لبنان ينزف بعد الهدنة.. الأمم المتحدة توثّق مقتل 114 مدنياً في غارات إسرائيلية

لبنان ينزف بعد الهدنة.. الأمم المتحدة توثّق مقتل 114 مدنياً في غارات إسرائيلية
غارات إسرائيلية على جنوب لبنان

بعد عام تقريبًا على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، لا تزال أصوات الانفجارات تعلو فوق قرى الجنوب، حاملة معها رائحة البارود والخوف. أعلنت الأمم المتحدة مقتل 114 مدنيًا لبنانيًا جراء غارات إسرائيلية نفذت منذ توقيع الاتفاق في نوفمبر 2024، ما يعكس هشاشة الهدنة التي رُوّج لها بوصفها نهاية مؤقتة للحرب الطويلة.

قال ثمين الخيطان، المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، الخميس وفقا لوكالة أنباء الأناضول، إن المنظمة تتابع بقلق بالغ الغارات الجوية الإسرائيلية التي تستهدف مباني مدنية في قرى الجنوب، وأضاف أن استمرار الهجمات يحوّل حياة السكان إلى دوامة من الرعب اليومي، مؤكداً أن "التأثير المميت على المدنيين يجب أن يتوقف فورًا، فشعب جنوب لبنان يعيش منذ أكثر من عامين تحت تهديد دائم دون أفق لنهاية الأزمة".

تصعيد متجدد بعد الهدنة

رغم اتفاق وقف الأعمال العدائية الذي وُقّع بوساطة أمريكية في 27 نوفمبر 2024، تواصل إسرائيل شن غارات شبه يومية على مناطق لبنانية، بزعم استهدافها مواقع تابعة لحزب الله ومستودعات أسلحة، غير أن معظم الضربات، بحسب تقارير محلية ودولية، تصيب منازل مدنيين وبنى تحتية حيوية كالمستشفيات والمدارس.

ولم يصدر أي رد عسكري معلن من حزب الله أو الجيش اللبناني في الأسابيع الأخيرة، إلا أن سكان المناطق الحدودية يعيشون في حالة خوف مستمرة، إذ تنطلق صافرات الإنذار بشكل متكرر، فيما يضطر كثيرون إلى النزوح المؤقت إلى مناطق أكثر أمانًا في البقاع أو الشمال.

انتهاك صارخ للقانون الدولي

طالبت الأمم المتحدة إسرائيل بالامتثال الفوري للقانون الإنساني الدولي واتفاقية وقف الأعمال العدائية، وأكد الخيطان أن استهداف المدنيين أو المناطق المأهولة يعد انتهاكًا واضحًا للمعايير الدولية التي تلزم الأطراف المتحاربة بحماية السكان غير المشاركين في النزاع.

من جانبها، أدانت منظمات حقوقية، منها هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، ما وصفته بـ"الاستهتار الإسرائيلي بأرواح المدنيين"، داعية المجتمع الدولي إلى الضغط من أجل تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة في الانتهاكات المرتكبة منذ الهدنة، وأشارت التقارير الحقوقية إلى أن الهجمات الأخيرة تسببت بتدمير أكثر من 600 منزل وتهجير ما لا يقل عن 12 ألف شخص من قراهم خلال الأشهر الثلاثة الماضية فقط.

تلال محتلة ووعود غائبة

ورغم الهدنة، ما تزال إسرائيل تحتفظ بخمس تلال لبنانية في الجنوب سيطرت عليها خلال حرب سبتمبر 2024، إضافة إلى مناطق أخرى محتلة منذ عقود أبرزها مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وتعتبر بيروت أن استمرار الاحتلال يشكل خرقًا جوهريًا للاتفاق، ويُبقي احتمالات التصعيد مفتوحة في أي لحظة.

ويؤكد محللون أن بقاء القوات الإسرائيلية في تلك التلال يشكل ضغطًا سياسيًا وعسكريًا على الحكومة اللبنانية ويزيد من معاناة الأهالي الذين حُرموا من الوصول إلى أراضيهم الزراعية ومصادر رزقهم.

الجنوب بين الرماد والخوف

القرى الجنوبية التي كانت مسرحًا لأعنف المعارك بين أكتوبر 2023 وسبتمبر 2024، ما زالت تعاني من آثار الدمار الواسع، وكثير من المنازل لم تُرمم بعد، والمدارس تعمل بنصف طاقتها، فيما تفتقر المستشفيات إلى الأدوية والمعدات بعد تضرر شبكات الإمداد، ويقول سكان بلدات مثل بنت جبيل ومارون الراس والطيبة إن الغارات الأخيرة أعادت إليهم ذكريات الحرب، وكأن الهدنة لم تُوقّع أصلًا.

بدأت المواجهة بين إسرائيل وحزب الله في أكتوبر 2023 بعد اتساع رقعة الصراع في غزة، قبل أن تتحول في سبتمبر 2024 إلى حرب شاملة استمرت أسابيع، أسفرت عن مقتل أكثر من أربعة آلاف لبناني وإصابة نحو سبعة عشر ألفًا، وفق أرقام وزارة الصحة اللبنانية والأمم المتحدة، وانتهت الحرب باتفاق وقف إطلاق النار بوساطة أمريكية، نصّ على انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية ووقف الهجمات المتبادلة، إلا أن التنفيذ ظل جزئيًا ومعلقًا في كثير من بنوده.

تعتبر الأمم المتحدة اليوم أن الجنوب اللبناني يعيش واحدة من أكثر فتراته هشاشة منذ عام 2006، مع تزايد الخروقات العسكرية وتفاقم الأوضاع الإنسانية، ويخشى المراقبون أن استمرار الانتهاكات دون محاسبة يعيد المنطقة إلى دائرة العنف المفتوح، حيث تصبح حياة المدنيين مرة أخرى ثمناً لصراع لا نهاية واضحة له.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية