المقلوبة والفانوس وموائد الرحمن.. موروثات عربية لم تصمد في وجه الغلاء
المقلوبة والفانوس وموائد الرحمن.. موروثات عربية لم تصمد في وجه الغلاء
رمضان عالم روحي، له أطعمته وعاداته وبرامجه، التي ترتبط بالوطن والأهل، لذلك يأتي الشهر الكريم على المسلمين بما يُهَيِّج في النفس شعورًا بالحنين والشوق إلى كل ما هو قديم.
كانت العائلات في البلاد العربية تتجمع في ليالي رمضان، إما على وجبة الإفطار وإما قبيل منتصف الليل، تحضر كل أسرة ما تيسر من أطباق، وتستعرض بشكل فلكلوري أشكال وأصناف الوجبات الرمضانية المتنوعة، وعلى مذاق تلك الأطباق تدور الحكايا والسهرة، كذلك كانت تقيم الجمعيات والأسر موائد الرحمن، بينما يلهو الأطفال بـ"فوانيس رمضان".
ويأتي رمضان هذا العام وسط عدد من الأزمات الدولية الكبرى التي فجرها الغزو الروسي لأوكرانيا 2022، إذ تسببت الحرب في مشكلات عالمية بالغذاء والطاقة والتضخم وارتفاع سعر الدولار مقابل انخفاض بعض العملات المحلية لبعض الدول العربية، ما جعل شعوبا بأسرها تجد نفسها عاجزة عن توفير كلفة موائد الإفطار الغنية بأطباقها الرمضانية، بشكل يُفسد أجواء الشهر الكريم.
بشكل خاص يؤثر ارتفاع الأسعار بشدة على اللاجئين وغيرهم من الفئات المتضررة في المنطقة.
وذكر برنامج الأغذية العالمي أن قرابة 90% من 1.5 مليون لاجئ سوري في لبنان يعيشون بالفعل في فقر مدقع ويعتمدون على المساعدات الغذائية، كما يشعر بالقلق اللاجئون السوريون في مصر، البالغ عددهم نحو 130 ألفا وسط تعداد سكاني تجاوز 100 مليون نسمة.
وبدأت لبنان في الشهر الحالي طباعة ورقة مالية قيمتها مليون ليرة، التي توازي 10 دولارات، ما يبرز حجم الفاجعة لديهم.
وشكل سعر الدولار في مصر وتيرة من الارتفاعات المتتالية بعدة قروش يوميًا، حتى ارتفع سعره من 30 جنيها إلى سعر الصرف بالبنك المركزي اليوم الذي بلغ 30.83 جنيه.
وسجل معدل التضـخم السنوي للإجمالي المصري 26.5% لشهر يناير 2023 مقابل 8.0% لنفس الشهـر من العام السابق
يؤثر ارتفاع أسعار الغذاء أيضا على الجمعيات الخيرية التي تكثف مساعدة الأسر الفقيرة في رمضان عادة، حتى إنها أوقفت بعض عاداتها كموائد الرحمن، وبعض الجمعيات استبدلها بما يسمى "كارتونة رمضان".
"جسور بوست" حاورت العديد من مسؤولي الأسر في عدة دول للوقوف على أبعاد الأزمة وتأثيرها على الموائد الرمضانية في الوطن العربي.
أمريكا “مش أحسن من غيرها”
على الرغم من الصورة الذهنية التي تقول برفاهية المقيمين بالولايات المتحدة أمريكا، فإن الوضع الاقتصادي يبدو أنه قد أرهق الجميع.
يقول ماجد العبادي، مصري مقيم في أمريكا: “إن التضخم والأزمات الاقتصادية ضربت العالم أجمع، وأمريكا ”مش أحسن من غيرها"، نحن نعاني ارتفاع الأسعار والضرائب اللذين بدورهما أثرا على الحياة عموما والمناسبات الخاصة كشهر رمضان أيضًا، فلم نعد نجتمع مثل السابق في تجمعات سواء كانت تقيمها الجالية أو الأفراد إلا قليلا".
وفي تدوينة له على صفحات السوشيال ميديا، سرد العبادي موقفا طريفا قال فيه: "لقد دق باب منزلنا رجل يبيع فوانيس رمضان، ولم يكن أولادي يعرفون ما هي، فقمت بشرحها لها لكونهم صغارا، وللأسف لقد جنيت على نفسي، لقد أصروا جميعًا على شراء الفوانيس، لقد خسرت أموالي وكان يمكنني الاحتفاظ بها إذا لم أشرح".
اليمنيون في ضيق
وتحدثت الناشطة الحقوقية اليمنية، سونيا صالح عن تجربتها مع المدارس اليمنية داخل القاهرة قائلة: "إنه رغم الدمار الذي لحق بي وبأسرتي وبهروبنا من بلادنا، إلا أننا نهرول نحو البهجة ونلتمس في العادات البسيطة من شراء فانوس الفرحة، نعم لقد تغير كل شيء حتى في مصر، حيث ارتفعت الأسعار 3 أضعاف إلا أننا متفائلون ونحمد الله على النجاة من الحوثيين".
وأضافت في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست": "الأزمة أنني أربي 4 أبناء، ولم نكد نخرج من مصاريف المدارس وتكلفتها المرتفعة حتى جاء رمضان، هناك ما يسمى بالمدارس الأهلية اليمنية في القاهرة، تحتوي على آلاف الطلاب من الجاليات اليمنية، ولكنها تجارة، المدارس اليمنية في القاهرة لم ترحم المواطن اليمني، أسعارها باهظة جدًا وأكثر تكلفة من مدارس اليمن، فالمواطن اليمني يتم التعامل معه على أنه غني، لكن الغالبية حالتهم المادية صعبة.
فمثلًا، طالب المرحلة الابتدائية، أقل طالب يدفع 10 آلاف جنيه وهي مدرسة متواضعة ترى أنها تُقدم تخفيضات للطلاب، فماذا يفعل من لديه 4 أبناء يسجلهم بـ40 ألف جنيه، بينما يتكلف الزي المدرسي من ألف إلى 1600 جنيه على حسب المراحل، بينما يسجل طالب الثانوي بأسعار تبدأ من 15 ألف جنيه فما فوق والأسعار متفاوتة على حسب المدرسة، للأسف لم تتم مراعاة ظروف المواطن اليمني من كونه لاجئا، أغلبهم هربوا لكونهم مهددين بالقتل من جهات متشددة مثل ميليشيا الحوثي".
وطالبت سونيا الحكومة بوضع حد لهذا الاستغلال، قائلة: "لقد ارتفعت الأسعار ضعف العام الماضي، ولذا قامت بعض الأسر بإيقاف أبنائهم من الذهاب إلى المدارس، كذلك لم توفر السفارة اليمنية أي شيء داخل القاهرة للمواطن اليمني".
المائدة الفلسطينية بلا مقلوبة
كذلك كان وضع الشعب الفلسطيني، مثل غيره من الشعوب العربية يعاني ويفتقد بعض مظاهر رمضان التي اعتادها ومنها أكلة "المقلوبة".
يقول هيثم الشريف من فلسطين، العزومات في رمضان كانت لدينا كما كانت في مصر، فالبيت الفلسطيني كان يمتلئ بالأحبة والتجمعات والاحتفالات على الدوام، فما إن تمشي في حارة أو شارع حتى تشتم رائحة الإرث الحضاري والتاريخي المنبعثة من المائدة، ومن أطباق اشتهرت بها المناطق الفلسطينية بشكل عام، بما فيها: الفوارغ أو ما تسمّى في مصر بـ"الكوارع"، والقِدرة الخليلية، والمفتول أو "كسكس"، والمنسف، والمسخن والمقلوبة.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست"، الأمر اختلف رمضان هذا العام تحت وقع الظروف الاقتصادية من ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية الرئيسة، التي أدت إلى ضبط سلوك الإنفاق الشرائي اليومي لدى غالبية الأسر، والعودة إلى الأكلات الشعبية التقليدية منخفضة الثمن.
وأضاف هيثم، المشكلة أن الحرب الروسية الأوكرانية سبقتها أزمة كورونا، وما فرضته من ارتفاع أسعار بعض السلع الغذائية وتوقف أصحاب المهن الحرة من الذين فقدوا مصادر دخلهم، إضافة إلى بعض العائلات التي توقفت أيضا أعمال عدد كبير من معيليها، بسبب تداعيات الجائحة، تأثير واضح وتغييرات متعددة طغت على أهم الموروثات الاجتماعية التقليدية، التي كانت جزءا من المظاهر المحببة والمألوفة لدى أبناء المدينة، في الشهر الفضيل.
فقد لجأت بعض العائلات في المدينة إلى تغيير أنماط الغذاء داخل المنازل، من خلال التوازن والاعتدال في ترشيد الإنفاق الاستهلاكي في المواد التموينية، وابتعادهم عن الكماليات واعتماد الحاجيات الأساسية قليلة التكاليف، بعد أن حرمت هذه العائلات التي تعتمد على الأجر اليومي من التسوق وشراء احتياجاتها الضرورية.