دجلة المتنفس الوحيد لسكان بغداد في صيف حارق.. لكنه أيضاً يعاني
دجلة المتنفس الوحيد لسكان بغداد في صيف حارق.. لكنه أيضاً يعاني
الحرارة المرتفعة وانقطاع الكهرباء والماء عن البيوت في ظلّ صيف بغداد الحارق، لا يدعان متنفسًا أمام الشباب مثل وسام عبد، سوى نهر دجلة، لكن حتى هذا النهر التاريخي يصارع الجفاف.
تحت شمس حارقة وهواء جافّ يلفح المراكب القليلة التي تعبر النهر، جاء وسام عبد بعد الظهر للسباحة في نهر دجلة في منطقة الأعظمية في بغداد، هرباً من انقطاع الكهرباء والماء في منزله، بحسب فرانس برس.
لكن بدل أن يسبح، تعين على الشاب أن يسير من الشاطئ وحتى منتصف النهر بسبب انخفاض مستوى المياه.
في أطراف أخرى من النهر، المياه فيها أعمق، تنافس شبّان على القفز من أعلى صخرة إلى المياه ليسبحوا فيها، لكن في مواقع أخرى تطفو مساحات من اليابسة على وجه المياه الضحلة.
يقول وسام البالغ من العمر 37 عاماً وقد بلغ مستوى المياه حتى خاصرته: "أنا أعيش هنا في الأعظمية أباً عن جدّ، والمياه تنحسر كل عام.. لقد عبرت سيراً على الأقدام".
ويروي الشاب أنه يأتي إلى النهر "للتسلية والتبرّد، نعود ليلاً أيضاً، فلا كهرباء عندنا ولا ماء.. نأتي لكي نتنفس ونستريح".
وبسبب الانقطاع المتكرر للكهرباء، يقول وسام الموظف هو نفسه في وزارة الكهرباء، إنه يأتي أحيانا إلى النهر بعد منتصف الليل للسباحة قبل أن يعود إلى بيته.
وتعكس هذه الحالة تداخل أزمات يعيشها بشكل يومي سكان العراق البالغ عددهم 43 مليون نسمة، من تهالك قطاع الكهرباء والارتفاع المتواصل في درجات الحرارة في بلد تقول الأمم المتحدة إنه من الدول الخمس الأكثر تضرراً من بعض آثار التغير المناخي، بالإضافة إلى النقص في المياه.
لا كهرباء
وفضلاً عن الجفاف ونقص الأمطار، تعترض الحكومة العراقية على بناء الجارتين تركيا وإيران سدودًا على نهري دجلة والفرات تؤدي إلى تراجع حادّ في كميات المياه التي تصل إلى العراق.
وفي كلّ صيف، تتكرر المعاناة إذ يصل انقطاع الكهرباء اليومي أحياناً إلى عشر ساعات، وأكثر في بعض الأوقات مع ارتفاع درجات الحرارة.
فعلى الرغم من غنى العراق بالنفط، فإن مرافق البنية التحتية فيه متردية بفعل عقود من النزاعات وسوء الإدارة والفساد.
ولسد النقص، يلجأ البعض إلى استخدام المولدات الكهربائية.
ولعلاج انقطاع الكهرباء، تحتاج المحطات العراقية إلى إنتاج 32 ألف ميغاواط يوميًا، ولكن الإنتاج ما زال بعيدًا عن ذلك، وإن وصل في بعض الأحيان إلى 26 ألف ميغاواط، وفق السلطات.
ففي النصف الأول من شهر يوليو، ازداد الانقطاع في الكهرباء سوءاً، فقد تراجعت إمدادات الغاز إلى النصف مؤخراً من الجارة إيران التي تمدّ العراق بثلث احتياجاته من الطاقة، بسبب الآلية المعقدة التي ينبغي للعراق أن يدفع من خلالها مستحقات الغاز للبلد الخاضع لعقوبات أمريكية، تبلغ 11 مليار يورو (نحو 12.4 مليار دولار).
في الأثناء، تعهّدت الحكومة العراقية بأنّ إمداد الكهرباء سوف يتحسّن خلال أيام لا سيما بعد الاتفاق مع طهران على مقايضة الغاز بالنفط الأسود والخام، وفق ما أعلنت الحكومة قبل أيّام.
وقالت وزارة الكهرباء، الجمعة، إن الإنتاج قد ارتفع من جديد إلى 24 ألف ميغاواط يوميًا.
والملفّ شديد الحساسية، فقد كان انقطاع الكهرباء سبباً في تظاهرات عمت في الماضي مختلف أنحاء البلاد.
لا يوجد ماء
وفي حين شهد الأسبوع الأول من يوليو ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات غير مسبوقة في العالم، وفق المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، تقول هيئة الأنواء الجوية العراقية، إن العراق على موعد مع موجة حرّ في عطلة نهاية الأسبوع قد ترفع درجات الحرارة، السبت، في بغداد إلى 47 وفي البصرة في أقصى جنوب البلاد إلى 50 درجة مئوية.
في صيف عام 2022، انخفض مستوى نهر دجلة كثيرًا إلى درجة أن الشباب كانوا يلعبون الكرة الطائرة في وسط النهر.. حينها قالت وزارة الموارد المائية إن السبب هو وجود "ترسبات" متراكمة في وسط النهر تعمل السلطات على إزالتها.
يقول طه عدي الذي ولد قبل 34 عاماً ونشأ قرب نهر دجلة وورث مهنة صيد الأسماك عن جدّه ووالده: “في العامين الأخيرين، ازداد الجفاف سوءًا”.. وأضاف أن في بعض المناطق "يعبر الناس النهر من ضفة إلى الضفة الأخرى سيراً".
يتذكر طه كيف كانت مياه النهر تصل حتى شرفة منزل جده الأثري الذي ما زال جاثما على النهر، لكنها الآن دون ذلك بكثير.. ويقول الشاب: "كان يروي لي أبي وأعمامي أنهم كانوا يرسون المركب قرب المنزل".
حتى السمك، لم يعد متوفراً.. يقول الشاب: "لا يوجد سمك، فقط سمك صغير، لأنه لا يوجد ماء".