الصحافة الليبية تعاني الأمرَّين بين الفوضى الأمنية والمليشيات المسلحة
في يومها العالمي
تكابد الصحافة الليبية الأمرين وسط موجة من فوضى المليشيات المسلحة ومطامع الاستيلاء على السلطة على مدى أكثر من عشرية كاملة.
وعقب نحو عقد من الزمان على سقوط الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي (1970- 2011) وانتهاء سيطرة نظامه القمعي على الإعلام وحرية تداول المعلومات، لا تزال الصحافة في خطر.
ومنذ عام 2011 تشهد الدولة الليبية حالة انفلات أمني بسبب مطامع بعض الفصائل للاستيلاء على السلطة والتدخلات الأجنبية وانتشار المليشيات المسلحة.
وبخلاف ذلك، تعيش ليبيا انقسامًا سياسيًا وصراعًا على السلطة بين حكومتي فتحي باشاغا التي كلّفها مجلس النواب مطلع مارس 2022، وحكومة "الوحدة الوطنية" التي يرأسها عبدالحميد الدبيبة، وترفض تسليم السلطة إلا لحكومة تأتي عبر برلمان منتخب.
وتحتفل الأمم المتحدة، باليوم العالمي لحرية الصحافة في 3 مايو من كل عام، لتسليط الضوء على التحديات المتصلة بوسائل الإعلام والتهديدات التي تقوض ثقة الجمهور نتيجة الرقابة والهجمات على الصحفيين.
الأمن والاستقرار
ووفق تقرير عام 2022 لمنظمة "مراسلون بلا حدود" (غير حكومية مقرها باريس)، تراجعت ليبيا في التصنيف العالمي لحرية الصحافة من المرتبة 164 في عام 2021 إلى المرتبة 167 في عام 2022.
وحصلت ليبيا على مؤشر حرية الصحافة لعام 2022 بنسبة 65.00 من 100 وهذا يدل على وضع يقع بين "منتصف ضعيف" و"سيئ".
ويعاني الصحفيون في ليبيا انتهاكات عديدة أبرزها القتل والإصابة بالرصاص والاعتقال والاحتجاز القسري والتهديد بارتكاب العنف والتحريض والحجب الإعلامي، إضافة إلى ضغوط سياسية ومالية.
وتواجه الصحافة في ليبيا حزمة من التحديات، يأتي منها هشاشة الأمن والاستقرار السياسي وضعف الأداء الحكومي والتحكم القمعي في الإعلام، إضافة إلى الصعوبات الأمنية والعنف والتحريض وصعوبة الحصول على المعلومات وخطورة تغطية الأحداث.
وكشفت تقارير حقوقية عن الأوضاع السيئة التي يعانيها الصحفيون في ليبيا، مطالبين حكومة البلد العربي باتخاذ خطوات لتحسين وتعزيز حرية الصحافة وحماية الصحفيين وضمان الوصول إلى المعلومات.
تحديات وعراقيل
بدوره، قال، الصحفي والناشط الحقوقي الليبي خالد البرغثي، إن بلاده تفتقد إلى قوانين واضحة تحمي حرية الصحافة وتحد من التدخل الحكومي والقضائي في العمل الإعلامي.
وأوضح البرغثي، وهو يعمل على تغطية قضايا حقوق الإنسان والفساد والانتهاكات في ليبيا، أن بيئة العمل الإعلامي تعاني تدهور البنية التحتية للإعلام والصحافة، وعدم توفر الموارد اللازمة لدعم وتطوير الصحافة وتحسين جودة الإعلام.
وأضاف في تصريح لـ"جسور بوست" أن الثورة الليبية وإسقاط حكم القذافي أسهم في تفشي ظاهرة الفساد والرشوة في بعض وسائل الإعلام، الأمر الذي انعكس على مصداقية الصحافة ما دفع السلطات لوضع قيود صارمة على حريتها، لا سيما بعد انتشار الأخبار الزائفة والمضللة على وسائل التواصل الاجتماعي.
وأكد أن الصراعات السياسية والعسكرية والتحديات الأمنية الأخرى التي تعانيها ليبيا منذ سنوات طويلة، تسببت في التأثير سلباً على حرية الصحافة والحد من قدرة الصحفيين على العمل بحرية وأمان.
وتابع: "ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في ليبيا، تسبب أيضاً في وضع العراقيل أمام الصحفيين في الحصول على الدعم المالي اللازم لتمكينهم من العمل بحرية وكفاءة، إضافة إلى تزايد الضغوط والتهديدات الموجهة إلى الصحفيين من قبل بعض الجماعات المسلحة والأطراف المتنازعة في البلاد، والتي تريد توجيه الإعلام والصحافة وفق أجنداتها الخاصة".
دعم وتمويل
ودفعت أوضاع الصحافة في ليبيا، العديد من المنظمات الدولية للعمل على دعم حرية الإعلام هناك، إذ كرست معظم جهودها لتقديم الدعم والمساعدة للصحفيين في ليبيا، من خلال توفير التدريب والتمويل والموارد اللازمة للعمل الصحفي.
بدورها، أوضحت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا (رسمية) أن الصحفيين يتعرضون لاعتداءات وانتهاكات عديدة ما بين جرائم الاختطاف والاعتقال التعسفي والإخفاء القسري من قبل الجماعات والتشكيلات المسلحة في ظل استمرار حالة الانفلات الأمني التي تمر بها البلاد، بعد انهيار الأجهزة الأمنية وضعف منظومة العدالة التي باتت عاجزة عن ملاحقة الجُناة ومحاسبتهم.
وأضافت اللجنة في تقريرها "أنه حتى لو تم توثيق الجرائم ضدّ المليشيات والجماعات المسلحة مجهولة الهوية، لا تستطيع الأجهزة الأمنية اتخاذ موقف ضد هذه الانتهاكات أو التجاوزات بسبب سطوة وهمجية الجماعات المسلحة ذات التوجهات الأيديولوجية الراديكالية أو السياسية أو القبلية".
ومؤخرا وجهت السفارة الأمريكية لدى طرابلس، الدعوة للسلطات الليبية بضرورة حماية الصحفيين وحرية التعبير، لا سيما وأن الصحفيين يخاطرون بحياتهم لإعلام الجمهور وإخضاع الحكومات للمساءلة.
إجهاض الآمال
وعلى مدى سنوات واجه الكثير من الصحفيين ضغوطا خلال حرب الدعاية بين حكومة الوفاق الوطني، التي كان معترفا بها من الأمم المتحدة وحكومة موازية في شرق البلاد موالية للمشير خليفة حفتر.
وخلال هذه الأحداث الدامية، دفع الصحفيون الليبيون ثمنا باهظا، إذ قُتل أكثر من 25 صحفيا مع "إفلات تام من العقاب" خلال العشرية الأخيرة، وفق منظمة "مراسلون بلا حدود".
ورغم أن عهد ما بعد إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، حمل آمالا عريضة في المجتمع بشكل عام والإعلام بشكل خاص على منح مساحات من العمل العام أكثر حرية بعد انهيار نظام سلطوي حكم لأربعة عقود، ما دفع إلى ظهور عشرات الصحف والقنوات المستقلة، لكن سنوات الفوضى والحرب أجبرت كثيرا منها على الإغلاق أو مغادرة البلاد، فيما بات الوضع حاليا أكثر تعقيدا، حيث تسود الرقابة القمعية المشددة على مختلف وسائل الإعلام.