هل يتفق الفرقاء الثلاثة الطاقة وحقوق الإنسان والتغير المناخي؟

هل يتفق الفرقاء الثلاثة الطاقة وحقوق الإنسان والتغير المناخي؟

 

يواجه العالم اليوم نقطة تحول غير مسبوقة حيث يمثل تغير المناخ تهديداً حقيقياً للجنس البشري برمته، كما يتعلق التغير المناخي ببقاء أكثر دول ومواطني هذا الكوكب ضعفاً على قيد الحياة، كما يتصل أيضاً بحماية النظم الإيكولوجية والتنوع البيولوجي الذي يجب علينا حمايته، كما أن تغير المناخي وللأسف لا يزال مستمراً بشكل سريع جراء الانبعاثات الضخمة المنطلقة من احتراق الأنواع المختلفة من الوقود الأحفوري، وبرغم وجود الكثير من العوامل المهمة الأخرى التي تساهم في هذا الأمر إلا أنه أحد أهم المسببات الرئيسية، ومن أجل الحد من تغير المناخ يجب علينا أن نخفض استهلاكنا من هذه المحروقات كثيفة الانبعاثات الكربونية، عن طريق الاستثمار في إنتاج الطاقة المتجددة صديقة البيئة، ويجب أن تكون جزءاً محورياً من خطط التنمية الدولية.

بيد أن عملية التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة ومكافحة التغير المناخي تواجه تحديات عديدة من حيث جدواها وممارساتها، كونها تصطدم بحقوق الإنسان بين حين وآخر، فقد ظهرت في الآونة الأخيرة عدة ادعاءات متعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان تتراوح بين الاستيلاء على الأراضي وانتهاك حقوق العمال في إطار التحول للطاقة المتجددة.

فعلى الرغم من كون إنتاج طاقة نظيفة يُعد مساهمة مهمة في جهود معالجة أزمة التغير المناخي العالمية، إلا أن هناك تحديات تتصاعد في الأفق، حيث إن بعض مشروعات الطاقة المتجددة ما زالت تفشل في خلق خليط متوازن بين حقوق الإنسان وإنتاج الطاقة.

فمثلاً، أدت معارضة المزارعين واحتجاجات السكان المحليين والنزاعات معهم بشأن تعويضات الأراضي، في عام 2016، إلى إلغاء مشروع مزرعة الرياح "كينانغوب" في كينيا بقيمة 144 مليون دولار، بعد عدة سنوات من التوقف، وجعلت من الصعب على الشركة المسؤولة بناء مزرعة الرياح.

هناك مشاريع عديدة توقفت بسبب أسباب تشبه هذا المشروع، لذا يجب على الدول والشركات الدولية والمحلية التي تنتج الطاقة المتجددة تبني سياسات تحترم حقوق الإنسان، فنحن أمام أزمة تهدد وجود الإنسان، وليس من الصواب ونحن في طريقنا لحلها أن ننتهك حقوق الإنسان، الأمر الذي قد يشكل معوقاً كبير أمام تحول الطاقة.

في هذا الشأن، جمع مركز موارد الأعمال وحقوق الإنسان "بي إتش آر آر سي" أكثر من 200 ادعاء يتعلق بحقوق الإنسان وتحول الطاقة، كلها مرتبطة بمشروعات الطاقة المتجددة في خلال العقد الماضي، 44% منها مرتبطة بطاقة الرياح أو الطاقة الشمسية، وكانت معظم الادعاءات المتبقية مرتبطة بالطاقة الكهرومائية، أكبر مصدر للطاقة المتجددة في العالم.

وبالرجوع لكينيا مرة أخرى نجد أن المحكمة العليا في كينيا قد قضت، بأن مشروعا آخر لطاقة الرياح في بحيرة توركانا قد استولى على أرض قبلية من القبائل دون اتباع الإجراءات القانونية ضاربين بحقوق الإنسان عرض الحائط، ما جعل المحكمة تمنح المشروع عاما واحداً لتنظيم العملية، وإن لم تنجح في إقناعهم تعود سندات الملكية إلى القبيلة.

وفي المكسيك، رفع السكان المحليون وجماعات حقوق الإنسان، في عام 2020، دعوى قضائية للمطالبة بتعليق مشروع مزرعة الرياح "غونا سيكارو" التابع لشركة كهرباء فرنسية تدعي "إي دي إف" كان المخططُ بناءها على أراضي قبيلة السكان الأصليين "يونيون هيدالغو"، على الرغم من أن محكمة مدنية فرنسية رفضت الطلب، جزئيا لأسباب إجرائية.

كما شهد مشروع طاقة الرياح "يوليكا ديل سور" على ساحل المحيط الهادئ في المكسيك احتجاجات واسعة النطاق، وتواجه مزرعة الرياح "غواجيرا 1" في كولومبيا مشكلات مماثلة وغيرها العديد من المشروعات في كافة أرجاء العالم نظراً لعدم وجود سياسات واضحة تحمي حقوق الإنسان في هذا الشأن.

لم تقتصر الادعاءات والاتهامات على إنتاج الطاقة من الرياح فقط، وإنما تم توجيه اتهامات إلى محطات الطاقة الشمسية، مثل "مزرعة نويفا إكسكالا" للطاقة الشمسية في إنجي ومتنزه يوكاتان للطاقة الشمسية في جينكوسولار، وكلاهما في المكسيك، وجاءت الاتهامات والشكاوى لتشمل الاستيلاء على الأراضي والمياه، وانتهاك حقوق أصحاب الأراضي.

وأشارت مديرة برنامج تحالف المستثمرين لحقوق الإنسان، أنيتا دوريت، إلى أن قطاع الطاقة المتجددة يواجه المشكلات التي واجهتها وما زالت تواجهه شركات الوقود الأحفوري من حيث الاستيلاء على الأراضي وضمان حصولها على الموافقة الحرة والمسبقة من المجتمعات.

إجمالاً.. لا يمكن للدول والشركات الدولية أو المحلية اتخاذ قرارات التحول إلى مجال الطاقة المتجددة دون فهم موقف المتضررين منه وخصوصاً أصحاب الأراضي والعمال لذلك يجب وضع سياسات وإجراءات وآليات واضحة تضمن حقوق الإنسان، كما يجب الاستفادة من خبرات شركات الوقود الأحفوري التي تعمل في إنتاج الطاقة منذ سنين، فقد واجهت هذه الشركات معوقات مثل تلك من قبل، ولدى العديد منها سياسات ناجحة جداً في الحفاظ على حقوق الإنسان وتخطي المعوقات بطريقة تحافظ على سير المشاريع وحقوق الإنسان أيضاً، كما يجب توخي الحذر أثناء بناء الشراكات والحرص على الالتزام بالمعايير الخاصة بحقوق الإنسان في قطاع الطاقة المتجددة، حتى لا تحدث عرقلة في التقدم الذي تسعى الدول والشركات إلى تحقيقه بشأن معالجة أزمة التغير المناخي.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية