بعد عام من الحرب الروسية الأوكرانية.. الاقتصاد العالمي "أبرز الضحايا"

بعد عام من الحرب الروسية الأوكرانية.. الاقتصاد العالمي "أبرز الضحايا"

مرّ عام على اشتعال الحرب الروسية- الأوكرانية، كان الاقتصاد العالمي أبرز الضحايا لها، حيث دفعت العالم إلى إعادة النظر في المنظومة الاقتصادية العالمية، بعدما زعزعت الحرب أساسات الاقتصاد في أغلب دول العالم، وسط أزمات تتصاعد في الأمن الغذائي وأمن الطاقة.

ومؤكد أن "الموقف الراهن وإن كان على درجة كبيرة من التقلب فإن العواقب الاقتصادية ستكون بالغة الخطورة"، هكذا تنبأ صندوق النقد الدولي بتأثيرات حرب أوكرانيا على الاقتصاد العالمي مع بداية العملية العسكرية قبل أن تؤكد صدقية فرضياته الأرقام بعد عام. 

وشكلت الحرب الروسية على أوكرانيا وتداعياتها على الاقتصاد العالمي، ولا سيما الاقتصاد الأوروبي، صدمة لدول القارة الأوروبية، التي بدأت منذ العام الماضي ببذل جهود مكثفة لإزالة تداعيات فيروس كورونا على اقتصاداتها، والتي دامت لنحو أكثر من سنتين. 

ووفقًا لتقارير متخصصة، يبدو أن هذه الصدمة ستكون لها مفاعيل باهظة لجهة كلفة معالجتها، والتي يُتوقع أن تتجاوز حجم الناتج المحلي الإجمالي في الاتحاد الأوروبي في عام 2022 (المقدّر بنحو 175 مليار يورو) على ما يتوقع الخبراء الاقتصاديون. 

تعاظمت تأثيرات الحرب الروسية- الأوكرانية، لأنها عمّقت الفجوة بين العرض والطلب في اقتصادات الدول الأوروبية، بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، في الوقت الذي لا يستطيع البنك المركزي الأوروبي التوفيق بين مكافحة التضخم، ودعم النشاط الاقتصادي.

وتشير أحدث المستجدات الاقتصادية الصادرة عن البنك الدولي عن الأداء الاقتصادي في منطقة أوروبا وآسيا الوسطى، إلى أن الحرب الدائرة في أوكرانيا قد أضعفت آفاق التعافي الاقتصادي بعد الجائحة لاقتصادات الأسواق الصاعدة والنامية في المنطقة. 

ويشير العدد الجديد من التقرير إلى أن النشاط الاقتصادي سيبقى منخفضاً للغاية خلال عام 2023، مع توقع تحقيق نمو ضئيل لا يتجاوز 0.3% في ظل استمرار تداعيات صدمات أسعار الطاقة على المنطقة. 

وتنص التوقعات الحالية -وفقًا لمحللين وخبراء- على أن الاقتصاد الأوكراني سيسجل انكماشاً بنسبة 35% هذا العام، وذلك على الرغم من تضرر النشاط الاقتصادي من جراء الدمار الذي لحق بالقدرات الإنتاجية، وتضرر الأراضي الزراعية، وانخفاض المعروض من الأيدي العاملة. 

ووفقاً لتقديرات حديثة للبنك الدولي، فإن إجمالي احتياجات التعافي وإعادة الإعمار في القطاعات الاجتماعية والإنتاجية والبنية التحتية تبلغ إجمالاً 349 مليار دولار على أقل تقدير، أي أكثر من 1.5 ضعف حجم اقتصاد أوكرانيا قبل الحرب في عام 2021.

"جسور بوست"، ناقشت تأثير الحرب الروسية على أوكرانيا وتداعياتها على الاقتصاد العالمي بعد عام من اشتعالها.

ترجمات: نهاية العولمة؟ أثر الحرب الروسية في أوكرانيا على الاقتصاد العالمي |  مركز الأبحاث

تكلفة باهظة

الأرقام وإن كانت صادمة فإنها لا تكذب، وحول تكلفة تأثير حرب أوكرانيا على الاقتصاد العالمي، قالت منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، وهي منظمة حكومية تضم 38 دولة، وتعتبر تجمعا للاقتصادات المتقدمة مقرها باريس: “تكلفة تأثير الحرب في أوكرانيا على الاقتصاد العالمي قدرت بنحو 2.8 تريليون دولار بنهاية 2022”. 

ووفقًا للمنظمة، فإن الرقم قد يكون أكبر من ذلك إذا أدى الشتاء القارس إلى تقنين الطاقة في أوروبا، ما يعني خفضا أكثر في الإنتاج، كذلك تسببت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في ارتفاع أسعار الطاقة، ما أضعف إنفاق الأسر وقوض ثقة الأعمال التجارية، وفاقم خلل سلاسل التوريد، وتسبب في نقص الغذاء والضروريات الأخرى، وهز الأسواق في جميع أنحاء العالم. 

وما زالت تخشى الحكومات الغربية من أن قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بالتعبئة الجزئية واستعدادات موسكو لضم مساحات شاسعة من أوكرانيا عبر استفتاءات، يمكن أن يطيل الصراع لأشهر عدة وربما سنوات، ما يزيد من حالة عدم اليقين التي تلقي بثقلها على الاقتصاد العالمي. 

الأسعار أيضا قد تزداد إذا واجهت أوروبا نقصا في الطاقة خلال الشتاء المقبل 2023، مع توقعات بطقس أكثر برودة، حيث إن استهلاك الطاقة سيحتاج إلى الخفض بنسبة تتراوح بين 10 و15% مقارنة بالسنوات الأخيرة.

ووفقًا لمحللين، يهدد الارتفاع الحاد للأسعار عددا متزايدا من الشركات التي اضطر بعضها لخفض أنشطته، الناتج المحلي الإجمالي العالمي سينمو بنسبة 2,2% مقابل 2,8% بالتوقعات السابقة في يونيو، رغم أنها أبقت على توقعاتها للنمو لهذا العام عند نسبة 3% بعدما خفّضتها بشكل واضح في الأشهر الأخيرة.

الغارمون

حسب منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، فإن الغارمين والأكثر تأثرًا ستكون الدول المجاورة لأوكرانيا وروسيا هي التي ستدفع الثمن الأكبر، حيث سيخضع النمو في منطقة اليورو للتراجع الأكبر من بين كل مناطق العالم، مع توقع أن يبلغ 0.3% في مقابل 1.6% بالتوقعات السابقة في يونيو، السبب الرئيسي في ذلك هو ارتفاع أسعار الطاقة والتضخم الذي بلغ 8.1% عام 2022 سيكون 6.2% عام 2023. 

وتتوقع المنظمة أن يكون الركود الذي يلوّح به كبار الاقتصاديين العالميين منذ نشوب الحرب كخطر كبير، السيناريو الحالي في ألمانيا (أكبر قوة اقتصادية أوروبية)، التي ستشهد -بحسب المنظمة- تراجع ناتجها الإجمالي المحلي بنسبة 0.7%، في انخفاض قدره 2.4 نقطة مئوية مقارنة بالتوقعات السابقة. 

ويفلت جيرانها الرئيسيون من الركود ويُتوقع أن يبلغ النمو 0.4% في إيطاليا و1.5% في إسبانيا و0.6% في فرنسا حيث لا تزال الحكومة تتوقع نموًا بنسبة 1%.

حرب أوكرانيا... آثار على الاقتصادات الدولية | الشرق الأوسط

التضخم ورفع معدلات الفائدة

وأكد أستاذ الاقتصاد إيهاب الدسوقي، أن رفع معدلات الفائدة هو عامل أساسي في التباطؤ الحالي لنمو الاقتصاد، وأن الحكومات في جميع أنحاء أوروبا أنفقت مليارات اليوروهات لمساعدة الأسر والشركات على مواجهة الارتفاع المفاجئ في تكاليف الطاقة، وقد جاءت بعض هذه المساعدات في شكل وضع حدود قصوى لأسعار الطاقة، بعدما عانى الاقتصاد العالمي من اختناقات ونقص في المنتجات الأساسية، وبطء في واردات سلع الطاقة، ما خلق ضغوطات تضخمية.

وتابع في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست": بعد انخفاض التضخم إلى 1.2% في مايو 2020 عاد ليرتفع إلى 6.5% في فبراير 2022 بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء عالميًا، ما أدى إلى أن الدول اتجهت لتأمين الطلب الداخلي، لا سيما في مجال الغذاء، فحظرت تصدير بعض السلع، لافتا إلى أن تأثيرات الأزمة كانت شديدة على دول شرق أوروبا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا. 

إيهاب الدسوقي

وأشار إلى أن التدابير المالية الموجهة والمؤقتة للأسر والشركات جزء من الحل في مواجهة حالة الطوارئ، كانت "موجهة بشكل سيئ"، لأنها غالبًا ما كانت تعود بالفائدة لعدد فائض من الأسر والشركات، في حين كان يجب أن تقدم وتستهدف المساعدات الأسر الأكثر ضعفا.

وأتم: ما يجب العمل عليه هو تتجنب المصارف المركزية زيادة المعدلات بشكل أكبر في حال استمر ارتفاع التضخم.

تأثير الحرب على الدول النامية

وعن تأثير الحرب على الدول النامية ومعدلات النمو، قالت أستاذ الاقتصاد والطاقة، هدى الملاح، إن التأثيرات السلبية للحرب الروسية الأوكرانية متواصلة على أسعار الغذاء والطاقة عالميًا خاصة الدول النامية التي لم تتحمل اقتصاداتها تبعات الحرب، فرغم التراجع المحدود في الأسعار العالمية، فإنها لا تزال مرتفعة بنسبة كبيرة قياسا على الأوضاع ما قبل الحرب في أوكرانيا، حيث تواجه بلدان الشرق الأوسط وإفريقيا تحديات كبيرة خاصة البلدان المستوردة للنفط والغذاء والتي عانت من ارتفاعات ملحوظة في عجز الموازنة لديها نتيجة زيادة تكلفة الاستيراد.

وأضافت الملاح في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست": كانت أسعار النفط سجلت ارتفاعا حادا عقب الغزو الروسي بلغت 130 دولارا للبرميل ثم نزلت لتسجل مستويات 92 دولارا الآن، وكذلك أسعار الغذاء التي ترتبط بصورة كبيرة بأسعار الطاقة والأسمدة. 

خبيرة اقتصادية: البنية التحتية في مصر قوية وجاذبة للاستثمارات .. فيديو

هدى الملاح

واستطردت: تسبب ارتفاع أسعار النفط إلى تخفيض التوقعات بشأن معدلات نمو الدول المستوردة للطاقة في الشرق الأوسط وإفريقيا، كما أن ارتفاع أسعار السلع الأولية أسهم في تفاقم التحديات الناجمة عن زيادة مستويات التضخم والدين، وتشديد الأوضاع المالية العالمية، وتمثل أسعار الغذاء نحو 60% من ارتفاع التضخم الكلي خلال العام الماضي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ما عدا بلدان مجلس التعاون الخليجي، لذلك توقعت مؤسسات مالية ونقدية أن تظل معدلات التضخم مرتفعة على مستوى المنطقة، وهو ما يمثل زيادة هائلة وضغطا كبيرا على المستهلكين. 
 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية