مجلس حقوق الإنسان يناقش أنشطة الشركات العسكرية والأمنية الخاصة
في إطار انعقاد دورته الـ54 بجنيف
ناقش المجلس الدولي لحقوق الإنسان، المحتوى الإطاري التنظيمي لضمان المساءلة عن الانتهاكات والتجاوزات المرتبطة بأنشطة الشركات العسكرية والأمنية الخاصة.
جاء ذلك في إطار انعقاد الدورة الـ54 لمجلس حقوق الإنسان الأممي بجنيف خلال شهري سبتمبر وأكتوبر 2023 للاستعراض الدوري الشامل، بهدف توفير مساعدة تقنية للدول، وتوطيد قدرتها على معالجة تحديات حقوق الإنسان لديها.
واستعرض الفريق العامل تزايد الاعتماد على الشركات العسكرية والأمنية الخاصة وعلى استخدامها التكنولوجيات الناشئة، وكون هذه الأخيرة تدعو بوجه خاص إلى وضع إطار تنظيمي مرن بما فيه الكفاية لاستيعاب المستقبل غير المتوقع، مع الحفاظ على موقف راسخ في ما يخص حماية الضحايا.
وشدد على الموجة الحالية من متطلبات العناية الواجبة الإلزامية في مجال حقوق الإنسان للأعمال التجارية الجاري استحداثها، والمتعلقة بأهمية التنظيم والرقابة والمساءلة الفعالة لجميع مؤسسات الأعمال، بما في ذلك الشركات العسكرية والأمنية الخاصة.
وأشار في هذا الصدد إلى الفرصة المتاحة للفريق العامل لدعم الدول من خلال إطار تنظيمي واضح ومنسق من شأنه أن يضمن إمكانية لجوء الضحايا إلى العدالة.
وأعرب الفريق العامل عن قلقه من أن الشركات العسكرية والأمنية الخاصة بدأت، في سياق تلك الأدوار المتغيرة، تنخرط بشكل متزايد في أماكن النزاع، بما في ذلك بالمشاركة مباشرة في المعارك من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة.
وأبرز ضرورة التركيز على الضحايا وإمكانية لجوئهم إلى العدالة، لكنه شدد على أن النظام الإيكولوجي القائم للصكوك الطوعية لا يكفي لمعالجة المسائل المطروحة، ولفت الانتباه إلى الحاجة إلى صك أوسع نطاقاً وأكثر شمولاً.
وأعرب ممثل الاتحاد الأوروبي عن قلقه لأن بعض الكيانات العسكرية الخاصة غير الخاضعة للتنظيم والدول الراعية لها تقوم بدور متزايد في زعزعة الاستقرار من خلال عدم الامتثال للمعايير الدولية والقانون الدولي الإنساني.
وقال وهو يذكر اسم مجموعة فاغنر على وجه التحديد، إن بعض هذه الكيانات متورطة في تجاوزات حقوق الإنسان ضد المدنيين، في حين يرى الاتحاد الأوروبي أن من الضروري تغطية جميع الأعمال التجارية بطريقة غير تمييزية لضمان تكافؤ الفرص للشركات على الصعيد العالمي.
وبعض الأحكام لا تزال فضفاضة أو غامضة أكثر مما ينبغي، في حين أن أحكاماً أخرى غير موجودة، وفي ما يتعلق بعمليات الشركات العسكرية والأمنية الخاصة أثناء النزاع المسلح، ينقل إلى الدولة مسؤوليات تنظيم الشركات العسكرية والأمنية الخاصة وبالتالي حماية حقوق الإنسان واحترامها.
وكرر الاتحاد الأوروبي التأكيد على تحفظاته بشأن اعتماد صك ملزم قانوناً، من منظور القانون الدولي لحقوق الإنسان، مشيراً إلى أن ذلك النهج لا يأخذ في الاعتبار مجالات حاسمة في القانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الدولي ومسؤولية الدول.
وجدد الاتحاد الأوروبي التأكيد على التزامه بالمشاركة في هذه الدورة بإمعان وتقييم المضمون والقيمة المضافة لأي إطار تنظيمي دولي غير ملزم يحتمل تقديمه، ولاحظ أن مضمونه يجب أن يتماشى مع القانون الدولي المنطبق، لا سيما القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
توصيات الدول
ورحبت باکستان بإدراج المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك مسؤولية الدول والالتزام بتنظيم الشركات العسكرية والأمنية الخاصة تنظيماً فعالاً، وقالت إن السلامة الإقليمية للدول تشكل عنصراً أساسياً في ميثاق الأمم المتحدة، ويجب أن يشيد الصك التنظيمي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة حتى لا تضطلع بمهام متأصلة في أنشطة الدولة، بما في ذلك المشاركة في النزاعات وتنفيذ عمليات الاعتقال والاستجواب والتجسس. والشركات العسكرية والأمنية الخاصة مفهومان منفصلان.
وقال ممثل باكستان: "يجب تجنب معالجة هذين المفهومين معالجة عامة على أنهما نفس المفهوم، وعلى الرغم من محاولات سابقة لمحاسبة الشركات العسكرية والأمنية الخاصة على تجاوزات حقوق الإنسان وضمان إمكانية لجوء الضحايا إلى العدالة، فإن التنظيم الذاتي من جانب الشركات العسكرية والأمنية الخاصة لم يراع لا نصا ولا روحاً.
وأعرب ممثل سويسرا عن التزام بلاده بضمان احترام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان من جانب الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، بما في ذلك من خلال وثيقة مونترو ومدونة قواعد السلوك الدولية للشركات الأمنية الخاصة.
وذكر الممثل برأي سويسرا الذي أعربت عنه سابقاً أن وثيقة مونترو مكملة لإطار الأمم المتحدة، وينبغي أن تشمل عناصر التعاون والمساعدة المتبادلة وحماية الضحايا، ومع التسليم بأن الولاية الحالية تحول دون الحكم مسبقاً على طبيعة الإطار التنظيمي، فإن تجديد الولاية سيتطلب وضوحا بشأن طبيعة ذلك الصك، ومن شأن صك غير ملزم أن يكون أكثر واقعية وأكثر قبولاً على الصعيد العالمي.
ولاحظ ممثل بريطانيا وأيرلندا الشمالية أن الشركات العسكرية والأمنية الخاصة يمكن أن تكون كيانات محلية أو عالمية تستخدمها جهات من بينها الدول أو الأمم المتحدة أو المنظمات غير الحكومية في حالات النزاع وفي غير حالات النزاع على السواء، وتقدم معظمها خدمات تسهم إسهاماً إيجابياً في المجتمع.
وقال إن المملكة المتحدة تسلم بأن النهج المخصصة للتنظيم المحلي لا تراعي دائماً مخاطر انتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بعمليات بعض الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، وأن معظم الدول لم توقع على الصكوك الدولية القائمة في هذا السياق، وتوجه المملكة المتحدة الانتباه إلى التشريعات المحلية التي وضعتها لضمان تنظيم محلي شامل لصناعة الأمن.
وشدد على الحاجة إلى مساءلة ورصد قويين، وهو ما يعززه تورط جهات فاعلة من غير الدول في أنشطة غير مشروعة، بينما تزعم أنها تعمل كشركات عسكرية وأمنية خاصة.
وأكد ممثل الولايات المتحدة أن الشركات العسكرية والأمنية الخاصة تقدم خدمات مشروعة لمجموعة متنوعة من الأطراف المتعاقدة ويجب تمييزها عن المرتزقة الذين يشاركون في النزاع وسمعتهم سيئة بسبب تجاوزاتهم المتعلقة بحقوق الإنسان.
وأوضح ممثل جمهورية كوريا أن الشركات العسكرية والأمنية الخاصة تقدم مجموعة واسعة من الخدمات، ولكن أنشطتها والتجاوزات المرتبطة بهذه الأنشطة تتجاوز في كثير من الحالات نطاق القانون المحلي والدولي القائم.
وعلى سبيل المثال، تفتقر تلك الأطر القانونية إلى آليات لجير ضرر الضحايا؛ وقد انتشرت الانتهاكات في سياقات محددة، مثل مرافق الاحتجاز السرية للنساء والأطفال والسكان الأصليين، وفي النزاعات والصناعات الاستخراجية.
ولاحظ ممثل الاتحاد الروسي أن المجتمع الدولي ما زال يتمسك بمجموعة من المواقف بشأن مشروعية الشركات العسكرية والأمنية الخاصة ومعايير استخدامها.
ومن دون تفاهم متبادل بشأن مسائل من قبيل مشروعية الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، بما في ذلك تصنيف موظفيها بموجب القانون الدولي، أي ما إذا كانوا مقاتلين أو مدنيين أو فئة جديدة من الأشخاص، فإن أي محادثات مفصلة بشأن الأحكام ستكون سابقة لأوانها.
ولا تزال هناك حاجة إلى تحديد المعايير اللازمة للتمييز بين الأشكال التقليدية للارتزاق والأنشطة المشروعة للشركات العسكرية والأمنية الخاصة، وليس من المناسب إجراء مناقشات تتجاهل مسألة مشروعية الشركات العسكرية والأمنية الخاصة أو تفترض أن المسألة قد خلت بالفعل.
وذكّر ممثل جمهورية إيران بالحرب التي شنها الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، على بلده خلال عدة سنوات، وأسلحته الكيميائية التي قدمتها شركات غربية خاصة واستخدمت ضد إيرانيين أبرياء، وقال إن الإطار التنظيمي يجب النظر فيه في ضوء التجارب والدروس المستفادة للدول التي تأثرت تاريخياً بأنشطة الشركات العسكرية والأمنية الخاصة.
وأشار ممثل الهند بقلق إلى الانتشار غير المسبوق للشركات العسكرية والأمنية الخاصة التي تقدم طائفة واسعة من الخدمات إلى الدول والجهات الفاعلة من غير الدول بما فيها الأمم المتحدة وغيرها.
من المنظمات الدولية، قال إن أنشطة الشركات العسكرية والأمنية الخاصة تطورت في سياق واسع يشمل إشراك المدنيين في الأعمال القتالية، وإن الهند سنّت تشريعات محلية توفر مبادئ توجيهية لتنظيم هذه الصناعة المتنامية، بما في ذلك قواعد الترخيص ومتطلبات التدريب.
ويعقد مجلس حقوق الإنسان (تأسس عام 2006) ما لا يقل عن 3 دورات عادية في العام، لفترات مجموعها 10 أسابيع على الأقل، وهي تُعقد في أشهر مارس (لمدة 4 أسابيع) ويونيو (لمدة 3 أسابيع)، وسبتمبر (لمدة 3 أسابيع).
يجوز لمجلس حقوق الإنسان -إذا طلب ثلث الدول الأعضاء (عددها 47)- أن يقرر في أي وقت عقد دورة استثنائية لتناول انتهاكات وطوارئ حقوق الإنسان.