أزمة التعليم في اليمن بين الحرب والفقر والأمل الضائع

أزمة التعليم في اليمن بين الحرب والفقر والأمل الضائع
أحد الفصول الدراسية في اليمن

في فناء مدرسة حكومية في محافظة لحج قرب مدينة عدن، تجلس المعلمة اليمنية سعاد صالح داخل خيمة مهترئة تحاول أن تشرح دروس اللغة العربية لأكثر من مئة تلميذ اكتظ بهم المكان الضيق المليء بالحرارة والغبار، أغلب التلاميذ بلا زي مدرسي أو كتب، ومع ذلك يُعدون من المحظوظين لأنهم ما زالوا يتلقون التعليم في بلد حرمت الحرب فيه ملايين الأطفال من حق التعلم.

بحسب تقرير بثته "فرانس برس" الخميس تفيد بيانات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، بأن نحو أربعة ملايين ونصف المليون طفل في اليمن، أي ربع عدد الأطفال في سن التعليم، خارج المدارس، ويواجه قطاع التعليم في اليمن الذي يبلغ عدد سكانه نحو أربعين مليون نسمة، سلسلة من الأزمات المعقدة تبدأ من انقطاع رواتب المعلمين وإضراباتهم الطويلة مروراً بتدمير آلاف المدارس وانعدام الكتب والوسائل التعليمية، وصولاً إلى الفقر المدقع الذي يعوق استمرار الأطفال في التعليم.

المدارس بلا معلمين ولا فصول

المعلمة سعاد صالح، البالغة من العمر ثلاثين عاماً، تعمل متطوعة في مدرسة الرباط الغربي بمدينة لحج بعد أن غادر المعلمون الرسميون أعمالهم بحثاً عن مصادر رزق أكثر استقراراً، تقول إنها تتقاضى خمسين ألف ريال يمني شهرياً، أي نحو ثلاثين دولاراً فقط، مضيفة أن هذا المبلغ لا يكفي لتغطية حاجاتها الأساسية، وتشير إلى أن الصف الواحد يضم أكثر من مئة تلميذ، وأنها تحتاج إلى عشر دقائق فقط لفرض الهدوء قبل بدء الشرح.

في الفصول المؤقتة المصنوعة من الكرافانات المعدنية، يفترش التلاميذ الأرض، وبعضهم بلا أحذية أو كتب، في حين يعتمدون على حقائب تبرعت بها منظمات خيرية، ويتكفل أولياء الأمور بدفع ألفي ريال يمني شهرياً، أي ما يعادل دولاراً واحداً تقريباً، لتأمين رواتب المعلمات المتطوعات.

وتعاني المدرسة، كما يقول وكيلها محمد المردحي، من غياب أبسط الأساسيات مثل الكهرباء والمياه والفصول الملائمة، مؤكداً أن معظم المعلمات قليلات الخبرة ويحتجن إلى تدريب وتأهيل، ويضيف أن الحكومة المعترف بها دولياً عاجزة عن دفع رواتب المعلمين النظاميين في اليمن التي تبلغ نحو مئة ألف ريال شهرياً، أي ما يعادل ستين دولاراً، منذ أكثر من ثلاثة أشهر.

تعليم في بلد منقسم ومحاصر

تأتي هذه الأزمة التعليمية في سياق حرب مستمرة منذ عام 2015 بين الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والمتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، الحرب التي أودت بحياة آلاف المدنيين وتسببت في تفكك المؤسسات ودمار البنية التحتية، لتغرق اليمن في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، ورغم الهدنة الهشة التي بدأت في أبريل 2022 وصمدت نسبياً رغم انتهاء مدتها في أكتوبر من العام نفسه، فإن تداعيات الحرب ما زالت تطول كل بيت ومدرسة وطفل.

ويعتمد كثير من التلاميذ على عبوات بسكويت توفرها الأمم المتحدة صباحاً بوصفها وجبة مدرسية لسد الجوع، في حين تعجز عائلاتهم عن توفير الطعام الكافي، ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، يعاني نحو نصف الأطفال في اليمن من سوء التغذية، وهو ما ينعكس على قدراتهم الجسدية والتعليمية ويزيد من معدلات التسرب المدرسي.

المدارس المهدمة والتلاميذ النازحون

تشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من ثلاثة آلاف مدرسة في اليمن تعرضت للتدمير الكلي أو الجزئي، في حين تحولت بعض المدارس إلى ملاجئ للنازحين، ويبلغ عدد النازحين في اليمن أكثر من أربعة ملايين شخص، كثير منهم من الأسر التي نزحت مع أطفالها إلى مناطق أكثر أمناً لكنها فقدت إمكانية التعليم المنتظم.

في مدرسة الرباط الغربي وحدها، يدرس أكثر من 1300 تلميذ معظمهم من النازحين القادمين من محافظات أخرى، ويتلقى هؤلاء التلاميذ تعليمهم في بيئة فقيرة من التجهيزات، وتشير اليونيسف إلى أن اليمن يشهد واحدة من أسوأ أزمات التعليم في العالم، حيث فقد جيل كامل من الأطفال سنواته الدراسية بسبب النزاع المستمر.

دور الدعم الخارجي في إنعاش الأمل

بعد عشر سنوات من تشكيلها التحالف العسكري في اليمن، أطلقت السعودية البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن الذي يموّل مشاريع بمئات الملايين من الدولارات في مجالات متعددة، منها التعليم، وتشمل المشاريع إعادة بناء وتأهيل المدارس المتضررة وتدريب معلمات جديدات وتأمين التجهيزات الأساسية للفصول.

في عدن، شيد البرنامج السعودي مدرسة الحرم الجامعي عام 2023، وتضم أربعة عشر فصلاً دراسياً تعمل على فترتين صباحية ومسائية، ويصل عدد الطلاب في كل فصل إلى أربعين فقط، مقارنة بأكثر من مئة في المدارس الأخرى، وتقول مديرة المدرسة فتحية العفيفي إن المدرسة الجديدة ساعدت على تخفيف الكثافة في المدارس المجاورة واستيعاب أبناء آلاف الأسر النازحة.

كما نظّم البرنامج السعودي دورات لتأهيل 150 معلمة للعمل في المناطق الريفية بأربع محافظات يمنية، ضمن خطة تهدف إلى سد النقص في الكادر التعليمي، ويقول مدير مكتب البرنامج السعودي في عدن أحمد المداخلي إن التعليم يعد محركاً أساسياً لتنمية المجتمع اليمني، مؤكداً أن الاستثمار في التعليم يمثل خطوة نحو الاستقرار والسلام.

من جانبه، يرى المحلل السياسي عمر كريم من جامعة برمنغهام البريطانية أن السعودية غيرت من طبيعة مساعداتها لليمن، إذ أصبحت تركز على مشاريع التنمية البشرية بدلاً من النفوذ السياسي، ويشير إلى أن التركيز على التعليم يمكن أن يحسن الاقتصاد اليمني ويقلل من انخراط الشباب في النزاعات المسلحة.

جيل مهدد بالضياع

يحذر العاملون في قطاع التعليم من أن استمرار الأزمة سيؤدي إلى آثار كارثية في الأجيال القادمة، وتقول مديرة مدرسة الحرم الجامعي فتحية العفيفي إن توقف الدراسة يعني جيلاً لا يقرأ ولا يكتب، وبلداً يتراجع إذ يتقدم العالم من حوله، وتضيف أن التعليم ليس مجرد خدمة، بل هو خط الدفاع الأخير ضد الجهل والفقر والعنف.

في اليمن، حيث تلتهم الحرب طفولة الملايين، تبدو العودة إلى مقاعد الدراسة حلماً بعيداً لكثير من الأطفال، ورغم الجهود المحلية والدولية لإنعاش التعليم، فإن الطريق لا يزال طويلاً أمام بلد مزقته الصراعات وتراكمت فوقه أعباء الفقر والانهيار الاقتصادي ومع ذلك، تظل أصوات المعلمين المتطوعين وتلاميذهم الذين يواصلون الدراسة في خيام وكرافانات شاهداً على إرادة الحياة في وجه الدمار.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية