حوادث مأساوية بها شيء من الغموض تضرب ليبيريا
حوادث مأساوية بها شيء من الغموض تضرب ليبيريا
كتب - باسم ثروت
تبدو ليبيريا الدولة الصغيرة التي تقع في غرب القارة الإفريقية معتادة على الحوادث المأسوية غير المفهومة وغير واضحة المعالم، ففي يوم 20 يناير قٌتل على الأقل 30 شخصاً، إثر قيام مسلحين مجهولين باستهداف حشد ديني مسيحي في قرية نيو كرو، كما شهدت من قبل استهداف مدرسة لتحفيظ القرآن في عام 2019، راح ضحيتها نحو 26 طفلاً وغيرها من الحوادث على نفس هذه الشاكلة.
دعونا قبل أن نشرع في الاستفاضة في تفاصيل الحوادث التي واجهت ليبيريا، أن نعرف بعض المعلومات المهمة عنها ونعرض لمحة سريعة من تاريخ هذه الدولة التي لها باع طويل في الحروب الأهلية لعلنا قد نجد ما يفسر او يرتبط بهذه الحوادث.
نشأة الدولة:
يتكون سكان ليبيريا من الزنوج المحررين العائدين من الأمريكيتين، وتقدر نسبتهم بنحو 5% من السكان، فيما تشكل ٢٠ قبيلة زنجية الغالبية العظمى في البلاد، أبرزها الماندنج ومندي وسوننكي، وتقدر نسبتهم بقرابة ٩٥%، تأسست في البدء كموطن للرقيق والعبيد الأفارقة المحررين من الولايات المتحدة الأمريكية ومناطق أخرى في نطاق الأمريكيتين.
تعود بدايات تأسيس دولة ليبيريا إلى عام 1820 وفقاً للمصادر التاريخية، من خلال قيام جمعية الاستعمار الأمريكية بإرسال متطوعين سود إلى ساحل الفلفل، لإقامة مستعمرة لعبيد أمريكا المحررين، وأنشئت كدولة ثانية في غرب إفريقيا للرقيق المحررين، وبدأ تشكيلها عبر تأسيس مدينة منروفيا عام 1821، على الساحل، ثم التوغل نحو الداخل.
كانت فكرة عودة العبيد الأمريكيين المحررين إلى أفريقيا، والخلاص من حياة الرق والعبودية، هي مصدر تسميتها ليبيريا التي تعني أي أرض الحرية، وفي 26 يوليو 1847، أعلن أولئك العبيد المحررون المستوطنون، استقلال ليبيريا، وتأسست الدولة بشكلها الجديد عام ١٨٤٨.
وأصدروا الدستور الذي أعلن إنشاء جمهورية ليبيريا المستقلة، سبق ذلك إعلان كومنولث بين القبائل من السكان الأصليين الأغلبية والعبيد الأمريكيين المحررين ذوي الأصول الأفريقية، أو من أطلق عليهم الليبراليون الأمريكيون.
لكن على الرغم من كونهم أقلية، احتكر الليبيريون الأمريكيون وأحفادهم السلطة والحكم في ليبيريا على مدى ١٣٣ عاماً، وعملوا على إقصاء السكان الأصليين، على امتداد الفترة من عام 1847 حتى 1980.
الحرب الأهلية الأولى:
نتج عن ذلك الإقصاء قيام الانقلاب قاده الرئيس الأسبق صمويل دو الذي ينتمي لمجموعة كران العرقية الأصلية، عام ١٨٤٧، واستولى على السلطة، وقام بالإطاحة وقتل الرئيس ويليام تولبرت الابن، كما أعدم دو وأنصاره لاحقاً غالبية وزراء تولبرت ومسؤولين آخرين في الحكومة الليبيرية الأمريكية وأعضاء من حزب ترو ويغ، وهو حزب خاص يالليبيريين الأمريكيين، وشكل دو مع قادة الانقلاب مجلس خلاص الشعب لحكم البلاد.
اندلعت الحرب الأهلية في ليبيريا أواخر العام 1989 ومطلع العام ١٩٩٠، بين قوات حكومة صامويل دو، والجبهة الوطنية الليبيرية، التي تشكلت كمجموعة معارضة بزعامة تشارلز تايلور، وهو مسؤول حكومي سابق.
بدأ تايلور صراعه مع دو في ديسمبر ١٩٨٩، بدعم من دول مجاورة، بوركينا فاسو وكوت ديفوار، ودخلت البلاد حرباً أهلية استمرت حتى العام ١٩٩٦، قتل فيها صامويل دو في سبتمبر ١٩٩٠، حيث ألقي القبض عليه من قبل المتمردين بزعامة تايلور، وتم إعدامه، لكن الحرب الأهلية استمرت.
وفي ١٩٩٥ توصلت أطراف النزاع إلى اتفاق سلام، وتم تنظيم انتخابات عامة فاز فيها تايلور برئاسة ليبيريا، واعتبرت انتخابات مزورة، وكانت فاتورة الحرب الأهلية الأولى باهظة، إذ قدر عدد القتلى في تلك الحرب بـ٢٠٠ ألف ليبيري، معظمهم من المدنيين، وتشريد قرابة مليون ليبيري إلى مخيمات لجوء في دول الجوار.
الحرب الأهلية الثانية:
بحلول عام 1999، بدأت الحرب الأهلية الثانية في ليبيريا، بقيام منشقين ليبيريين مهاجرين تشكلوا تحت اسم منظمة الليبيريين المتحدين من أجل المصالحة والديمقراطية، تدعمهم غينيا، بشن الحرب على نظام تايلور.
شهدت تلك الفترة انضمام مختلف الجماعات المنشقة في إطار منظمة الليبيريين المتحدين، وقاموا بغزو ليبيريا انطلاقاً من غينيا، وبدعم عسكري ومالي منها، واندلعت المواجهات بين المنظمة ومقاتلين موالين لتايلور قام بتشكيلهم، ونشرهم، واستخدم تايلور في المواجهة مقاتلي الجبهة الوطنية الليبيرية، وهي تشكيل غير نظامي، إضافة إلى وحدات قتالية أخرى، أبرزها وحدة مكافحة الإرهاب.
اُنهك نظام تايلور نتيجة عوامل تشكلت معاً، أبرزها هجمات المتمردين على العاصمة مونروفيا، والعقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على نظامه بسبب تدخله في الحرب الأهلية في سيراليون، وأدت تلك العوامل مجتمعة في أغسطس ٢٠٠٣، إلى إعلان الرئيس الليبيري تشارلز تايلور تخليه عن السلطة، وغادر إلى نيجيريا.
وفى 18 أغسطس 2003، وقعت الأطراف الليبيرية اتفاق سلام شاملاً في أكرا عاصمة غانا. وبمقتضى هذا الاتفاق طلبت الأطراف المختلفة من الأمم المتحدة نشر قوة حفظ سلام في ليبيريا بمقتضى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، لدعم الحكومة الانتقالية الوطنية لليبيريا.
وفي نوفمبر ٢٠٠٥ شهدت البلاد انتخابات ديمقراطية تحت إشراف دولي، وفازت برئاسة البلاد إلين جونسون سيرليف، وهي اقتصادية من متدربي جامعة هارفارد، ووزيرة سابقة للمالية، كأول رئيسة في أفريقيا، ومنذ ذلك الوقت تعيش ليبيريا في سلام واستقرار كبير وتعاقب وتبادل للحكومات.
حوادث مأساوية بين الحين والأخر:
منذ فترة ليست بالكبيرة وخاصة بعد انتشار الجماعات المسلحة والإرهابية في دول الساحل وغرب إفريقيا، بدأت ليبيريا تشهد بين الحين والآخر وقوع حوادث مأساوية، ففي، 18 سبتمبر 2019، قٌتل أكثر من 26 طفلاً إثر اندلاع حريق في مدرسة بضاحية باينزفيل، شمال العاصمة الليبيرية مونروڤيا، أشارت بعض التقارير إلى مقتل نحو 26 طفلاً على الأقل، إثر الحريق، ويقال إن المدرسة تابعة لإحدى البعثات الإسلامية، وهي لتحفيظ القرآن.
والآن وبعد مرور عامين وقعت حادثة جديدة، وقٌتل على الأقل 30 شخصاً بسبب التدافع خلال تجمع ديني نظمه كبير القساوسة أبراهام كروماه، في ملعب لكرة القدم بأحد المدارس، حدث هذا التدافع والهلع إثر قيام مسلحين مجهولين باستهداف الحشد الديني في قرية نيو كرو غربي ليبيريا، حيث طالب المعتدون المصلين بتسليم متعلقاتهم الشخصية.
وتشير القنوات الإخبارية المحلية لاستخدام المسلحين مناجل وبعض الأسلحة الفتاكة، ومن بين القتلى 17 امرأة و11 طفلاً و3 رجال.
وهنا نقف أمام العديد من التساؤلات والاحتمالات، هل تسعى قوى دولية أو إقليمية لاجترار ليبيريا إلى حرب أهلية أخرى من خلال إشعال الفتن أو إثارة سخط الشعب بشأن الحوادث المتكررة؟ هل نشطت قوى تمردية جديدة مدعومة من أطراف خارجية للإطاحة بالنظام؟ هل سنرى توغلاً للإرهاب في ليبيريا كما رأينا في دول الساحل وغرب إفريقيا، أم أن الهجوم الأخير هو مجرد هجوم لجماعات ترغب في السرقة ليس إلا، أم أن أنها حوادث عادية كالتي تحدث في الدول الأخرى؟ للأسف لا يمكننا تأكيد أو نفي أي من هذه التساؤلات والاحتمالات فليس هناك شيء واضح نستطع أن نعول عليه.
لذا تبقى التساؤلات مفتوحة متروكة رهناً للأيام لتجيب عنها وتظهر ما هو مخفي.