مبانٍ مهدمة وأطفال مشردة.. أصوات القذائف تعلو على أجراس المدارس في اليمن

التعليم أولًا "6"

مبانٍ مهدمة وأطفال مشردة.. أصوات القذائف تعلو على أجراس المدارس في اليمن

اتفق الخبراء على أن التعليم هو أحد الحقوق الأساسية للإنسان والركيزة الأساسية لتحقيق التنمية والاستقرار في أي مجتمع.

لكن في اليمن، تواجه العملية التعليمية والمدارس تحديات هائلة نتيجة الحرب المستمرة منذ نحو 10 أعوام، بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي الصعب.

ووفقًا للأمم المتحدة من الممكن أن يصل عدد الأطفال الذين يعانون من الاضطرابات التي تلحق تعليمهم إلى 6 ملايين طالب وطالبة، وهو ما سيكون له تبعات هائلة عليهم على المدى البعيد. 

ومنذ بداية النزاع في مارس 2015، خلّفت الهجمات التي تعرض لها أطفال المدارس والمعلمون والبنية التحتية التعليمية آثاراً مدمرةً على النظام التعليمي في البلاد، وعلى فرص الملايين من الأطفال في الحصول على التعليم. 

كان للنزاع والتعطيل المستمر للعملية التعليمية في جميع أنحاء البلاد وتجزئة نظام التعليم شبه المنهار أصلاً، تأثير بالغ على التعلم والنمو الإدراكي والعاطفي العام والصحة العقلية لكافة الأطفال في سن الدراسة البالغ عددهم 10,6 مليون طالب وطالبة في اليمن. 

ووفقًا لتقارير متعددة للأمم المتحدة، دُمّرت 2,916 مدرسة (واحدة على الأقل من بين كل 4 مدارس) أو تضررت جزئيًا أو تم استخدامها لأغراض غير تعليمية نتيجة 7 سنوات من النزاع الذي شهدته البلاد. 

ويواجه الهيكل التعليمي مزيداً من العوائق تتمثل في عدم حصول أكثر من ثلثي المعلمين -ما يقرب من 172,000 معلم ومعلمة- على رواتبهم بشكل غير منتظم منذ عام 2016 أو أنهم انقطعوا عن التدريس بحثًا عن أنشطة أخرى مدرة للدخل.

واضطرت المدارس إلى إغلاق أبوابها أمام الطلاب بسبب تفشي جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) خلال معظم أيام الدراسة للأعوام الدراسية ما بين 2019-2021، ما أدى إلى تعطيل العملية التعليمية لحوالي 5,8 مليون طالب، بمن فيهم 2,5 مليون فتاة.  

يُشار إلى أن نحو مليوني طفل كانوا خارج العملية التعليمية قبل انتشار جائحة فيروس كورونا. 

ومن بين العوامل الأخرى التي تسهم في زيادة مواطن الضعف لدى الأطفال النزوح المتكرر، وبُعد المدارس، والمسائل التي تتعلق بالسلامة والأمن، بما في ذلك مخاطر المتفجرات، ونقص المعلمات (حيث يبلغ عدد المعلمين الذكور 80 في المئة)، وعدم إمكانية الوصول إلى مرافق المياه والصرف الصحي التي تراعي الفوارق بين الجنسين.

ومن مخاطر تسرب الفتيات من المدارس تعرضّهن للزواج المبكر والعنف الأسري، في حين يصبح الفتيان المنقطعون عن الدراسة أكثر عرضة للتجنيد في صفوف الجماعات المسلحة.

ترصد "جسور بوست"، من خلال هذا التقرير وتوثق واقع المدارس والتعليم في اليمن، وتحلل التأثيرات السلبية التي يتعرضون لها نتيجة الحرب المستمرة والوضع الاقتصادي الصعب. 

التعليم في اليمن... الضحّيّة الكبرى للحرب حاضراً ومستقبلاً - Al-Monitor:  Independent, trusted coverage of the Middle East

تسييس التعليم وأمور أخرى

قال الدكتور توفيق الفلاح -دكتوراه في تكنولوجيا التعليم والمعلومات- إن النظام التعليمي في اليمن يعاني من تدهور كبير في العقود الماضية، ويتطلب إصلاحات عاجلة تبثّ حياة جديدة في القطاع التعليمي الحالي، حيث يعاني اليمن من مشكلة تسييس التعليم منذ فترة طويلة تعود إلى ما قبل اندلاع النزاع الراهن.

وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست"، بدايةً، كانت المدارس الدينية هي المسار الوحيد للتعليم، إذ حظيت بشعبية كبيرة في أوساط المجتمع واستمرت حتى بعد التحول إلى قطاع التعليم الرسمي.

عادةً، لم يكن يُطلب من المدارس الدينية تراخيص رسمية ولم تخضع لأي نوع من الإشراف، وقد تسبب وجود هذه الشبكات من المدارس، مع توجهاتها المتباينة تمامًا، بظهور معايير متفاوتة، ناهيك عن أنها غذّت حدوث الاشتباكات وانتشار سرديات متشددة وعدائية نتيجة الدعم الذي تتلقّاه من الفصائل والأحزاب السياسية والدينية، وقد نجحت هذه الفصائل في التأثير على نمط التدريس في المدارس الحكومية في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وذلك في إطار التنافس القائم بينها.     

واستطرد، في بلدي اليمن، يتداخل دائمًا التعليم والصراع، والوضع هذا ليس بجديدٍ للأسف، بل يعود في الواقع إلى ما قبل الحرب الراهنة التي اندلعت في عام 2014، والتي أسهمت بتفاقم المشكلة بشكل كبير.

تسبّبت الحرب في انقطاع الأجور الشهريّة للمعلّمين، ما أدّى إلى هجران المدارس من قبل بعض المدرّسين، والطّلّاب الّذين لم يجدوا من يعلّمهم، وبسبب ارتباط التعليم بالقرارات السياسيّة.

التأثير السياسيّ البحت والانقسام في اليمن أدّيا إلى فوضى عارمة في المنظومة التعليميّة، فبين أحزاب سياسيّة وطائفيّة يكمن الكثير من التفاصيل الغامضة المتعلّقة ببثّ الأفكار الفرديّة والطائفيّة بين طيّات الكتاب المدرسيّ.   

Aucune description disponible.

 الدكتور توفيق الفلاح

وقال، في اليمن يكابد أولياء الأمور معاناةً كبيرةً في محاولة توفير احتياجات أبنائهم للمستلزمات المدرسيّة من أدوات قرطاسيّة، وملابس بالإضافة إلى الهمّ المتجدّد الدائم لهم وهو الكتاب المدرسيّ الذي -ضمن القانون اليمنيّ للتّعليم- لا بدّ من أن توفّره وزارة التعليم بشكل مجّانيّ، وعادةً ما تبوء هذه المحاولات بالفشل، فيجد الطّالب نفسه تحت وطأة الظروف الاقتصاديّة التي ولّدتها الحرب مقودًا دون سابق إنذار للعمل، ومحاولة كسب المال لتوفير لقمة العيش في الوقت الذي كان يفترض به أن يتواجد بين معلّم وكتاب.

هُنا فاصلة، وبعدها يقال: إنّ مستقبلًا أكثر ظلمةً ينتظر أجيالًا بأكملها من أبناء اليمن، ماذا عن شبح كوفيد-19 في اليمن، حيث سوء البنية التحتيّة الصحّيّة والتقنيّة وضعف الإمكانيّات من إنترنت ومعدّات، سواءً على الصعيد الطبّيّ أو التكنولوجيّ، كلّها تعصف بالتعليم وخاصّةً عن بعد، ويبقى السؤال إلى متى يستمرّ الوضع في هذه الحال؟ فرص حصول الآلاف من الأطفال على التعليم متفاوتةً ونسبيّةً، حتّى لدى المدارس الخاصّة لم يعد التعليم ذا ربحيّة مجزية، وفائدة تعليميّة ملفتة، عند قرار وزارة التعليم خصخصة التعليم، وفتح المدارس الخاصّة في عام 2002. 

وأتم، هُنا رشوة ووساطات ومحسوبيّة وتزايد أعداد الأمّيّة، وانعدام نظام تعليم، وقوانين وأنظمة ولوائح تخضع لأفكار فرديّة.

من يستطيع!

بصيغة تعجب قال إداري ومستشار قانوني في شركة الحازمي للمحاماة، اليمني باسم نعمان يحيى: ومن يستطيع التعليم في اليمن وأين سيتعلم؟! الاستعداد للدراسة لدينا للذي يستطيع إليه سبيلا، أما الفقير أو الموظف فلا يستطيع أن يستعد حتى بقيمة الشنطة المدرسية، التعليم لدينا سيئ جداً جداً ويبدو أنه قد خرج من قوائم التصنيف.. الوسيلة التعليمية الوحيد المتبقية هي التعليم الذاتي من خلال الأهالي، حيث تُعلم الفئة المتعلمة الأبناء في المنزل، أما  فئة الجهلة والفلاحين فيخرج أولادهم إلى سوق العمل.

Aucune description disponible.

وتابع في تصريحات لـ"جسور بوست"، ليس كل الأطفال يذهبون إلى المدارس.. التعليم عندنا أصبح مكلفا جدا على الطالب، ثم من أين سيأتي راتب المدرس وقيمة الكتاب وأثاث المدرسة وأيضا راتب وزير التعليم، على عكس كل الدول، فالاستعداد الدراسي عندنا لا يوجد في قاموسنا، لا يوجد لدينا شيء اسمه استعداد دراسي أو الاستعداد الدراسي في ظل هذه الظروف.

وتابع، في عام 2000 كانت الدراسة أسهل شيء عندنا، فقط على ولي أمر الطالب أن يشتري للطالب الزي المدرسي والأقلام والكراريس، الآن لا يستطيع بسبب قلة فرص العمل والغلاء والحصار وانقطاع الرواتب، وأيضا نقطة الأمن والأمان في مناطق الصراع.. الأراضي ملغومة والقذائف تتساقط على المدارس.

Aucune description disponible.

باسم نعمان يحيى

التعليم على صوت القذائف

بدوره، علق محاسب يمني يدعى نجيب محمد بقوله، اليمن ليست كباقي الدول، نحن في حالة حرب أهلية دائمة واستنزاف، نحن نقصف ونقتل على مرأى الجميع من الحوثيين، المدارس يتم استهدافها قصدًا، فكيف يكون لدينا تعليم، للأسف الأطفال يتم تجنيدهم للحرب وبعضهم يقتل أو يصاب.. الحوثيون يفعلون غرائب، كيف لطفل ألا يذهب للمدرسة وبدلا من ذلك يحمل سلاحا.

وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست"، هناك مشكلة أخرى تتعلق بالرواتب، الرواتب ممنوعة منذ سنوات، وتتأخر بالسنين، بعضنا لجأ إلى أعمال حرفية وكثير منا هرب إلى دول أخرى، التخريب يحدث متعمدا، كيف ستقوم لليمن قائمة مرة أخرى إذا لم يكن لدينا تعليم؟ أعتقد أن الوضع جد خطير ويحتاج إلى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لحل الأزمة اليمنية لا لجلب معونات، لقد اكتفينا منها، نريد حلا جذريا لمشكلتنا وفض النزاع المسلح وعودة الاستقرار للبلاد، حتى يعود التعليم والعمل وكل شيء سلب منا.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية