رغم ماضيه المشرق.. التعليم في العراق يعاني تبعات الحرب والأزمة الاقتصادية
التعليم أولًا "5"
سقطت بغداد على يد هولاكو خان، عام 1258م، وكان سقوطها خسارة فادحة للثقافة والحضارة الإسلامية، بعدما احترقت الكثير من المؤلفات القيمة في مختلف المجالات العلمية والفلسفية والأدبية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.
وقتها أضرم المغول النار في بيت الحكمة، وهي إحدى أعظم مكتبات العالم القديم آنذاك، وألقوا بالكُتب في نهري دجلة والفرات، حتى يقال إن ماء نهر دجلة تحول إلى الأحمر والأزرق بفعل دماء القتلى وحبر الكتب التي أغرقت.
هكذا عُرفت بغداد قديمًا بأنها مدينة العلم والعلماء، ومرت على العراق سنون حروب وسلم فازدهر التعليم فيه بمقدار استقراره وهبط بمقدار اضطراباته السياسية والاقتصادية.
ويتبع العراق نظامًا تعليميًا يشمل التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي، إضافة إلى التعليم العالي والتعليم المهني، ويتم تنفيذ هذا النظام بواسطة وزارة التربية العراقية ووكالاتها المعنية.
التحديات التي تواجه التعليم في العراق
وفقًا لتقارير متخصصة، فقد تأثرت المدارس في العراق بشدة بالاضطرابات الأمنية والصراعات المستمرة، ما أدى إلى تعطيل العملية التعليمية وتدمير بعض المدارس، كذلك يعاني نظام التعليم في العراق من نقص في الكفاءة التعليمية لبعض المعلمين والمدرسين، ما يؤثر على جودة التعليم المقدم.
وحسب تقرير اليونسكو، فالعراق في فترة ما قبل حرب الخليج الأولى عام 1991، كان يمتلك نظاما تعليميا يعتبر من أفضل أنظمة التعليم بالمنطقة، تقدر نسبة المسجلين في التعليم الابتدائي بما تقارب الـ100%، كذلك نسبة عالية للقادرين على القراءة والكتابة (literacy)، لكن التعليم عانى الكثير بسبب ما تعرض له العراق من حروب وحصار وانعدامية في الأمن.
ووفقاً لتقرير ثانٍ عن مستقبل التعليم العالمي لليونسكو، والذي يتطلب تحويل المستقبل وإعادة إيجاد التوازن مع الطبيعة وكذلك مع التكنولوجيا التي تتغلغل في حياتنا، والتعامل مع فرص الاختراقات العلمية العديدة والتي تجلب معها أيضا مخاوف جدية بشأن المساواة والإدماج والمشاركة الديمقراطية.
وأثبتت التقارير عدم حصول الأطفال على أهم وجبة غذائية في اليوم، والأكثر من ذلك، انعدام المساواة في النظم التعليمية، الذي تعاني منه معظم البلدان، ولا شك أن تلك الآثار السلبية ستصيب الأطفال الفقراء أكثر من غيرهم.
وتسببت جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) في انقطاع أكثر من 1.6 مليار طفل وشاب عن التعليم في 161 بلداً، أي ما يقرب من 80% من الطلاب الملتحقين بالمدارس على مستوى العالم.
وجاء ذلك في وقت عانى فيه العراق بالفعل من أزمة تعليمية عالمية، فهناك الكثير من الطلاب في المدارس، لكنهم لا يتلقون فيها المهارات الأساسية التي يحتاجون إليها في الحياة العملية.
ويظهر مؤشر البنك الدولي عن "فقر التعلُّم" -أو نسبة الطلاب الذين لا يستطيعون القراءة أو الفهم في سن العاشرة- أن نسبة هؤلاء الأطفال قد بلغت في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل قبيل تفشي الفيروس 53%.
ووفقًا للتقارير السابقة، وعلى الرغم من التحديات التي تواجه التعليم والمدارس في العراق، فإن هناك جهودًا مستمرة لتحسين الوضع وتعزيز جودة التعليم، من خلال تحديث البنية التحتية وتطوير المناهج وتدريب المعلمين، ويأمل العراق في توفير فرص التعليم الجيد والمستدام لجميع الطلاب وتمكينهم من النمو والتطور في مجتمعهم.
"جسور بوست"، تناقش مشكلات التعليم وتحدياته مع بعض المختصين وأصحاب الرأي من أبناء العراق.
تحديات ولكن
في البداية، قال مدير مدرسة الموهوبين في نينوى والحاصل على ماجستير في التقنيات الحياتية، مهند حازم، إن ما يمكن أن نقوله إن الوضع الاقتصادي والأمني جيد وفي بعض الأحيان يكون على المحك، ولكن وزارة التربية في العراق ومديرياتها العامة ومدارسها تمكنت من التأقلم مع هذه التحديات المتواصلة وقبيل العام الدراسي الجديد.
وأضاف “حازم”، في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست"، ظهرت جهود كبيرة من قبل وزارة التربية لإنشاء المدارس وتحسين البنية التحتية للعديد منها وتزويدها بالموارد الضرورية، كما عملت على توفير الكتب المدرسية للتلاميذ والطلبة، وإقامة دورات تطويرية للكوادر التربوية فضلاً عن توفير منح مالية للطلبة المتعففين ووضع قوانين وضوابط للحفاظ على رصانة التعليم في العراق.. بصفة عامة، نأمل أن يكون هذا العام الدراسي الجديد مليئًا بالأمل والتقدم للمدارس العراقية، وأن يتمكن الجميع من تحقيق أهدافهم التعليمية بجد واجتهاد.
وتابع، الأوضاع في العراق قد تكون تحدياً كبيراً وخصوصاً الأمنية والاقتصادية، لكن الاستعداد الجاد والتفاني في تحسين البيئة التعليمية يمكن أن يحقق فرصاً للتعليم وتحسين مستقبل الأجيال القادمة في العراق.
تؤثر الحالة المادية بشكل سلبي على تعليم الطلاب من الطبقات الفقيرة والمحرومة على الرغم من سعي وزارة التربية الدائم لتوفير التعليم للجميع، عن طريق إنشاء مراكز ومدارس متخصصة كمراكز تدريس التعليم المسرع ومراكز إنصاف المتعلمين ومحو الأمية، وإقامة الامتحانات الخارجية للطلبة ذوي الأعمار الكبيرة، فضلاً عن وضع قرارات محفزة لعدم تسيب الطلبة من المدارس، وتوفير منح مالية للطلبة الذين ينتمون إلى أسر من ذات الدخل المحدود.
وعن المشكلات التي تواجه التعليم في العراق، قال “حازم”، إن هناك عدة مشكلات تواجه التعليم في العراق، رغم سعي وزارة التربية الدائم ومديرياتها لحل هذه الأمور والعمل على القضاء عليها، منها نقص التخصيصات المالية، حيث يعاني النظام التعليمي في العراق من نقص التمويل، ما يؤثر على توفير بنية تحتية جيدة وموارد تعليمية كافية وجذابة، وقد يؤدي إلى تراجع جودة التعليم.
وعن التحديات الاقتصادية والأمنية قال، إن العراق يواجه تحديات تؤثر على الاستقرار في المدارس، ما يوثر على نفسية الطالب وذويه فضلاً عن الكادر التدريسي، ما يخلق بيئة غير ملائمة لعملية التعلم.
مهند حازم
كذلك نقص كوادر المعلمين والمدرسين، فهناك نقص في عدد وكفاءة المعلمين في العراق، ما يؤثر على جودة التدريس والتوجيه الفردي للطلاب، أيضًا التحديات الاجتماعية والثقافية، وتتضمن التحديات الاجتماعية والثقافية في بعض المناطق من العراق عدم المساواة بين الجنسين في فرص التعليم، والتحرش المدرسي، وتحديات التعليم للأقليات العرقية والدينية، ما يؤثر على فرص التعليم المتساوية في بعض الأحيان.
واستطرد، تأثرت عمليات التعليم جراء جائحة كوفيد-19، ما أجبر العديد من الطلاب على التعلم عن بعد، ولكن التحديات الهيكلية والتقنية تجعل من الصعب توفير التعليم عن بُعد بجودة عالية للجميع، وأصبح نتاج هذا التعليم من الطلبة الذي اجتازوا عدة سنوات دراسية ليس بالمستوى المطلوب، وبما أن المعرفة تراكمية فقد ظهر ذلك على مستوى الطالب المعرفي بعد انتهاء جائحة كورونا، ما أدى إلى خلق فجوة معرفية كبيرة لدى الطلبة.
تخبطات وترقب
من جانبه، علق مدرس علم الاقتصاد، العراقي أحمد عبدالعزيز لطفي، بقوله، الطلبة متشوقون للدوام وإكمال لبنات بناء مستقبلهم، رغم أجواء التريث والترقب من الأهالي للوضع السياسي والأمني الذي قد يولد زلزالا مفاجئا يهدد أحلام أبنائهم، وبين هذا وذاك فالاستعدادات مستمرة ولكن بخجل، أما العملية التعليمية فهي الأخرى لم تسلم من تخبط قرارات الوزارة والتحديثات المستمرة بين ساعة وساعة من حيث إبقاء المنهج أو تغييره أو تكييفه أو حذف موضوع أو إضافته، ما سبب قلقا وعدم اتزان للعملية التعليمية، وضعفا في مستوى الاستعداد والتطوير.
وأضاف “لطفي”، في تصريحات لـ"جسور بوست"، بالطبع لا يحظى الجميع بتعليم متساوٍ في العراق، والحالة المادية تؤثر بشكل مباشر على سير العملية التعليمية بالنسبة للمعلم والمتعلم وأولياء الأمور، فلكل منهم حاجات يريد تحقيقها وواجبات عليه أداؤها، وقد أدى الارتباك بسعر صرف الدولار إلى قلة فرص العمل والأجور غير الكافية لأغراض العيش والسكن وتوفير أدوات التعليم وبيئة تعليمية جيدة، فهو مؤثر بشكل مباشر وواضح على منظومة التعليم
وأتم، مشكلات التعليم في العراق كثيرة ومتشعبة، ولكل منها تفرعات وتراكمات يصعب حصرها، منها سياسية واقتصادية ومادية ونفسية وتربوية، بالإضافة لدس أفكار وحجب أخرى لغرض تسيير التعليم إلى اتجاه مبهم مجهول النهاية، لكنه يحقق غاية ألّا يمتلك المتعلم أساليب دفاع عن حقه أو مطالبة بأمور تهدد بعض ذوي المناصب، فيكون تحقيق المسؤول مطلبا بسيطا -بالأصل هو حق للمواطن- في نظر ناقصي التعلم إنجازا جبارا يستحق منه المدح والتطبيل فترة من الزمن.
عام دراسي جديد بمدارس طينية
وقال مدرس علم الاقتصاد بمدرسة نينوى، إن الاستعدادات تكمن في العمل على توفير الكتب الدراسية، وهي جارية وبشكل جيد، كذلك إعادة ترميم بعض المدارس المتهالكة، وتعاني العملية التعليمية في العراق من تسعينيات القرن الماضي ولا تزال.
سابقا كان العائق هو الحصار الاقتصادي المفروض على العراق أما الآن فالمعناة من نوع آخر، تتعلق على سبيل المثال ببنايات متهالكة تفتقر للتدفئة والتبريد ومقاعد الطلبة في بعض المدارس، أيضًا المدارس لا تزال طينية في قرى كثيرة.
وأضاف، لا يحظى جميع الطلبة بمستوى تعليم متساوٍ، فالمدارس الحكومة تعاني الاكتظاظ بعدد الطلاب، كذلك من ناحية الكادر التدريسي فبعض المدارس ليس فيها الكادر التدريسي الكافي، أيضًا فإن نوعية الكوادر التدريسية تختلف من منطقة إلى أخرى، أما في المدارس الأهلية في الغالب فكوادرها حديثو الخبرة.
واستطرد، هناك عدة مشكلات تعاني منها العملية التعليمية في العراق منها، قلة المدارس نسبة إلى عدد الطلاب، وقلة الكتب التي تسلم إلى الطلاب سنويا، وبعض الطلاب يبقى فترة طويلة بدون كتب، وعدم إشراك جميع الكوادر التدريسية لتطوير خبراتهم وإطلاعهم على طرق التدريس الحديثة واستخدام المهارات التقنية الحديثة، كذلك عدم إنصاف المعلم ماديا ومعنويا ما أدى إلى خفض مستوى التدريس لانشغال المعلم بعمل آخر لسد احتياجاته.
وأتم، عدم تشريع قانون حماية المعلم، الذي أدى إلى تسلط بعض أولياء الأمور أو الطلبة على المعلم، خصوصا أن المجتمع العراقي هو عشائري بصورة عامة، حيث يتعرض المعلم إلى الضرب والإهانة من قبل مجاميع منفلتة، وكثرة العطل الرسمية التي تؤثر على توقيتات السنة الدراسية ما يؤدي إلى عدم إكمال المنهج.