حرائق وفيضانات.. "تغير المناخ" سلاح مدمر في وجه التنمية بالجزائر
يهدد الدولة الأكبر عربياً وإفريقياً
"التصحر والجفاف وانجراف التربة"، تواجه الجزائر الظواهر المناخية المتطرفة، ما يشكل تهديداً دائماً للتربة والزراعة وإعادة إمداد المياه الجوفية وغيرها.
ورغم أن حصة الجزائر من التسبب بظاهرة التغيرات المناخية تعد ضمن الأضعف في الحجم النسبي للغازات الدفيئة، فإنها في المقابل من أكثر الأماكن قابلية للتأثر بسبب موقعها الجغرافي، الذي يجعل منها واحدة من 24 "بقعة ساخنة" هي الأكثر عرضة لتغيرات المناخ، وفق تقديرات اللجنة الحكومية الدولية للخبراء الدوليين حول تغير المناخ.
وتعد الجزائر ضمن الدول الفقيرة في شمال إفريقيا من حيث المورد المائي، حيث تتعرض لفترات جفاف طويلة ومتكررة، مع عجز في نِسَب التساقطات المطرية.
ويعاني أكثر من 50 مليون هكتار حالياً من مستوى متقدم جداً من التصحر، حيث يضطر سكان الريف الذين يتألفون أساساً من المزارعين ومربي الماشية إلى النزوح إلى المدن الكبيرة لضمان بقائهم، جراء تدهور التربة وندرة الموارد المائية في تلك المناطق.
كوارث مناخية
وأفادت وزارة الموارد المائية بالجزائر، بأن بلادها على غرار دول البحر الأبيض المتوسط تشهد عجزاً مائياً ناجماً عن التغيرات المناخية التي أثّرت بشكل كبير على الدورات الطبيعية للأمطار.
واعتبرت الوزارة أن "الأزمة ناتجة عن تراجع كبير في منسوب مياه السدود في المناطق الوسطى والغربية للبلاد، مع تسجيل نسبة عجز تقدر 25 بالمئة من احتياطي السدود".
وقبل أيام، اندلعت موجة حرائق في الغابات بعدة ولايات منذ بداية موسم الصيف، إذ سجلت السلطات اندلاع 80 حريقا في 23 ولاية، ما أدى إلى إتلاف 288 هكتاراً (الهكتار يعادل 10 كيلومترات).
ولقي 10 أشخاص مصرعهم، جراء فيضانات ضربت عدة ولايات في الجزائر، على وقع التقلبات الجوية التي تواصلت على مدى شهري مايو ويونيو الماضيين.
وعاني الجزائريون تداعيات الفيضانات والسيول الكارثية التي جرفت العديد من المنازل والمساكن المتهالكة، وخلّفت أضراراً كبيرة في البنى التحتية.
وشهدت الجزائر خلال عامي 2020 و2021 نقصاً فادحاً في المياه بسبب قلة الأمطار، حيث تسبب ذلك في قطع المياه عن السكان واللجوء إلى تعزيز محطات تحلية المياه كمصدر إضافي لتزويد المياه الصالحة للشرب في المناطق الشمالية بعد جفاف أغلب السدود.
وانخفض هطول الأمطار بنسبة 40 بالمئة في البلاد، ما شكل تهديداً دائماً للتربة والزراعة وإعادة إمداد المياه الجوفية وانتشار الأمراض المتنقلة عبر المياه والأغذية، كحمى التيفوئيد والملاريا والديزنتاريا والتهاب السحايا وإسهال الأطفال وغيرها.
وحذر البنك الدولي من أن أكثر من 99 بالمئة من المناطق الغنية بالأشجار في الجزائر، تواجه خطر نشوب حرائق، ما يؤدي إلى وقوع خسائر سنوية تُقدر بما بين 15-19 مليون دولار.
وفي صيف عام 2021، شهدت الجزائر ارتفاعا لافتا في درجات الحرارة، ما أدى إلى اندلاع حرائق التهمت 89 ألف هكتار موزعة على35 ولاية، أسفر عن 90 قتيلاً آنذاك وأعلن على إثره حالة الحداد الوطني 3 أيام.
ويعد جفاف السدود شبحا يؤرق النشاطات الاقتصادية في العديد من المناطق، مثل الهضاب العليا والمعروفة بنشاطات الرعي، إذ تعاني في السنوات الأخيرة من نقص الغطاء النباتي الذي تتغذى منه الماشية.
ويضيف ذلك إلى ظاهرة النزوح نحو المدن والتخلي عن الأراضي الزراعية والنشاطات المتعلقة بها، ما يؤدي بدوره إلى تفاقم تدهور الأراضي وتصحرها نظراً لعدم استغلالها.
وفي مارس 2022، تسببت عاصفة رملية ضربت العديد من مناطق بالجزائر، في وقوع حوادث مرورية مميتة، ما أدى إلى تعطيل سير في الطرق الرئيسية والحيوية، إضافة إلى خسائر متفرقة بسبب سقوط أشجار عملاقة وكوابل كهربائية وقطع التيار وغيرها.
وحذر تقرير أصدره البنك الدولي، من أن تغير المناخ يهدد الجزائر بمجموعة واسعة من المخاطر المناخية والجيولوجية، من الفيضانات والزلازل وحرائق الغابات، إلى الجفاف وتآكل السواحل والتربة.
وجاء في التقرير أن تسعة من كل 10 جزائريين يعيشون في المناطق الساحلية الشمالية التي لا تمثل سوى 12.6 بالمئة من إجمالي مساحة البلاد، وأدى هذا الوضع إلى انتشار وتهميش الأحياء الفقيرة والمساكن المؤقتة، فضلاً عن الازدحام والتلوث والتعرض لمخاطر كبيرة أثناء حدوث أي ظاهرة مناخية متطرفة.
وفي ما يتعلق بالبنية التحتية الأساسية، أوضح التقرير أن 42 بالمئة من الطرق السريعة الرئيسية، و19 بالمئة من المدارس، و21 بالمئة من المستشفيات، و41 بالمئة من محطات الإطفاء في العاصمة، تقع في مناطق معرّضة لخطر الفيضانات.
تخفيف وتكيف
وأعلنت الجزائر خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 7 بالمئة اعتماداً على الإمكانيات الوطنية، وبنسبة 22 بالمئة بحلول عام 2030 فيما لو توفر دعمٌ خارجي يخص التمويل والتنمية ونقل التكنولوجيا وتعزيز القدرات.
ومنذ عام 2005، قررت الجزائر إنشاء هيئة مختصة تُعنى بمسألة التغيرات المناخية، وهي "الوكالة الوطنية للتغيرات المناخية"، فيما تلتزم بالمشاركة في المجهودات الدولية للحد من التغيرات المناخية وتأثيراتها منذ المصادقة على "الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة" حول التغيرات المناخية عام 1993.
وضعت "الخطة الوطنية للمناخ" بدعم من الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ)، وجاءت لتضفي الطابع الرسمي على استراتيجية المناخ في الجزائر، ومن أهم أهدافها تعزيز تعبئة الموارد المائية، ومكافحة الفيضانات، وحماية الساحل، ومكافحة الجفاف والتصحر وزيادة مرونة النظم البيئية والزراعة تجاه تغيّر المناخ.
ووفق مراقبين جزائريين، فإن بلادهم لم تتخذ خطوات فعلية ملموسة على أرض الواقع للحد من تأثيرات ظاهرة تغير المناخ، إذ خصصت معظم المساعدات والتمويلات الأجنبية لإنجاز الخطط وتطوير المهارات البشرية والمؤسسية، دون تنفيذ خطط لنقل التكنولوجيا المتقدمة أو تأسيس آليات للمواجهة والتكيف.
وتتطلب الإجراءات المتعلقة بالتكيف لتخفيف آثار تغير المناخ 1.11 مليار دولار أمريكي سنويا، وهو مجموع الاستثمارات الضرورية في الاقتصاد الوطني التي يجب أن توفِّرها الحكومة وشركاؤها في القطاعين العام والخاص لضمان مرونة البلاد في مواجهة تغيّر المناخ.
غير أن ميزانية قطاع البيئة بالجزائر، وهو القطاع الحكومي الأولي الذي يُعنى بالتغيّرات المناخية، لا تتجاوز 20 مليون دولار أمريكي فحسب.
وكذلك الحال مع "الاستراتيجية الوطنية للتسيير المدمج للنفايات"، والتي تم إقرارها دون إحداث أي تغيير في سياسة تسيير النفايات، بحيث لم يتم تطبيق نظام الفرز الانتقائي للنفايات المنزلية كما كان مقرراً في قانون 2001، وما زالت مؤسسات الردم التقني تعاني من تضخم كمية النفايات المستقبَلة وضيق الخنادق المخصصة لها.
وجدير بالذكر أن مكبات النفايات العضوية تعتبر أحد أهم مصادر انبعاث غاز الميثان المسبب للاحتباس الحراري، في غياب استرجاع الغازات العضوية المنبعثة منها.
ومساحة الجزائر هي الأكبر عربياً وإفريقياً، وهي من المناطق الأكثر عرضة للتغيّرات المناخية، وقد ظهرت تأثيراتها مؤخراً بشكل مقلق للغاية من خلال تداعيات ارتفاع درجات الحرارة في المنطقة.