المياه الافتراضية.. الأداة والحل!!
المياه الافتراضية.. الأداة والحل!!
كتب - باسم ثروت
تتوالى التحذيرات من تزايد حدة أزمة المياه في العالم وتثير التخوف من المستقبل، وما قد تحدثه مثل هذه الأزمات من صراعات قد تؤدي لحروب أخرى.
توقع تقرير عن البنك الدولي زيادة عدد سكان الأرض بحلول عام 2050 إلى 9,7مليار نسمة، ما يعني ازدياد عدد الدول التي قد تدخل حيز الفقر المائي (1000متر مكعب \سنة) والفقر المائي المدقع (500 متر مكعب \سنة)، وينظر ذلك بحدوث صراعات دولية حول المياه، خصوصاً حول تلك المياه العابرة للحدود.
لذلك تُبذل العديد من المساعي لمواجهة جميع هذه التحديات، سواء عن طريق التكنولوجيا الحديثة أو الإدارة المتكاملة لمصادر المياه أو توفير المياه بشكل أو بآخر، ومن أحد الحلول التي كانت محل جدل في السنوات الأخيرة السياسات التي تبنتها الدول التي تعاني من فقر مائي باستيراد المحاصيل المستهلكة للكميات الكبيرة في زراعتها، وتصدير المحاصيل التي لا تحتاج لمياه الري الكثيفة، ومن هنا ظهر مفهوم المياه الافتراضية.
ما هي المياه الافتراضية ومن أين أتى هذا المفهوم؟
تعود نشأة هذا المفهوم للعالم السويدي "جون أنتونى ألان" البروفيسور بجامعة كنجز في لندن قسم الدراسات الشرقية والإفريقية عام 1993، حيث قام باستحداث مفهوم المياه الافتراضية، وحصل على أساسه في عام 2008 على جائزة ستوكهولم للمياه، وهي جائزة تقدم سنوياً من مؤسسة ستوكهولم للمياه الدولية للمشاريع والأبحاث التي تسهم في تقليص أزمة نقص المياه.
تعرف المياه الافتراضية بأنها المحتوى المائي في أي منتج، وعليه فإن المياه الافتراضية المصدرة من دولة ما، ما هي إلا تلك المياه التي يحتوي عليها المنتج أو البضائع المصدرة من هذا الدولة.
ومن منظور أشمل، هي كمية المياه الداخلة في إنتاج الأغذية أو المنتجات أي يشمل كمية المياه المستخدمة في كل مراحل إنتاج المنتج واعتبارها موارد مائية، والمياه الافتراضية يتم استيرادها وتصديرها من خلال السلع المختلفة.
تُري، كيف يمكن أن تساهم المياه الافتراضية في حل أزمة دولة تعاني من الفقر المائي؟
يمكن للدول التي تعاني من الفقر أو الشح أن تقلل من زراعة المحاصيل الكثيفة في استخدام المياه، وتعتمد على استيرادها من الدول ذات الوفرة المائية، وبهذه الطريقة تحقق الدول المستوردة توفيراً في المياه من خلال تجارة المياه الافتراضية، والجدير بالذكر أن منطقتنا منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعتمد اعتماداً كبيراً على المياه الافتراضية لتغذية سكانها المتزايد عددهم بسرعة.
وباستخدام هذا المفهوم من قبل دول الفقر المائي ستزيد كفاءة استخدام المياه على مستوى العالم، حيث إن الدول التي تعاني من فقر أو ندرة المياه من الممكن أن تقوم باستيراد السلع المرتفعة نسبياً في استهلاك المياه، وعليه فهي تعظم قيمة المياه المحدودة التي لديها، وبهذه الطريقة تحقق الدولة المستوردة وفراً في المياه الحقيقية لتخفيف الضغط على مواردها المائية وفى نفس الوقت يمكن استخدام هذا الوفر في أغراض واستخدامات أخرى ذات إنتاجية مرتفعة أي تولد قيمة مضاعفة أكبر لكل وحدة مياه.
مميزات وعيوب المياه الافتراضية:
تحقق الوفر المائي على المستوى المحلى من خلال استيراد السلع الأكثر استهلاكاً للمياه عن إنتاجها محلياً، ويمكن تحقيق الكفاءة في استخدام المياه على المستوى العالمي عن طريق ما يسمى بتجارة المياه الافتراضية، فإذا كانت المياه عنصراً نادراً في الدولة، فقد يكون أكثر رشادة استيراد المياه من خلال استيراد الغذاء بدلاً من استخدام عنصر المياه النادر.
تحقيق الأمن الغذائي للدولة، حيث يمكن النظر للمياه الافتراضية باعتبارها خياراً متاحاً لمواجهة التحدي في توفير الأمن الغذائي الذي يرتبط إلى حد كبير بالأمن المائي عن طريق تجارة المياه الافتراضية، حيث يمكن للدولة تحقيق الأمن الغذائي على الرغم من ندرة مواردها المائية المحلية.
الحد من إمكانية حدوث حروب على المياه سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، حيث إن زيادة الطلب على المياه في ظل محدودية الموارد المائية سوف يؤدي إلى صراع على المياه على المستوى الإقليمي أو الدولي، أي بين الدول وبعضها، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك العديد من الدول التي تحصل على نسبة كبيرة من مياهها من خارج حدودها.
لذلك قد يساعد مفهوم تجارة المياه الافتراضية في تخفيف الضغط على الموارد المائية المحلية، أما المستوى الإقليمي أو الدولي، فيمكن النظر إلى تجارة المياه الافتراضية باعتبارها أداة تعاون وتبادل واتصال بين الدول بدلاً من اعتبارها أداة للصراع.
لكن كل شيء في هذا العالم له جانب إيجابي وآخر سلبي، أما عن الجانب السلبي قد تستخدم المياه الافتراضية من قبل الدول صاحبة الوفرة المائية التي تنتج المنتجات عالية الاستهلاك المائي كأداة ضغط سياسية على الدول صاحبة الفقر المائي التي تعتمد في سد عجزها المائي على هذه المنتجات.
إجمالاً.. قد تكون المياه الافتراضية هي الحل لأزمة الفقر أو الشح المائي لو التزم النظام السياسي العالمي بممارسة السياسة الأخلاقية التي تبعد كل البعد عن استخدام حقوق الإنسان الأساسية كالماء والغذاء والهواء في الصراعات وتحقيق المصالح سواء بطريقة مباشرة أو عن طريق استخدامهم كورقة ضغط، فإذا عزم المجتمع الدولي على حل أزمة الفقر المائي عليه بالتفكير في المياه الافتراضية وكيف يمكن تبادلها بشكل ليس فيه أي نوع من أنواع المصالح أو العبث.