الأسد يعود تدريجياً إلى الحضن العربي.. لكن الحرب السورية لم تنته

الأسد يعود تدريجياً إلى الحضن العربي.. لكن الحرب السورية لم تنته

بعد 12 عاماً من عزلة دبلوماسية فُرضت على دمشق، تفتح دول عربية عدة على رأسها السعودية ذراعيها مجدداً لعودة العلاقات ما يمهد لعودة سوريا إلى الحضن العربي برغم إشكالية أن الحرب وتداعياتها لم تنتهِ بعد.

واستقبلت السعودية، الأربعاء، وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في أول زيارة رسمية إلى المملكة منذ بدء النزاع، وتأتي الزيارة قبل اجتماع يعقد في السعودية الجمعة ويجمع دول مجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر والعراق على جدول أعماله عودة سوريا إلى الجامعة العربية بعدما علقت عضويتها فيها منذ 2011، وقبل شهر تقريباً من انعقاد قمة عربية في السعودية، وفق وكالة "فرانس برس".

ويتزامن هذا مع تغيّر الخارطة السياسية في المنطقة بعد الاتفاق السعودي-الإيراني الذي أعلن عنه الشهر الماضي.

منذ بداية النزاع في سوريا، قطعت دول عربية على رأسها السعودية علاقتها مع دمشق وسحبت سفراءها منها، وقدم عدد منها دعماً للمعارضة المسلحة والسياسية، وخلال قمة عربية في عام 2013، شارك وفد من الائتلاف السوري المعارض الاجتماعات في الدوحة بوصفه "ممثلاً" للشعب السوري.

وخلال 12 عاماً، قتل أكثر من نصف مليون شخص وتشرّد أكثر من نصف سكان سوريا داخل البلاد وخارجها، وتحولت البلاد إلى ساحة تصفية حسابات بين قوى إقليمية ودولية، وترك كل ذلك أثره على الاقتصاد المتعب، لكن الأسد الذي يتطلع اليوم إلى أموال إعادة الإعمار، بقي في قصره الرئاسي، وقد استعادت قواته غالبية المناطق التي كانت خسرتها في بداية النزاع بدعم من حليفيه الأساسيين: روسيا وإيران.

عقبات الاستثمار والحل السياسي 

وبرزت أولى مؤشرات الانفتاح العربي على دمشق في 2018 مع استئناف العلاقات بين سوريا والإمارات العربية المتحدة، وشكّل الزلزال المدمّر الذي ضرب سوريا وتركيا في فبراير نقطة تحوّل لافتة، فقد تلقى الأسد سيل اتصالات من قادة دول عربيّة، حتى إن السعودية أرسلت طائرات مساعدات كانت الأولى من نوعها منذ قطع علاقاتها مع دمشق.

ويعد استقطاب أموال مرحلة إعادة الإعمار أولوية للنظام السوري اليوم بعدما أتت الحرب على البنى التحتية والمصانع والإنتاج.

وفيما يدرك الأسد أن الحصول على أموال المجتمع الدولي صعب خارج تسوية سياسية، يعلّق آمالا ربما على دول الخليج.

ولا شكّ أن الانفتاح الخليجي من شأنه أن يفعّل الحركة التجارية والاقتصادية في سوريا إلى حدّ ما، لكنّ عقبات عدة تعوق أي إعمار حقيقي، وبينها العقوبات الأمريكية والغربية المفروضة على سوريا.

كما "يعد أي استثمار جدّي في سوريا اليوم مغامرة، فالاقتصاد مدمر، ويطغى عليه الفساد إلى حد الفوضى، ويسيطر عليه نظام خطير وعنيف"، على حدّ تعبيره.

وتفرض الدول العربية أيضاً عقوبات على سوريا تشمل تجميد المبادلات التجارية مع الحكومة السورية وتجميد حسابات الحكومة السورية المصرفية في الدول العربية، ومن المرجح رفع تلك العقوبات في حال عادت دمشق إلى الحضن العربي، لكن تأثير ذلك يبقى محدودا إذا بقيت البلاد تحت تأثير العقوبات الغربية.

ويرى الباحث في الشأن السوري سام هيلر أن الانفتاح على سوريا يعني أيضاً "المزيد من التعاون الأمني وخصوصاً في مجال مكافحة تهريب المخدرات"، أحد أكبر مصادر القلق بالنسبة إلى السعودية خصوصاً لناحية حبوب الكبتاغون المصنعة بشكل رئيسي في سوريا والتي تجد سوقا كبيرة لها في السعودية، وفق تقارير مختلفة، وقد تطرّق بيان مشترك صدر إثر لقاء وزيري الخارجية السعودي والسوري الأربعاء إلى مسألة تهريب المخدرات.

ومن شأن هذا التقارب أيضاً، وفق هيلر، "أن يقلّل من أهمية المفاوضات السورية السورية في جنيف"، مشيرا الى أن الحكومة السورية "ترفض أصلا الاعتراف بممثلي المعارضة مصرة على التفاوض على مستوى الدول" الداعمة لها.

ويضيف: "لذلك فإن الاتفاق مع السعودية ودول أخرى هو ما أرادته دمشق بالتحديد".

وفشلت جولات مفاوضات عدة بين النظام والمعارضة قادتها الأمم المتحدة في جنيف، في محاولة لإرساء تسوية سياسية.

ويقول الباحث في الشأن السوري في مركز "سنتشوري انترناشونال" آرون لوند: "لا أعتقد أن هناك حلاً سياسياً لسوريا على الطاولة، وأساساً لم يكن هناك حل، كما أنه ليس هناك حل عسكري" جراء انتشار قوى من دول عدة فيها".

مظالم كثيرة

قد لا تغيّر عودة سوريا إلى الحضن العربي الخارطة السياسية والميدانية على المدى القريب، إذ هناك أطراف أخرى يجب أخذها بالحسبان، من روسيا وإيران إلى الولايات المتحدة التي تنشر قوات في سوريا دعماً للمقاتلين الأكراد، إلى تركيا التي تسيطر على مناطق حدودية.

ويقول لوند: "سوريا كدولة تغيّرت بطرق لا عودة فيها لمجرد أن نحو ربع سكان (ما قبل الحرب) يراقبون عودة الأسد إلى الحضن العربي من المنفى".

ويتحدث ناشطون صدحت أصواتهم ضد النظام في سوريا عن "خيبة أمل متوقعة" من الدول العربية.

ويقول المعارض السوري والرئيس التنفيذي للمركز السوري للعدالة والمساءلة محمّد العبدالله: "عودة الأسد إلى الجامعة العربية، وإن كانت مؤسفة، تظهر وكأنه يجري ضبط المنطقة العربية لإعادتها إلى ما كانت عليه قبل 2011".

ويضيف: "لكن ذلك لن ينجح لأنه ببساطة مبني على مظالم كثيرة: اللاجئون والنازحون والمفقودون والمعتقلون".

وتستضيف السعودية، الجمعة، اجتماعًا لتبادل وجهات النظر بشأن عودة سوريا إلى الحاضنة العربية، في خضمّ تحرّكات دبلوماسية إقليمية كبرى يتغيّر معها المشهد السياسي في المنطقة منذ اتفاق الرياض وطهران على استئناف العلاقات الشهر الماضي.

ويُعقد اجتماع دول مجلس التعاون الخليجي في مدينة جدّة وتشارك فيه أيضًا مصر والعراق والأردن للبحث في مسألة عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية بعد تعليق عضويتها منذ 2012، قبل نحو شهر من انعقاد القمة العربية في السعودية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية