في باكستان.. مسيحيون مستهدفون يجدون الأمان لدى جيرانهم المسلمين
في باكستان.. مسيحيون مستهدفون يجدون الأمان لدى جيرانهم المسلمين
استيقظ القس جاويد بهاتي الذي يعيش في حيّ جارانوالا بشرق باكستان من النوم على صدح مكبر الصوت في المسجد يدعو إلى الاحتجاج إثر اتّهامات لمسيحيين بالتجديف، فجمع عائلته وركض إلى الشارع حيث كان جيرانه يهرعون أيضاً.
ومع انتشار الذعر في الحيّ، سارع المسلمون إلى الشوارع لتحذير جيرانهم وإيوائهم.
وقال بهاتي، الخميس، غداة نزول مئات المحتجين الغاضبين إلى الشوارع وإحراقهم منازل لمسيحيين وكنائس، إنّ "بعضهم كانوا يركضون حفاة وبعضهم فروا بعربات ريكاشة.. عمّت الفوضى المكان"، وفقا لوكالة فرانس برس.
وأضافت شقيقته نايلة بهاتي: "كان الأطفال يصرخون مرددين: اركضوا اهربوا الشيوخ قادمون.. سيهاجموننا".
ويعتبر التجديف من القضايا الحساسة في باكستان حيث قتلت حشود غاضبة أشخاصا اتّهموا بإهانة الإسلام أو النبي محمد.
والمسيحيون الذين يشكلون نحو 2 في المئة من سكان باكستان يحتلون واحدة من أدنى درجات المجتمع في هذا البلد، وهم أهداف متكررة لمزاعم كاذبة بالتجديف ولا أساس لها.
ويعيش أكثر من 5 آلاف شخص في الحي المسيحي في جارانوالا، معظمهم عمال نظافة يتقاضون أجورا زهيدة ويقيمون في منازل ضيقة يتقاسمها ما يصل إلى 18 شخصا من الأقارب.
ومع انتشار الذعر والفوضى في المكان، نزل سكان مسلمون لمساعدة جيرانهم المسيحيين.
وقال القس بهاتي: "جاءت الحشود من خارج المنطقة، لكنّ المسلمين المحليين هنا ساعدونا وحاولوا إنقاذنا".
آيات قرآنية
وروى طارق رسول من الشارع نفسه الذي هرع إليه بهاتي، أنّ الجيران المسلمين علّقوا بسرعة آيات قرآنية على أبواب منازل جيرانهم المسيحيين على أمل تجنّب حدوث أعمال عنف.
وقال رسول وهو رجل مسلم يبلغ 58 عاما: "كانت امرأتان تركضان.. فتحت لهما باب منزلي وتركتهما تدخلان.. كانتا قلقتين جداً لكنّني أرحتهما".
وازداد عدد الحشود وغضبهم خلال اليوم، وقام المئات بأعمال شغب في الشوارع.
وبحلول الليل، كانت قد حرقت ونهبت 4 كنائس وعشرات المنازل والمتاجر على الأقلّ.
وفتح عمران قادري، وهو مسلم ملتح، منزله لامرأتين مسيحيتين.
وقال قادري وهو يقف إلى جانب بهاتي: "ما زالتا في منزلنا.. عائلتي ساعدتهما وقدّمت لهما الطعام وأمضتا الليلة معنا".
وفرّت بارفين بيبي مع أفراد أسرتها الثمانية بعدما أيقظها أطفالها الصغار وهم يصرخون: "المسلمون قادمون ليحرقوا منازلنا!".
وتابعت بارفين التي كانت بصحبة زوجتَي ابنيها وأطفالها: "أخذنا عربات ريكاشة للذهاب إلى جيراننا المسلمين.. كان الباب مفتوحاً ودخلنا جميعا".
وأضافت وقد وقفت بين أنقاض منزلها إنّ مضيفيها قالوا لها: "لا تقلقي، أنت بأمان هنا".
وقال عدد من المسيحيين الذين عادوا إلى منازلهم، الخميس، لمسح الأضرار إنّ أكثر من 300 شخص فرّوا في الساعات الأولى من أعمال الشغب، لكنّ المئات ذهبوا ليل الأربعاء ويوم الخميس للبقاء مع أقاربهم في مدن أخرى.
وأوقفت الشرطة أكثر من 100 شخص يشتبه في ارتباطهم بأعمال العنف، فيما تبحث عن شقيقين مسيحيّين متّهمين بتدنيس القرآن.
ورغم تفريق الحشود الغاضبة وحراسة الحي الآن، فإنّ كثراً من سكانه ما زالوا يخشون العودة إليه.
وبالنسبة إلى القس بهاتي، فقد سببت العودة مزيدا من الألم لعائلته، وقال: "لقد دُمّر منزلي.. كان هذا كلّ ما أملكه.. الآن كيف سنعيش هنا مجدداً؟".
قضية حساسة
وتعدّ مسألة التجديف قضية حساسة في باكستان حيث يمكن أن تؤدّي اتّهامات، حتى وإن كان غير مثبتة، بالإساءة للإسلام إلى القتل أو الإعدام خارج نطاق القانون.
والمسيحيون الذين يشكّلون نحو 2 في المئة من سكّان باكستان يمثلون أهداف متكررة لمزاعم كاذبة بالتجديف ولا أساس لها.
في يوليو 2018، هاجم 4 رجال كنيسة في فيصل أباد كان في داخلها 20 مصليا.
والتجديف يعد قضية وأزمة شائكة في باكستان، ويواجه أي شخص يتهم بإهانة الإسلام عقوبة الإعدام، على الرغم من أنّ هذا الحكم لم يُفرض بعد في مثل هذه القضايا.
وفي حين تشمل قضايا عديدة اتهام مسلمين لمسلمين آخرين، إلا أنّ المدافعين عن حقوق الإنسان يشكون من أن هذا القانون المثير للجدل غالبًا ما يستخدم للانتقام الشخصي وخصوصاً من الأقليات المسيحية.
وأكدت اللجنة الوطنية للعدالة والسلام -وهي مجموعة للدفاع عن حقوق الإنسان والمساعدة القانونية في باكستان- اتهام 774 مسلمًا و760 شخصاً من مختلف الأقليات الدينية، بالتجديف على مدار العشرين عامًا الماضية.
الازدراء أو التجديف هو عدم إظهار تقدير أو احترام تجاه شخصيات مقدسة في ديانة ما أو تجاه رموز دينية أو تجاه عادات ومعتقدات معينة.
في الديانات الإبراهيمية هناك إدانة شديدة لازدراء الأديان، كما أن لبعض البلدان قوانين تعاقب بتهمة الازدراء، في حين أن بلداناً أخرى تمنح اللجوء لأشخاص وجهت إليهم تلك التهمة في بلدانهم.
قد تستخدم بعض البلدان قوانين التجديف لإدانة أشخاص يختلفون مع أغلبية أو أشخاص منشقين عن طائفة أو دين معين، وتعتبر البلدان التي تتبنى ديناً رسميا في دساتيرها هي أكثر المعاقبين باستخدام قوانين الازدراء.
تعتبر بعض الديانات التجديف جريمة دينية، ومنذ عام 2012، كانت قوانين مكافحة التجديف موجودة في 32 دولة، في حين أن 87 دولة لديها قوانين لخطابات الكراهية التي تغطي التشهير بالدين والتعبير العلني عن الكراهية ضد مجموعة دينية.
قوانين مكافحة التجديف شائعة بشكل خاص في الدول ذات الأغلبية المسلمة، مثل تلك الموجودة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على الرغم من وجودها أيضًا في بعض الدول الآسيوية والأوروبية.