الاقتصاد التركي بين فكي تبعات الزلزال الكبير وتراجع الصادرات
الاقتصاد التركي بين فكي تبعات الزلزال الكبير وتراجع الصادرات
هناك مقولة أمريكية شهيرة تقول: "الزلازل لا تقتل البشر، المباني هي التي تقتلهم"، وهذا ما يحدث بالفعل، فعند حصول الزلزال، إذا كنت واقفا في أرض زراعية أو صحراوية خالية من المباني، فلربما لن يصيبك الزلزال بسوء، لكن الكوارث تحدث حينما تنهار تلك المباني الثقيلة على رؤوس أصحابها، هنا الخسائر ستكون في البشر والمباني وربما هددت اقتصاد الدول، فما الذي فعله الزلزال الكبير بالاقتصاد التركي؟
اتحاد الشركات والأعمال في تركيا، قال إن حجم الأضرار الناجمة عن الزلزال الكبير الذي ضرب البلاد، وأودى بحياة أكثر من 40 ألف شخص، قد يزيد على 84 مليار دولار، أو ما يعادل 10% من الناتج الإجمالي للبلاد.
وبحسب بيان الاتحاد، فإن الزلزال المدمر قد تسبب في دمار مبانٍ سكنية بنحو 70.8 مليار دولار، إلى جانب 10.4 مليار دولار أخرى في صورة خسارة في الدخل القومي، بحسب ما ذكرته “بلومبرغ”.
وقال اتحاد الشركات والأعمال إن الخسائر في القوة العاملة قد تكلف اقتصاد تركيا 2.9 مليار دولار، حيث ضرب الزلزال 10 مقاطعات وأثّر بشدة على ملايين الأشخاص في تركيا، وأيضا في سوريا المجاورة.
واستندت حسابات اتحاد الشركات والأعمال التركي على زلزال عام 1999 الذي كان قريبا من إسطنبول، وأودى بحياة نحو 18 ألف شخص، حيث تجاوزت حصيلة ضحايا الكارثة الحالية بفارق كبير زلزال 1999، ولا يزال الآلاف مفقودين.
وقدّر بيان الاتحاد أن الضرر الواقع على البنية التحتية، مثل الطرق وشبكات الكهرباء وكذلك المستشفيات والمدارس، قد يرفع عجز الموازنة التركية إلى ما يزيد على 5.4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الجاري، مقابل التقديرات الرسمية البالغة 3.5 بالمئة.
وتعتبر تقديرات اتحاد الأعمال التركي هي الأعلى حتى الآن مقارنة بتقديرات الخبراء الاقتصاديين الآخرين، على الرغم من أن الكثيرين -ومن بينهم “باركليز”- يؤكدون أنه من المبكر للغاية تقييم التأثير الكامل للكارثة.
وكانت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني توقعت، الأسبوع الماضي، أن تتجاوز الخسائر "القابلة للتأمين" جراء الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا "ملياري دولار"، وقالت إن الخسائر "قد تبلغ 4 مليارات دولار أو أكثر".
"جسور بوست" ناقشت إلى أي مدى سيتأثر نمو الاقتصاد التركي بسبب الزلزال الكبير.
تعطيل النمو الاقتصادي
الخبراء والمحللون قالوا إن الزلازل الكبيرة التي شهدتها تركيا ستضيف مليارات الدولارات من الإنفاق إلى ميزانية أنقرة وستخفض النمو الاقتصادي بنقطتين مئويتين هذا العام إذ إن الحكومة ستضطر للقيام بجهود إعادة إعمار ضخمة قبل انتخابات حاسمة.
وكان مسؤولون وخبراء اقتصاديون، توقعوا أن يتضرر النمو الاقتصادي في تركيا هذا العام نتيجة تداعيات الزلازل المدمرة التي ضربت البلاد، وأسفرت عن آلاف القتلى والمصابين.
وقال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن حكومته ستنتهي من إعادة بناء المساكن خلال عام، وخصصت مبدئيا 100 مليار ليرة (5.3 مليار دولار) للإغاثة من تداعيات الزلزال الكبير.
تأثر السياحة
وقال أستاذ الاقتصاد والعلاقات الدولية، ورئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، رشاد عبده، إن الاقتصاد التركي يقوم على أمرين: التصدير والسياحة، وبالطبع ستتأثر السياحة التركية بما حدث، خاصة أنها تشتهر بالسياحة العلاجية وتُعرف بها ومن أهم مصادر إدخال العملة الصعبة، كما تتوافر فيها كل أشكال ومستويات السياحة، خاصة أن السياحة تعتمد على الإنتاج الذي سيتأثر بدوره بما حدث.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست": يقوم الاقتصاد التركي على التصدير وهناك ما يسمى بالتصدير من الداخل، ويعني بيع المنتجات التركية من خلال وجود السياح بها وبأرقام كبيرة من العملة الأجنبية، وبلا شك ستتأثر السياحة من الداخل بما حدث، أيضًا فإن إعادة البناء ستكلف الدولة أموالًا طائلة، وعليه سيتأثر الاقتصاد التركي بشكل كبير.
وتابع: تعافيه متوقف على مرحلة البناء، كيف ستتم وكيف ستسير عجلة الانتاج وكيف ستعاد السياحة إلى ما كانت عليه مرة أخرى؟ وأرى أن الأتراك لن يستغرقوا وقتا طويلا لامتلاك الدولة مقومات التعافي.

كيف ستتأثر الصادرات التركية بتبعات الزلزال
تشكل المدن العشر التي ضربها الزلزال في تركيا ثقلا اقتصاديا، لجهة وقوع كثيرٍ من الشركات الصناعية الكبرى فيها، وبشكل خاص في مدينة غازي عنتاب، التي تسهم بمعدلات مرتفعة ضمن إجمالي الصادرات التركية.. فما حدود تأثر الميزان التجاري لتركيا بالضرر الذي لحق بتلك المدن المهمة؟
بحسب الكاتب الاقتصادي التركي، ناغي بكير، في صحيفة "dunya" المتخصصة، فإن البيانات الحكومية تشير إلى أن حجم مساهمة المدن العشر التي لحقت بها أضرار الزلزال يصل إلى 10% من إجمالي الناتج المحلي لتركيا، وهي بذلك تسهم بنحو 1.51 نقطة في معدل النمو المحقق في عام 2021.
تستحوذ مدينة غازي عنتاب على النسبة الأكبر من تلك المساهمة، وتعتبر المحافظة الثامنة ضمن أكبر المحافظات التركية المؤثرة في اقتصاد البلاد.
ووفق البيانات التي ذكرها ناغي، فإن إجمالي مساهمة المدن العشر في إجمالي صادرات تركيا، طبقا لبيانات عام 2022، يصل إلى 10.9%.
خسائر فادحة
وحذّر الخبير الاقتصادي، خالد الشافعي من خسائر فادحة يمكن أن تتعرض لها الصادرات التركية، حال فقدان القوى العاملة في تلك المدن وتعطل الإنتاج والنقل والأنشطة اللوجستية بما يؤثر سلبا على التجارة الخارجية للبلاد.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست"، حتى في حال تراجع الصادرات والواردات معا، فذلك لن يفيد الاقتصاد التركي على الإطلاق حتى لو تم الحفاظ على الميزان التجاري، إذا أخذنا في الاعتبار أن الميزان التجاري التركي يواجه عجزًا مستمرًا من العام الماضي، وبالتالي فإنه في أمس الحاجة لزيادة الصادرات وعدم فقدان هذه النسبة التي تسهم بها المدن العشر ضمن قائمة الصادرات".

واختتم قائلا: ارتفع العجز التجاري في تركيا بنسبة 138.4% مقارنة بالعام السابق إلى 110.19 مليارات دولار في 2022، وزادت الصادرات 12.9% إلى 254.2 مليار دولار في 2022، وقفزت الواردات التركية 34.3% إلى 364.4 مليار دولار.