الهمم (رسمي) يوجد 8 آلاف و558 طفلاً من أصحاب الهمم مسجلون، تتراوح أعمارهم بين 5 و14 ‏عاماً، وهو سن التعليم الإلزامي.

ومن بين هؤلاء هناك 3 آلاف و806 أطفال في مؤسسات تعليمية ممولة من ‏الحكومة، بينما ينتشر عدد قليل منهم في المدارس الرسمية والخاصة، إلا أن الكثيرين من المسجلين لا ‏يذهبون إلى المؤسسات التعليمية.

يأتي ذلك بينما تقدر ‏الإحصاءات العالمية لـ"اليونيسيف" و"منظمة الصحة العالمية" و"البنك الدولي" أن 5 بالمئة من الأطفال ‏تحت سن 14 يعانون من احتياجات خاصة.

ويثير هذا ‏التضارب في الأرقام مخاوف من أن عشرات الآلاف من الأطفال اللبنانيين من أصحاب الهمم ‏غير مسجلين، وكثير منهم قد لا يحصلون على التعليم.

حق التعليم

ووفق اتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها لبنان عام 1991، فإن الأطفال من أصحاب الهمم ‏لهم الحق في التعليم والتدريب والرعاية الصحية وخدمات إعادة التأهيل. 

وتعزز الاتفاقية هدف الإدماج الكامل مع مراعاة مصالح الطفل ‏الفضلى، فيما يعكس القانون 220 هذا المبدأ، حيث يقتضي مراعاة المصلحة الفضلى للمتعلم، عند الاختيار بين ‏التعليم الجامع والتعليم لأصحاب الهمم.‏

وتم الاعتراف بالتعليم الجامع باعتباره الوسيلة الأنسب للحكومات لضمان العالمية وعدم التمييز في الحق في ‏التعليم.

والتعليم الجامع هو ممارسة تثقيف الطلاب من أصحاب الهمم في المدارس العادية مع توفير ‏المساعدات الإضافية والخدمات عند الضرورة، للسماح للأطفال بتحقيق كامل إمكاناتهم. 

وهو ينطوي على ‏الاعتراف بالحاجة إلى تغيير الثقافات والسياسات والممارسات في المدارس لاستيعاب الاحتياجات المختلفة ‏للطلاب كل على حدة، والتزام بإزالة الحواجز التي تعيق ذلك الاحتمال.‏

فيما ركز تقرير هيومن رايتس ووتش، على الحواجز التي تحول دون التعليم الجيد والجامع للأطفال اللبنانيين من أصحاب الهمم الذين هم في سن التعليم الإلزامي في لبنان. 

ورغم أن القانون اللبناني يحظر صراحة التمييز ضد الأطفال من أصحاب الهمم أثناء اتخاذ قرارات ‏القبول، فإن القبول في المدارس الرسمية والخاصة ما زال يعتمد على تقدير المعلمين ومدراء المدارس، ما ‏يؤدي إلى استبعاد العديد من الأطفال. ‏

كما تفتقر معظم المدارس الرسمية والخاصة التي شملها بحث هيومن رايتس ووتش إلى التسهيلات المعقولة ‏والمناسبة، التي تضمن بيئة تعليمية يتمكن فيها جميع الطلاب من المشاركة في التعليم. ‏

ويكشف التقرير أن ما يعرقل أيضاً تعليم الأطفال من أصحاب الهمم عدم توفر أماكن إقامة مناسبة، ‏بما في ذلك إمكانية الوصول إلى المباني، وعدم وجود معلمين مدربين تدريباً كافياً، وعدم وجود نهج فردي ‏لتعليم الأطفال، والرسوم التمييزية والنفقات الأخرى.

وفي السنوات الأخيرة، اتخذت الحكومة اللبنانية خطوات تصحيحية لرعاية أصحاب الهمم، حيث ‏بذلت بعض الجهود لإدراج الأطفال ذوي صعوبات التعلم في المدارس الرسمية.

فيما حاولت المنظمات غير الحكومية الخاصة واليونيسف إتاحة المدارس الحكومية، من خلال تعديلات في ‏المباني يمكن أن تساعد في استيعاب الأطفال من أصحاب الهمم الجسدية. ‏



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية