خبراء عرب: رئاسة سلطان الجابر لقمة المناخ "فرصة ذهبية" لحلحلة القضية
وسط انتقادات لازدواجية المعايير الغربية في القضايا المناخية
بمطالب أمريكية وأوروبية لا تخلو من أغراض سياسية، بات الإماراتي سلطان الجابر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة والرئيس المعين لمؤتمر الأطراف "COP 28"، في مرمى نيران الانتقادات الدولية.
ومؤخرا، دعا أعضاء من الكونغرس الأمريكي والبرلمان الأوروبي، إلى إقالة الرئيس المعين لقمّة المناخ كوب 28، في حملة وُصفت بـ"الشرسة" بدعوى أنه يهدد نزاهة المفاوضات.
وعزا المطالبون بإقالة الجابر أسباب ذلك إلى ترؤسه إحدى أكبر شركات النفط في العالم، ما قد يؤدي -بحسب زعمهم- إلى تضارب في المصالح، فيما يرى آخرون أن الجمع بين الأمرين يؤدي قطعا إلى المساهمة في تقديم نهج واقعي وعملي وبراجماتي لقضايا التغير المناخي.
وتعد إدارة محادثات المناخ العالمية مهمة معقدة التفاعلات، لا سيما في ظل ارتباطها المتشعب بقضايا سياسية واقتصادية ومالية حساسة، وعدم التزام الدول المتقدمة بمسؤوليتها تجاه التغيرات المناخية.
وفي مطلع عام 2023، عيّنت الإمارات، بصفتها الدولة المضيفة لقمة المناخ، سلطان الجابر لقيادة مؤتمر الأطراف "كوب 28" والذي سيعقد في دبي شهر نوفمبر المقبل.
وسلطان الجابر (50 عاما) حاصل على دكتوراه في الأعمال والاقتصاد عام 2007، وأحد أبرز الوجوه لقطاع الطاقة في الإمارات، وحائز جائزة الأمم المتحدة "بطل الأرض" في عام 2012.
كما حاز وسام امتياز الإمبراطورية البريطانية CBE من الملكة إليزابيث الثانية في عام 2013، ثم جائزة أفضل إنجاز شخصي في قطاع الطاقة عام 2019 من ناريندرا مودي، رئيس وزراء جمهورية الهند، تقديراً لمساهمته البارزة في قطاع الطاقة وتعزيز جسور وعلاقات التعاون مع الاقتصادات الآسيوية الناشئة وتجديد نماذج العمل التقليدية في شركات الطاقة.
وللجابر باع طويل في قطاع الطاقة المتجددة، كما أن مهمته على رأس شركة بترول أبوظبي الوطنية "أدنوك" تشمل التحول إلى الطاقة المستدامة وتحصين الشركة للمستقبل.
ويرى الكثيرون أن الجابر مؤهل لقيادة قمة الأمم المتحدة للمناخ، انطلاقا من ضرورة مشاركة شركات الطاقة في المفاوضات المتعلقة بقضايا التغيرات المناخية.
وحذر مراقبون آخرون من أن تشويه سمعة الشركات وتجاهلها سيتسبب في عرقلة آليات انتقال الطاقة أو التحول إلى الطاقة المستدامة، والذي يمثل تغييرًا جذرياً في عملية إنتاج الطاقة بالعالم.
ازدواجية فاضحة
بمقولة الشاعر أحمد شوقي "برز الثَعلَبُ يوماً في ثياب الواعظين" رأى مستشار برنامج المناخ العالمي وأمين اتحاد خبراء البيئة العرب الدكتور مجدي علام، أن المطالب الأمريكية والأوروبية بإزاحة سلطان الجابر من قيادة قمة المناخ المقبلة تنم عن تناقضات وازدواجية واضحة.
وأوضح علام في تصريح لـ"جسور بوست" أن ممارسات الولايات المتحدة وأوروبا أدت إلى إفساد المناخ والغلاف الجوي بسبب الثورة الصناعية التي استمرت 450 عاما في حرق الوقود الأحفوري.
وأضاف: "الدول الصناعية الكبرى هي التي تسببت في إحراق المناخ قبل ظهور البترول في المنطقة العربية بمئات السنين، وفي نهاية المطاف احتكرت التكنولوجيا النظيفة ورفضت تقديم تعويضات أو قروض ميسرة لمساعدة الدول المتضررة على التكيف مع آثار التغيرات المناخية".
وأكد أمين اتحاد خبراء البيئة العرب أن "المنطقة العربية غير منتجة للانبعاثات الكربونية بعكس الولايات المتحدة ودول أوروبا والصين والهند واليابان، ومع ذلك تسعى جاهدة إلى إيجاد حلول واقعية للأزمة الكارثية المسماة بالتغيرات المناخية".
ودلل علام على حديثه قائلا: "منذ مئات السنين اتجهت الدول الكبرى إلى قطع أشجار الغابات حتى تصنع منها مدافئ للمواطنين الأوروبيين، واستخدموا الفحم كوقود للقطارات والسيارات، وبالتالي فإن مطالبهم بإقالة سلطان الجابر تحمل من الصلف والتبجح ما يكفيها".
وأضاف: "نتطلع لأن تخرج قمة الأمم المتحدة للمناخ المنعقدة في نوفمبر المقبل بدولة الإمارات بقرارات وتوصيات ناجزة لحسم الآثار السلبية وانعدام العدالة المناخية بالعالم".
الازدواجية الغربية
وقال الكاتب السعودي المتخصص في مجال الطاقة، محمد الضبعي، إن شركات الطاقة سواء في الدول المنتجة أو المصدرة هي من يقود التحول للطاقة المتجددة في العالم.
وأوضح الضبعي لـ"جسور بوست" أن تلك الشركات هي من تدرك جيدًا احتياجات العالم والموازنة بين العرض والطلب وتحقيق المزيج المثالي بين المصادر الأحفورية والمتجددة لتحقيق أمن الطاقة العالمي.
وأضاف: "كما أن شركات الطاقة تقود أيضا المبادرات لإيجاد تقنيات تجعل من مصادر الطاقة الأحفورية أكثر صداقة للبيئة".
وأفاد الضبعي بناء على ذلك بأن الدعوات إلى إزاحة سلطان جابر من رئاسة cop28 بحجة انتمائه لشركة نفطية دعوات غير منطقية، وهي امتداد للتخبط الغربي وعدم المنطقية في قضايا الطاقة، الأمر الذي وضع دولهم في مآزق كثيرة وعدم وضوح في رؤية مستقبل الطاقة بسبب الانسياق خلف دعوات مناصري البيئة دون النظر إلى الأبعاد التنموية والاقتصادية ومصالح الشعوب.
وتابع: "ازدواجية المعايير الغربية في قضايا الطاقة والمناخ بشكل عام وصلت إلى مرحلة النفاق، كما تسببت أزمات الطاقة الأخيرة في إسقاط الأقنعة عن قادة الغرب".
ومضى قائلا: "رغم النجاح الطفيف في خفض الانبعاثات الكربونية في أوروبا، فإنها لم تساعد الاقتصادات النامية في خفض انبعاثاتها بل العكس كانت أسواق الغرب المستهلك الأكبر للمنتجات الصينية والهندية ذات الانبعاثات الكثيفة".
وزاد الضبعي موضحا: "الاستثمارات الغربية في هذه الدول زادت من فداحة الأمر، أي أن الغرب وإن نجح جزئيا في خفض الانبعاثات في القارة العجوز إلا أنه ساهم في زيادتها على مستوى الكوكب".
وأشار الضبعي إلى أن الأزمة الروسية الأوكرانية جسدت ازدواجية معايير الغرب عندما وضع أمن الطاقة على المحك لتبدي الدول استعدادًا لنقض أي اتفاقية وإعادة الاستثمار في الغاز إلى المشهد.
وقال: "لا شيء لديهم أكثر أولوية من الرفاهية أو من أرقام الناتج المحلي، ويبين ذلك أرقام الاستثمارات في الطاقة الخضراء التي شهدت انخفاضًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة".
واختتم حديثه، مؤكدا أن "الأحداث أظهرت أن تشدق الغرب ومناداتهم بإجراءات تحد من التغير المناخي يسقط إذا تعارض مع رفاهيتهم، وإذا أثر على شعبية الحكومات عند الناخبين".
فرصة ذهبية
ومن جانبه، وصف الخبير المصري في السياسات المناخية حسام الدين محمود، اختيار سلطان الجابر لقيادة مؤتمر الأطراف كوب 28 بـ"الفرصة الذهبية" لإشراك شركات النفط في صناعة القرار المناخي العالمي.
وأوضح محمود لـ"جسور بوست" أن الجابر يملك سجلًا حافلًا في مجال الطاقة، ويمكن أن يكون ذلك هو واحد من الأسباب الرئيسية لاختياره لرئاسة قمة المناخ المنعقدة في نوفمبر المقبل بالإمارات.
وقال: "الطرح الأمريكي في إقالة الرئيس المعين لقمّة المناخ غير منطقي، لا سيما أن دور رئيس القمة يتمثل في صياغة القرارات ورفع التوصيات وتنظيم الأعمال بين الدول المشاركة وتحسين مناخ التفاوض".
وأضاف: "كان الأولى بالأصوات الأمريكية والأوروبية المطالبة بإزاحة سلطان الجابر أن تطالب بوضع بنود تضمن التزام شركات النفط وشركات الوقود الأحفوري بتحديد جدول زمني لتنفيذ مخرجات قمة المناخ".
وأوضح أن "وجود رئيس إحدى أكبر شركات النفط في العالم على رأس قمة المناخ، من شأنه أن يمثل عاملا إيجابيا في صناعة القرار العالمي، بشأن خفض الانبعاثات الكربونية والاستخدام الأمثل للطاقة المتجددة".
وأشار الخبير المصري إلى أن المنطقة العربية بالكامل، وفي مقدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة، تبدي منذ أكثر من عقدين اهتماما كبيرا بقضايا المناخ، رغم أنها غير باعثة للكربون، بعكس الدول المتقدمة التي ساهمت في تفجير الأزمة العالمية والانفجار المناخي الذي بات يهدد العالم.
وتابع: "كان الأفضل من طرح إقالة الرئيس المعين لقمّة المناخ، أن تلتزم الدول المتقدمة بتعهداتها وتقديم 100 مليار دولار لتعويض الدول النامية المتضررة ومساعدتها على التكيف مع ظواهر التغير المناخي".
واختتم قائلا: "أظن أن مشاركة شركات النفط العالمية في قمة المناخ المقبلة، من شأنها حلحلة القضية وطرح رؤى أكثر تقدمية وإنجازية وواقعية فيما يتعلق بالتغيرات المناخية".
وتأتي قمة المناخ المقبلة في ظرف دولي بالغ التعقيد، مع تراجع كثير من الدول عن تعهداتها المناخية في سبيل تحقيق أمن الطاقة لمواطنيها، في ظل استمرار الأزمة الروسية الأوكرانية، والتي تلقي بظلالها على كثير من دول العالم.